يعمل المسؤولون الإسرائيليون بهدوء مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على اقتراح مثير للجدل لإجراء عملية تخصيب لليورانيوم تديرها الولايات المتحدة في السعودية كجزءٍ من صفقة ثلاثية معقدة لإقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين الطرفين، وفقاً لما نقلته صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، عن مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين، الخميس 21 سبتمبر/أيلول 2023.
وقال المسؤولون إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجَّه كبار المتخصصين الإسرائيليين في المجال النووي والأمني بالتعاون مع المفاوضين الأمريكيين في محاولتهم التوصل إلى حل وسط قد يسمح للسعودية بأن تصبح ثاني دولة في الشرق الأوسط، بعد إيران، تقوم بتخصيب اليورانيوم علناً.
وتتفاوض الولايات المتحدة والسعودية على ملامح صفقة تعترف فيها السعودية بإسرائيل مقابل مساعدة المملكة على تطوير برنامج نووي مدني لتخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، من بين تنازلات أخرى.
ومن المتوقع أن تشمل الجوانب الأخرى للصفقة المتطورة تنازلات للفلسطينيين وضمانات أمنية أمريكية، بحسب "وول ستريت جورنال".
إذا وافقت السعودية على إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فإن ذلك سيمهد الطريق أمام الدول العربية والإسلامية الأخرى لتحذو حذوها، مما يُنهي فعلياً عقوداً من النبذ لإسرائيل منذ عام 1948.
تحوُّل سياسي كبير
وفي حين لم تتفق الولايات المتحدة ولا إسرائيل حتى الآن على خطة من شأنها أن تسمح بتخصيب اليورانيوم في السعودية، فإن القيام بذلك سيمثل تحوُّلاً سياسياً كبيراً في كلتا الدولتين؛ حيث عمل القادة من مختلف الطيف السياسي على منع دول الشرق الأوسط من تطوير القدرة على تخصيب اليورانيوم.
ورغم أن إسرائيل لن تعترف بذلك علناً، فهي الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية، ولا تريد أن تنضم دولٌ معادية إلى هذا النادي الصغير من مالكي الأسلحة النووية.
وبرزت جهود المملكة السعودية لتخصيب اليورانيوم كواحدة من القضايا الشائكة التي تواجه القادة الأمريكيين والإسرائيليين أثناء محاولتهم صياغة اتفاق يمكن أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط.
ووصف ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أمس الأربعاء، مفاوضات التطبيع مع إسرائيل بالجدية، وأنها تقترب كل يوم من التوصل إلى اتفاق، فيما نص على أن بلاده ستسعى للحصول على سلاح نووي إذا حصلت إيران عليه.
وتُعَد تعليمات نتنياهو للمسؤولين الإسرائيليين ببدء المفاوضات أوضح إشارة حتى الآن على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي مستعد للسماح للسعودية بتعزيز طموحاتها النووية، رغم أن النقاد يقولون إن مثل هذه الخطوة يمكن أن تسرِّع سباق التسلح في المنطقة.
وبينما تقوم إدارة بايدن بصياغة خطط لإنشاء نظام لتخصيب اليورانيوم تديره الولايات المتحدة في المملكة السعودية كخيار لمعالجة مساعي المملكة لإنشاء برنامج نووي خاص بها، حذّر المسؤولون الأمريكيون من أنهم يفكرون في بدائل أخرى. ولم يؤكد الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد على فكرة السماح بتخصيب اليورانيوم في السعودية، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
وناقش بايدن المناورة الدبلوماسية، أمس الأربعاء، عندما التقى نتنياهو في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها الرجلان منذ عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى منصبه في ديسمبر/كانون الأول 2022.
وبعد الاجتماع، قال مسؤول كبير في إدارة بايدن إن أي دعم لطموحات السعودية النووية سيفي بمعايير عالية.
ضمانات وضغوطات سعودية
ويقول الخبراء إنه قد تكون هناك ضمانات يمكن وضعها لإغلاق منشأة التخصيب عن بعد -بدءاً من آلية الإغلاق الرسمية عن بعد وحتى الأنظمة التي تعمل على تسريع أجهزة الطرد المركزي إلى النقطة التي تتعطل فيها. ومع ذلك، لا يوجد نظام مضمون لإغلاق منشأة عن بعد لا يمكن التلاعب بها أو حظرها من قِبَل أولئك الذين يتحكمون فعلياً في الموقع، كما يقول الخبراء النوويون.
وتضغط السعودية منذ سنوات لمواصلة تخصيب اليورانيوم، لكن في محادثات مع الولايات المتحدة، قال المسؤولون السعوديون إنهم سيقبلون صفقة تدير فيها الولايات المتحدة المنشأة.
ويقارن القادة السعوديون الفكرة بالنموذج المستخدم لتطوير شركة أرامكو، شركة النفط المملوكة للدولة؛ حيث تأسست أرامكو في ثلاثينيات القرن العشرين بالتعاون مع شركة ستاندرد أويل في نيويورك، وكانت تُعرف في البداية باسم شركة النفط العربية الأمريكية، وهددت السعودية بتأميم الشركة في الخمسينيات وسيطرت في نهاية المطاف على السيطرة الكاملة في عام 1980.
وقاوم الرؤساء الديمقراطيون والجمهوريون منذ فترة طويلة الجهود التي تبذلها دول الشرق الأوسط لتخصيب اليورانيوم. وفي عام 2009، وقَّعت الولايات المتحدة اتفاقاً للتطوير النووي مع الإمارات يمنع الدولة الخليجية من تخصيب اليورانيوم على أراضيها. وقد أصبحت هذه الصفقة معروفة بأنها المعيار الذهبي للتعاون النووي الأمريكي مع الدول الأخرى، ومن شأن تقديم أكثر من ذلك للسعودية أن يضع معياراً جديداً.
ويشعر بعض القادة الإسرائيليين بالقلق من أن الدعم الأمريكي لبرنامج نووي مدني في السعودية يمكن أن يمهد الطريق أمام الرياض لتطوير أسلحة نووية، وهو ما قال ولي العهد السعودي إنه سيفعله إذا فعلت إيران ذلك أولاً. ويمكن أن يفتح الباب أمام الإمارات للحصول على موافقة مماثلة.
وتثير الفكرة أيضاً معارضةً في واشنطن؛ حيث تشن مجموعات مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، حملات لعرقلة أي صفقة تسمح للسعودية بتخصيب اليورانيوم.