في اليوم الـ65 من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، يواصل جيش الاحتلال استهداف أحياء سكنية مأهولة بالمدنيين في المدن المحاصرة، وسط انهيار واسع للبنى التحتية والخدمات وكافة أشكال الحياة؛ نتيجة لقطع إمدادات القطاع من الوقود والكهرباء والماء والغذاء.
العدوان الإسرائيلي الغاشم تسبب حتى الآن في استشهاد أكثر من 17 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، إضافة لإصابة عشرات الآلاف بحالات معظمها خطرة في ظل غياب شبه كامل للخدمات الطبية في القطاع نتيجة انهيار المنظومة العلاجية.
هذه الكارثة الإنسانية دفعت بالكثيرين للتساؤل: لماذا تنتهج إسرائيل تكتيكاً عسكرياً غاشماً يستهدف البنى التحتية والمدنيين دون أي قلق من مردود هذه الممارسة على الرأي العام الدولي أو المحاسبة؟ الإجابة هي "بروتوكول الضاحية".
عقيدة الضاحية.. تكتيك الحرب الشعواء لإسرائيل
يكمن السر تحديداً فيما يُعرف بـ"استراتيجية الضاحية"، أو بروتوكول الحرب المعروف باسم "عقيدة الضاحية" الذي يتبعه جيش الاحتلال الإسرائيلي لإيقاع أكبر قدر من الخسائر.
وتذهب هذه الاستراتيجية إلى ما هو أبعد من هزيمة الخصم، إذ تسعى الاستراتيجية إلى تدمير الاقتصاد والبنية التحتية الرئيسية، مع سقوط العديد من الضحايا بين المدنيين.
وعلى يد غادي آيزنكوت، الوزير في المجلس الوزاري الحربي الإسرائيلي الذي يقر خطط الحرب في غزة، والقيادي في حزب "الوحدة الوطنية"، الذي يترأسه الوزير في المجلس الوزاري الحربي بيني غانتس، شرع جيش الاحتلال الإسرائيلي في تطبيق استراتيجية "الضاحية"، التي سبق تنفيذها في حربه على لبنان.
وقد اتخذت اسمها من الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، التي تتمركز فيها كتائب "حزب الله".
الاحتلال يعتبر كل الأماكن المدنية "قواعد عسكرية"
وأوضح غادي آيزنكوت، الشخص الرئيسي وراء الفكرة، فلسفة الحرب الشعواء تلك بأنها "تستوجب استخدام القوة المفرطة غير المتكافئة من قبل إسرائيل، دون النظر إلى الرأي العام الدولي أو الاحتجاجات العالمية".
وفي عام 2008، بعد حرب لبنان بعامين، أعلن المسؤول الإسرائيلي أن دولة الاحتلال لن تكرر تجاربها السابقة في مواجهة المهاجمين بالصواريخ، وبدلاً من ذلك يجب على إسرائيل استخدام القوة غير المتكافئة حتى في المناطق السكنية، دون مراعاة للاحتجاجات الدولية. وأكد أن هذه المناطق لا تُعتبر مدنية، ولكنها "قواعد عسكرية".
ووفقاً لتقرير لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق حول حرب غزة عام 2009، اعتمدت إسرائيل استراتيجية "التدمير واسع النطاق"، مستخدمة في ذلك "القوة غير المتناسبة"، مما أسفر عن أضرار هائلة وتدمير للممتلكات والبنية التحتية المدنية ومعاناة للسكان المدنيين.
هذا النهج العسكري تم تطبيقه أيضاً في عام 2014 خلال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، عندما قامت إسرائيل بقصف وتدمير العديد من المناطق السكنية، مما أسفر عن وفاة آلاف المدنيين. ويظل هذا التكتيك قائماً حتى اليوم في حملات الاحتلال ضد قطاع غزة.
ويقول بول روجرز، أستاذ دراسات السلام في جامعة برادفورد في مقال له بصحيفة "الغارديان" البريطانية، إن الهدف الإسرائيلي المباشر، والذي قد يستغرق شهوراً لتحقيقه، هو القضاء على حماس مع محاصرة الفلسطينيين في منطقة صغيرة في جنوب غرب غزة؛ حيث يمكن السيطرة عليهم بسهولة أكبر. والهدف على المدى الطويل هو توضيح أن إسرائيل لن تتسامح مع أي شكل من أشكال المقاومة. وسوف يحتفظ جيشها بالقوة الكافية للسيطرة على أي تمرد، وبدعم من قدراتها النووية القوية، لن يُسمح لأي دولة إقليمية بتشكيل تهديد.
حتى "القوة المفرطة" قد لا تكفي!
بدورها، وصفت صحيفة يديعوت أحرونوت عقيدة الضاحية التي يتبعها جيش إسرائيل بأنها "ليست تهديداً من ضابط بل هي خطة موافق عليها" و تعتمدها الدولة بشكل رسمي.
في غضون ذلك، دعا عضو الكنيست الإسرائيلي ريفيتال غوتليب إلى النظر في إلقاء قنبلة نووية على غزة، ونشر عبر حساباته الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي رسالة قال فيها: "وحده انفجار يهز الشرق الأوسط هو الذي يمكن أن يعيد كرامة هذا البلد وقوته وأمنه. لقد حان الوقت لمواجهة يوم القيامة".
كما نادى جنرال إسرائيلي سابق يُدعى جيورا إيلاند، بضرورة "خلق كارثة إنسانية غير مسبوقة" في غزة، مُهدِّدا بنكبة أخرى.
هذه النكبة الجديدة يعتبر الكثير من النشطاء والمراقبين أنها تُعد بمثابة واقع حقيقي في قطاع غزة اليوم، وذلك بعد تهجير سكان مدن شمال القطاع تحت وطأة القصف الكثيف والعشوائي، والدفع بالمواطنين إلى الجنوب لإخلاء الأحياء السكنية والسيطرة عليها.