قال موقع Calcalist الإسرائيلي، في تقرير نشره يوم الإثنين 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، إن الإعلان الصادر من جانب أكبر 4 شركات شحن في العالم، والذي يفيد بتعليق هذه الشركات إبحار سفنها عبر الممر الملاحي لقناة السويس بسبب الهجمات التي يشنها الحوثيون عند مضيق باب المندب، يجسد ضربة قوية للتجارة العالمية، لكنها كذلك ضربة تضر قبل كل شيء بمصر.
وأوضح الموقع أن أقل ما يوصف به هذا الإعلان هو أنه إصابة في عصب الأمن القومي للبلاد؛ نظراً إلى أن هذا القرار من المتوقع له أن يؤدي إلى خفض حركة الشحن عبر قناة السويس بدرجة هائلة، ومن ثم سيضر بالدخل القومي لمصر.
قناة السويس شريان ملاحي هام
يمر نحو 20% من الاستهلاك العالمي للنفط والغاز عبر مضيق باب المندب، ويمر نحو 98% من السفن التي تستخدم المضيق عبر قناة السويس، سواء متجهة إلى أوروبا في الشمال أو إلى آسيا في الجنوب. كذلك يمر نحو 30% من حركة الحاويات ونحو 12% من تجارة البضائع، عبر قناة السويس.
وتعد قناة السويس واحدة من أهم مصادر العملة الأجنبية بالنسبة للاقتصاد المصري. فقد وصل الدخل السنوي لقناة السويس إلى 9.4 مليار دولار في العام المالي الماضي (الذي ينتهي في 30 يونيو/حزيران)، بعد قفزة بنحو 35%، في حين أن السفن التي عبرت خلال العام نفسه زاد عددها بنحو 18% ووصلت إلى 26 ألف سفينة، وذلك وفقاً للبيانات الرسمية التي أصدرتها هيئة قناة السويس. وبحساب تقريبي، تجني مصر من كل يوم عمل في قناة السويس ما بين 25 مليون و30 مليون دولار تقريباً، مقابل الرسوم التي تُجمع من السفن إضافة إلى الخدمات الإضافية التي تقدمها الهيئة إلى السفن.
وقال الموقع إن حادث جنوح السفينة "إيفرغيفن"، الذي تسبب في إيقاف حركة الملاح بالقناة لستة أيام، تسبب في أضرار بلغت قيمتها 100 مليون دولار. لكن الضرر الإجمالي الذي سببه جنوح السفينة على التجارة العالمية، بلغ عشرات المليارات من الدولارات، مما يبين الأهمية الكبيرة لهذا المجرى الملاحي الحيوي بالنسبة لحركة التجارة العالمية. صحيحٌ أن حركة الملاحة مفتوحة هذه الأيام في القناة، وأنها سوف تستمر حتى بعد إعلان الشركات الأربع الكبرى، لكنها لن تكون بالمستوى نفسه الذي يمكن أن يمنع الضرر الاقتصادي الهائل الذي ستتعرض له مصر والتجارة العالمية.
ضرر هائل على مصر
بخلاف الضرر الذي ستتكبده إيرادات الدولة المصرية، لا سيما في هذه المرحلة التي تعاني خلالها مصر من ضائقة اقتصادية، فإن تقلص حركة الملاحة في قناة السويس يجسد ضرراً هائلاً على صورة البلاد. إذ تجسد قناة السويس رمزاً قومياً بالنسبة لبلاد النيل، وقد بذلت السلطات في مصر خلال السنوات القليلة الماضية كل جهودها لتأمين الملاحة في القناة؛ خوفاً من مؤامرات "التنظيمات الجهادية" للإضرار بالمجرى الملاحي بهدف إضعاف موقف مصر في أعين الأطراف الفاعلة العالمية والإقليمية.
فإذا حاولت مصر عدم لفت الانتباه ومنع التصعيد والادعاء علناً على الأقل بأن حركة الملاحة في القناة لن تتأثر بالصواريخ والهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن، فإنها الآن في ظل إعلان الشركات الأربع الكبرى ستجد صعوبة أكبر في مواصلة اتباع هذه السياسة، وسوف تكون مضطرة إلى التحرك من أجل تقليص الضرر.
أزمة تخص سد النهضة
كانت المرة الأخيرة التي تعرضت فيها مصر لتهديدات من جانب دولة أخرى، هي عندما أعلنت إثيوبيا بناء سد النهضة على ضفاف نهر النيل، الذي يتركز حول ضفتيه غالبية سكان مصر. يهدد هذا المشروع الضخم المقام في إثيوبيا تدفق نهر النيل إلى مصر، ومن ثم يهدد حياة ملايين المصريين وأمنهم الغذائي. دخل المصريون في صراع طويل مع أديس أبابا، بدون أية نتائج ملموسة، ولكن برغم هذه التهديدات امتنعوا عن استخدام القوة، ويُعزى ذلك جزئياً إلى غياب الشرعية بين البلاد الأفريقية.
لكن الحقائق على الأرض الآن مختلفة، وثمة سيناريو مطروح لا يمكن استبعاده ويفيد بأنه إذا تواصل الضرر الذي تتعرض له قناة السويس، فإن المصريين، بالتنسيق مع الأمريكيين، سوف يعتمدون على الاستخبارات الدقيقة لشن هجمات ضد أهداف الحوثيين؛ لإرسال رسالة تقول إن السلطات في مصر لن تكون قادرة على الاستمرار في تحمل هذا الضرر على مصالحها الحيوية. وفي مثل هذه الحالة، يُرجح أن يُظهر الشعب في مصر تفهماً لاستخدام القوة، لأن قناة السويس أكبر من مجرد مصدر دخل للمصريين.
ومع ذلك، حتى قبل استخدام القوة العسكرية، من المتوقع أن مصر سوف تحاول العثور على طريقة للخروج من الأزمة الحالية عبر الوسائل الدبلوماسية التي في حوزتها.
إذ تشير تقارير وسائل الإعلام العربية إلى أن سلطنة عمان بدأت بإرسال رسائل إلى الحوثيين من "أطراف ثالثة"، ويبدو أن مصر أحد هؤلاء الأطراف، ولكن في اللحظة الراهنة ليست هناك أية استجابة من جانب الحوثيين اليمنيين. فضلاً عن ذلك، يُتوقع أن تنضم مصر إلى تحالف دولي سوف تؤسسه الولايات المتحدة لتقديم الحماية إلى حركة الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب، وسوف تنضم أيضاً بلاد عربية أخرى، من بينها الأردن والسعودية.