منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن دولة الاحتلال الإسرائيلية حملة غاشمة على قطاع غزة، أسفرت حتى الآن عن استشهاد أكثر من 23 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وذلك في مجزرة تصفها الأمم المتحدة بأنها ترقى لجرائم الإبادة الجماعية.
هذه المجازر الطاحنة تنتهجها إسرائيل تحت ذريعة ما يُسمى في القانون الدولي بـ"حق الدفاع عن النفس"، وهو الوسيلة المشروعة التي حددتها المواثيق العالمية عبر التاريخ لتوفير فرصة الدول في الرد والدفاع عن النفس عند التعرض لأي عدوان خارجي.
لكن بحسب مراقبين، هذه الوسيلة المشروعة تبتزها إسرائيل بشكل غير مشروع أو قانوني البتة؛ إذ تتخذها ذريعة للتنصُّل من المسؤولية عند اقتراف أبشع جرائمها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.. فما هي معايير قانون "حق الدفاع عن النفس" الذي تخالفه إسرائيل يومياً، وتستخدمه كثغرة تسوّغ من خلالها جرائم الحرب والإبادة في فلسطين المحتلة عبر العقود الماضية؟
ما هو قانون "حق الدفاع عن النفس"؟
الحق في الدفاع عن النفس هو مبدأ أساسي في كل من القانون الدولي والقوانين الدولية العرفية. وهو يسمح للدول باستخدام القوة عند الضرورة لحماية نفسها من أي هجوم مسلح.
وقد ورد مفهوم الدفاع عن النفس في المقام الأول في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على: "ليس في هذا الميثاق ما يضعف الحق الأصيل في الدفاع الفردي أو الجماعي عن النفس في حالة وقوع هجوم مسلح ضد أحد أعضاء الأمم المتحدة، إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين".
وتوضح التفسيرات أن الخطر الذي يجيز لأي دولة استخدام "حق الدفاع عن النفس" هو تعرضها لـ"عدوان من دولة أخرى فقط"، ويفترض في مثل هذه الحالة التحاكم أولاً للهيئات الدولية، قبل اللجوء إلى القوة مباشرةً.
وتشمل النقاط الرئيسية المشروعة لممارسة حق الدفاع عن النفس في القانون الدولي ما يلي وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة والمواثيق العالمية:
1- حق الدفاع عن النفس عند التعرض لهجوم مسلح
الحق في الدفاع عن النفس ينشأ عند التعرُّض لهجوم مسلح. ويمكن أن تكون هذه الهجمات المسلحة فردية أو جماعية بطبيعتها. ولا ينبغي بالضرورة أن يكون الهجوم المسلح حرباً واسعة النطاق؛ ويمكن أن يشمل أيضاً أعمال العدوان أو استخدام القوة.
2- تحديد معايير السرعة والضرورة قبل الاستخدام
إن استخدام القوة في الدفاع عن النفس يجب أن يكون ضرورياً ومتناسباً مع التهديد في نفس الحجم والأثر. ويجب أن يكون الرد فورياً ويجب أن يتوقف بمجرد تحييد التهديد.
3- قانون يستلزم إخطار مجلس الأمن
يتعين على الدول التي تقرر استخدام "حق الدفاع عن النفس" تقديم تقرير إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الفور بمسوغات ومبررات هذا الطلب في الاستخدام. وللمجلس سلطة اتخاذ التدابير اللازمة لصون أو استعادة السلام والأمن الدوليين بالطريقة المُثلى والضرورية.
4- الدفاع الجماعي عن النفس
هذا الحق القانوني لا يتم بشكل فردي بين الدول فحسب؛ إذ تعترف المادة 51 أيضاً بحق الدفاع الجماعي عن النفس؛ حيث يمكن للدول أن تهب لمساعدة دولة أخرى تتعرض لهجوم مسلح. ويظهر هذا غالباً في التحالفات العسكرية حينما يتعهد الأعضاء بالدفاع عن بعضهم البعض في حالة وقوع هجوم أو تهديد مسلح.
5- معايير الدفاع الوقائي عن النفس
هناك جدل مستمر حول شرعية الدفاع الوقائي عن النفس؛ حيث تستخدم الدولة القوة الغاشمة أحياناً لمواجهة "تهديد وشيك" أو "خطر محتمل" قبل وقوع هجوم مسلح فعلي.
ويرى المتخصصون في القوانين الدولية أنه مسموح به في ظل ظروف معينة، بينما يرى آخرون أن الحق في الدفاع عن النفس لا ينطبق إلا بعد وقوع هجوم مسلح فعلياً على أرض الواقع.
ما هو القانون الدولي العُرفي؟
بالإضافة إلى ميثاق الأمم المتحدة السالف ذكره، فإن الحق في الدفاع عن النفس معترف به أيضاً باعتباره قاعدة عُرفية في القانون الدولي. وقد أكدت الدول تاريخياً هذا الحق ومارسته رداً على الهجمات المسلحة في مناسبات عديدة.
ومن المهم ملاحظة أنه على الرغم من أن الدفاع عن النفس هو حق معترف به، فإن استخدام القوة في العلاقات الدولية يخضع للتدقيق ويجب الالتزام بمبادئ الضرورة والتناسب، وتجنب إلحاق الأذى غير الضروري بالمدنيين.
وتلعب الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية أدواراً مهمة في تفسير وتطبيق مبادئ الدفاع عن النفس في حالات محددة.
ما تمارسه إسرائيل في غزة ليس "دفاعاً عن النفس"
وحول ذريعة الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة منذ ما يزيد على 3 أشهر حتى الآن، يقول متخصصون في القوانين الدولية إنه لا يتماشى تماماً مع ما تقتضيه معايير استخدام "حق الدفاع عن النفس" للدول.
ويوضح السفير المصري السابق وأستاذ القانون الدولي والعلوم السياسية، عبد الله الأشعل، أن إسرائيل خالفت الشروط في عدة نقاط واضحة أبرزها أولاً؛ أنها دولة احتلال غير قانونية من الأساس، وحددت نطاق دولتها المزعومة برسم حدود غير قانونية أو مشروعة.
ثانياً؛ يوضح الأشعل أن رد الفعل القانوني بالدفاع عن النفس يكون في المقام الأول والوحيد تجاه أي هجوم أو عدوان من دولة أخرى، وهو ما لا ينطبق عند مواجهة المقاومة المسلحة في فلسطين.
ثالثاً؛ فيما يتعلق بحجم وتأثير رد الفعل الذي أقرت الأمم المتحدة أن يكون موازياً للخطر المحتمل أو التهديد الوشيك الذي تتعرض له الدولة، فقد تجاوزت إسرائيل، بما لا يدع مجالاً للشك، هذه الحدود في موجات عدوانها الغاشم على قطاع غزة بين الفينة والأخرى.
كما لفت الأشعل إلى بند الأمم المتحدة بأن يكون رد الفعل "مؤقتاً، ريثما يتولى مجلس الأمن معالجة الموقف"، وهو ما لم تنتهجه دولة الاحتلال، بل وأخلّت ببند آخر حول استشارة المجلس قبل البدء في ممارسة هذا الرد.
وأخيراً، لا يتضمن حق الرد أو الدفاع عن النفس في القانون الدولي استهداف المدنيين في أي من مناطق النزاع، كما لا يشمل استهداف المؤسسات والبنى التحتية وحرمان المواطنين من مقومات الحياة الأساسية من ماء وغذاء وكهرباء ووقود، وفقاً لسياسة "العقاب الجماعي" التي تنتهجها إسرائيل بحق قطاع غزة للتضييق على المقاومة الفلسطينية.