كشفت مصادر حكومية خاصة لـ"عربي بوست"، عن أن رئيس الحكومة الفلسطينية محمد إشتية، قدم استقالته إلى رئيس السلطة محمود عباس، وأن هناك اسماً مرشحاً لدى الأخير لتكليفه بالحكومة في حال إصرار رئيس الوزراء الحالي على استقالته التي قالت إنه قدمها في يوليو/تموز 2023، رغم وجود خيارات أخرى في حال الموافقة على استقالة إشتية.
أكدت المصادر أن عباس رفض طلب إشتية إعفاءه من منصبه وقبول استقالته، إلا أنّ الأخير يصر عليها، ما دفع برئيس السلطة إلى أن يكون "أمام 3 خيارات".
عباس واستقالة إشتية
أوضحت أن أحد هذه الخيارات لدى عباس في حال قبوله استقالة إشتية، هو الذهاب إلى حكومة وحدة وطنية مع الفصائل الفلسطينية، أما الخيار الآخر هو تكليف محمد مصطفى، الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، وذلك لتشكيل حكومة تكنوقراط، وحكومة يغلب عليها الطابع الاقتصادي.
وقالت إن الذهاب إلى حكومة وحدة وطنية كان بالأساس سيناريو مطروحاً بعد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في مدينة العلمين في مصر، الذي تم منذ 3 أسابيع، إذ تمّ تشكيل لجنة من الفصائل الفلسطينية لمتابعة أية توافقات تجري في المرحلة المقبلة، ومنها تشكيل حكومة وحدة وطنية.
لكن المصادر المطلعة المقربة من رئيس الوزراء الفلسطيني محمد إشتية، أكدت أنّه في حال فشل هذا الخيار، سيذهب عباس على الخيار الثاني بتكليف محمد مصطفى، في حال قبوله استقالة إشتية.
أما في حال فشل تحقيق ذلك، فإنّ عباس سيذهب إلى الخيار الثالث، وهو الإبقاء على محمد إشتية، مقابل إعطاء صلاحيات أوسع له ولحكومته، لتتمكن من العمل، أبرزها الصلاحيات المالية الكاملة.
تشكيل حكومة وطنية
تواصل "عربي بوست" مع مكتب رئيس الوزراء الفلسطيني، للوقوف على ملابسات وتفصيلات الأمر لا سيما حول استقالة إشتية، إلا أنّ رئيس الوزراء أبدى اعتذاره الرسمي عن التعليق حول الأمر، مكتفياً بالتأكيد على أنّ هناك تغيرات قادمة على مستوى رئاسة الوزراء، وأنّ المشهد السياسي لم يتضح بعض.
من جانبه، رأى عضو المكتب السياسي للجبهة العربية الفلسطينية عمران الخطيب، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أنّ السيناريو الأقرب في المرحلة الحالية هو ذهاب القيادة الفلسطينية لتشكيل حكومة وحدة وطنية، مؤكداً أنّ "هذا الأمر يأتي بعد اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بمشاركة 11 فصيلاً".
وأضاف أنّ "هناك لقاءً آخر مزمعاً عقده قريباً على مستوى الأمناء العامّين، وسيحدد موعد نهاية الأسبوع الجاري، وسيحدد المرحلة المقبلة السياسية في الساحة الفلسطينية، وإن كان بالإمكان تشكيل حكومة وحدة وطنية بتوافق من الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها الفصيلان الأكبر حماس وفتح".
الخطيب الذي كان أحد المشاركين في اجتماعات الأمناء العامّين في العلمين المصرية، قال إنّ "الفصائل الفلسطينية أبدت رغبة بتجاوز الخلافات السابقة بينها، خاصة حماس وفتح، وإنّ هناك إصراراً من المجتمعين على تشكيل حكومة وطنية".
وكشف الخطيب عن أنّ عباس "أبدى رغبة شديدة في إنجاح الحوار في العلمين، حتى وإن كانت هناك إخفاقات في الحوارات السابقة التي تمت بين الفصائل الفلسطينية"، مشدداً على أنّ رئيس السلطة "يعطي الأولوية لخيار حكومة الوحدة الوطنية"، وفق قوله.
الاتصالات بين الفصائل الفلسطينية بحسب تأكيدات الخطيب، لم تنقطع منذ بدء الجهود المصرية والتركية لأجل تحقيق الوحدة بين الشعب الفلسطيني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، خاصة بين فتح وحماس، مؤكداً أنّ عباس يصرّ هذه المرة بشكل كبير على الدفع نحو خيار تشكيل حكومة وحدة وطنية وإنهاء الانقسام الفلسطيني، كاشفاً عن أنّ هناك لقاءً قادماً سيعقد مجدداً بين الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية في مصر مجدداً.
وأكد خطيب أنّ عباس يريد تعزيز موقفه أثناء المشاركة في دورة اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل سبتمبر/أيلول 2023 في نيويورك، حيث من المتوقع أن يتوجه إلى هناك في 17 من الشهر المقبل، على أن يلقي كلمة فلسطين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 من الشهر ذاته.
التغييرات في السلطة
تأتي هذه التطورات على الحكومة لا سيما المرتبطة باستقالة إشتية، في ظل التغيرات الواسعة التي تشهدها السلطة الفلسطينية، كان على رأسها قرار عباس بتغيير غالبية المحافظين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما كشفت عنه مصادر لـ"عربي بوست" في وقت سابق، بأنه يمثل خطوة لسلسلة تغيرات تهدف لتحسين مكانة السلطة على المستوى الدولي والعربي والمحلي، التي شهدت تراجعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة.
وكان عباس، قدر أصدر مؤخراً مرسوماً رئاسياً أحال بموجبه 12 محافظاً، هم 8 في الضفة الغربية و4 في قطاع غزة، إلى التقاعد، معلناً تشكيل لجنة رئاسية من ذوي الاختصاص لاختيار محافظين جدد.
من أبرز المحافظين الذين جرت إحالتهم إلى التقاعد: محافظ جنين اللواء أكرم رجوب، ومحافظ نابلس اللواء إبراهيم رمضان، ومحافظ الخليل اللواء جبرين البكري، ومحافظ أريحا جهاد أبو العسل، وهي المحافظات التي شهدت مؤخراً أحداثاً واضطرابات أمنية بين أجهزة الأمن وتشكيلات ومجموعات مسلحة محلية وشعبية.
كما عمد عباس إلى اتخاذ قرارات أخرى، من بينها إحالة عشرات من سفراء دولة فلسطين في الخارج إلى التقاعد عبر تفعيل المادة الـ22 من قانون السلك الدبلوماسي، وسط تصاعد الانتقادات والشكاوى بشأن أداء بعض سفراء دولة فلسطين.
في هذا السياق، يؤكدّ المحلل والكاتب الفلسطيني رياض قدرية، لـ"عربي بوست"، أنّ "الخطوات التي يقوم بها عباس تدخل في إطار خطة جديدة تهدف للدفع بوجوه شابة لتقلد هذه المناصب، ولضخ دماء جديدة في السلك الدبلوماسي، وإعطاء الشباب الفرصة لتمثيل السلطة الفلسطينية، كما أنها تهدف إلى إرضاء القواعد الشعبية لحركة فتح، وقيادات وكوادر الإقليم على مستوى المحافظات الفلسطينية".
وأوضح أنّ "تعيين محافظين جدد في مناصبهم سيمكن ذلك عباس من ضبط الأوضاع الأمنية، وتسهيل تطويع القرار الفلسطيني على مستوى المحافظات، إذ سيسهل تعيين المحافظين الجدد من الوجوه الشابة من تمرير الكثير من القرارات على المستوى السياسي والأمني، خصوصاً أنّ المحافظين السابقين ممن تمت إقالتهم كانوا يعتبرون بمثابة قوى شد عكسي لكثير من القرارات المتعلقة على مستوى المحافظات الفلسطينية، من ضمنها قضية التنسيق الأمني".
وأكد قدرية أنّ "المحافظين السابقين كانوا يرفضون الكثير من قرارات القيادة الفلسطينية المتعلقة بقضية تعزيز الجهود على مستوى ضبط الأوضاع الأمني والتنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، ومنهم محافظو جنين والخليل ونابلس، وهؤلاء جميعاً يعتبرون وجوها قديمة ومخضرمة على المستوى السياسي والأمني، بالتالي فإنّ عباس يحتاج إلى شخصيات جديدة، يستطيع من خلالهم تمرير قرارات سياسية، والعمل على إخضاعهم وتطويعهم بسهولة أكثر".
وقال إنّ عباس "يريد إحداث تغييرات واسعة على المستوى السياسي والأمني في المشهد السياسي الفلسطيني على المستويات كافة، وهذا كان فعلياً على مستوى المحافظين، ومن ثمّ عبر السفراء في الخارج الذين سيشملون حوالي 40 شخصاً تتراوح أعمارهم ما بين 60-70 عاماً، ومن ثمّ تجديد الحكومة الفلسطينية، الأمر الذي سيؤدي إلى اكتمال وتجديد المشهد الفلسطيني".
يشار إلى أنه في 30 يوليو/تموز 2023، عقد الأمناء العامّون للفصائل الفلسطينية اجتماعاً طارئاً في مصر، عقب عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة استمرت نحو 48 ساعة في مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة.
ودعا عباس، في البيان الختامي للاجتماع، إلى تشكيل لجنة من الأمناء العامّين للفصائل المشاركة في الاجتماع، لاستكمال الحوار الوطني بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية.