دعا نشطاء فلسطينيون ومنظمات شعبية إلى الدخول في إضراب عالمي عام يوم الإثنين 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وذلك للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار مع استمرار إسرائيل في عدوانها الغاشم على قطاع غزة في حرب تسببت حتى الآن في استشهاد أكثر من 17 ألف فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال.
وقد وجهت الدعوة للإضراب العام من قِبل القوى الوطنية والإسلامية، وهو ائتلاف من الفصائل الفلسطينية الكبرى، إلى الفلسطينيين في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة والداعمين للقضية في جميع أنحاء العالم للمشاركة في إضراب يشمل "جميع جوانب الحياة العامة" بخلاف الجهاز الطبي.
هذه الدعوات أعادت إلى الأذهان حملة مماثلة انطلقت قبل نحو 9 عقود، إذ قبل 87 عاماً تحديداً، بدأ الفلسطينيون أول تعبئة مكثفة وطويلة المدى ضد الاستعمار.
وبحلول عام 1936 اندلع ما بات يُسمى بالإضراب العام الكبير، الذي استمر حتى عام 1939، ضد وحشية الاحتلال البريطاني والمؤامرات الصهيونية التي استهدفت تقسيم البلاد في ذلك الوقت.
الإضراب الكبير ضد وحشية الاستعمار البريطاني
بين عامَي 1922 و1940، زاد عدد السكان اليهود في فلسطين تحت الاحتلال البريطاني أكثر من خمسة أضعاف، من 83,790 إلى أكثر من 467 ألفاً، أي حوالي ثلث إجمالي سكان فلسطين في ذلك الوقت، والذي بلغ حوالي 1.5 مليون نسمة إجمالاً.
وفي الوقت نفسه، تضاعفت ملكية الأراضي اليهودية من 148.500 إلى 383.500 فدان خلال نفس المدة الزمنية. فكانت تلك الهجرة اليهودية مصدراً للتوتر بين السلطات البريطانية والفلسطينيين، لا سيما بسبب نقل الأراضي إلى اليهودي – سواء من خلال عمليات التسليم الأحادية الجانب من قِبل البريطانيين، أو من خلال خلق ظروف تسهل الاستيلاء على الأراضي أو شراءها من الإقطاعيين غير الفلسطينيين.
وسنت السلطات البريطانية تشريعات تسمح بمصادرة الأراضي الفلسطينية للأغراض العسكرية، وكان يتم تسليم هذه الأراضي بعد ذلك إلى اليهود.
كما أدى التأثير الاجتماعي والاقتصادي لسياسات الانتداب البريطاني على الفلسطينيين، نتيجة فرض ضرائب باهظة على إنتاج الفلاحين الزراعي، وتفشي الفقر في المدن والقرى على حد سواء، إلى تمهيد الطريق لإضراب عام 1936.
الاستعمار البريطاني ومخطط الدولة اليهودية الجديدة
في العام 1935، كان التدفق غير المسبوق لـ 62 ألف يهودي أوروبي إلى فلسطين، معظمهم فارون من النازية في أوروبا الوسطى، هو القشة الأخيرة بالنسبة للفلسطينيين الذين قاوموا لعقود من الزمن هجرة المستوطنين اليهود وتهريب المستوطنين اليهود إلى بلادهم بتيسير من الاحتلال البريطاني.
ومع تصاعد التوترات وانخراط كل من الفلسطينيين واليهود الأوروبيين في سلسلة من المواجهات العنيفة، تطورت التداعيات في النهاية إلى اندلاع عصيان مدني في 19 أبريل/نيسان 1936 في يافا.
وفي غضون أسبوعين، تطورت الاحتجاجات إلى إضراب وطني وثورة عامة، بقيادة اللجنة العربية العليا، التي كانت آنذاك الجهاز السياسي الرئيسي للفلسطينيين. فبدأ الناس حملة عصيان مدني كبرى، وأغلقوا متاجرهم، ورفضوا دفع الضرائب للسلطات البريطانية.
وتشكلت لجان وطنية في مدن فلسطينية أخرى، وشكل ممثلو الأحزاب العربية "اللجنة العربية العليا" بقيادة الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس في ذلك الوقت.
وانتشر الإضراب العام تدريجياً في جميع أنحاء فلسطين، ورافقه تشكيل مجموعات فلسطينية مسلحة بدأت بمهاجمة القوات البريطانية واليهودية، لتبدأ بذلك "الثورة الفلسطينية الكبرى" التي استمرت ثلاث سنوات.
وكانت المطالب الفلسطينية كالتالي:
- وقف تدفق اليهود الأوروبيين إلى فلسطين بتسهيلات بريطانية.
- حظر نقل وبيع الأراضي للمستوطنين اليهود.
- إنهاء الانتداب البريطاني.
- استقلال فلسطين مثلما استقلت المستعمرات البريطانية الأخرى.
مواجهات قاسية ونهاية كارثية
مرت 3 سنوات على الإضراب الكبير الذي امتد لمختلف قطاعات الاقتصاد الفلسطيني، وبحلول خريف عام 1939، كان الاحتلال البريطاني لفلسطين قد حشدت 30 ألف جندي في فلسطين لقمع الثورة.
وبذلك الجيش تم إطلاق العنان لسياسة العقاب الجماعي والقصاص. وتعرضت القرى للقصف الجوي، وفُرض حظر التجول، وهُدمت المنازل. كما انتشرت عمليات الاعتقال الإداري وعمليات القتل بالإعدام الميداني على نطاق واسع.
وقد ورثت الدولة اليهودية هذه التدابير لاحقاً وتم تطبيعها كسياسات الدولة الإسرائيلية الوليدة ضد الفلسطينيين.
ولسحق التمرد ومساعدة المشروع الصهيوني، تعاون الانتداب البريطاني مع المستوطنين اليهود وشكلوا جهاز شُرَطي ضم بحلول عام 1939 ما يزيد عن 21 ألف يهودياً.
وأسفرت الحرب الوحشية التي شنتها بريطانيا والقوات اليهودية عن استشهاد وإصابة وتهجير ما بين 14% إلى 17% من السكان الذكور البالغين؛ حيث استشهد تحديداً أكثر من 5000 فلسطيني، وجُرح 15000، وسجن ما يقرب من 6000، وأُعدم 100. كما تم تدمير أكثر من 2000 منزل.
وبعد سحق الإضراب الكبير والثورة، عكفت بريطانيا على إفشال الفلسطينيين وتجريدهم من السلاح والدفاعات والقدرة على توحيد صفوفهم.
وفي الوقت نفسه، ساعد الاحتلال البريطاني اليهود على التطور وتشكيل كيان شبه دولة يتمتع بقوة عسكرية كبيرة تجاوزت في عام 1948 بكثير من حيث المعدات والقوات ما تبقى من المقاومة الفلسطينية والجيوش العربية مجتمعة، فيما آل في نهاية المطاف إلى النكبة الفلسطينية.