نظم موقع "عربي بوست"، الثلاثاء 1 أغسطس/آب 2023، ندوةً بعنوان "الدور التركي في ليبيا.. سيناريوهات الحل في ليبيا وآثارها على المنطقة"، ناقش فيها الدور التركي في الملف الليبي وتأثيرات ذلك على الملف الإقليمي ومصالح الدول في المنطقة.
شارك في الندوة رئيس منتدى الشرق الشبابي وضاح خنفر، والدبلوماسي التركي الكبير "فكرت أوزار" وهو سفير سابق في عدد من الدول العربية، بالإضافة إلى مجموعة من الصحفيين العرب، وشخصيات سياسية ليبية وتركية أخرى.
الدور التركي في ليبيا..موازين القوى في العالم تتغير
انطلقت الندوة بكلمة من رئيس منتدى الشرق وضاح خنفر، الذي ألقى الضوء على المرحلة الحرجة التي يعيشها العالم ككل، والتغير الحاصل في النظام الدولي وتغيير ميزان القوى، والذي يستدعي تفكيراً غير نمطي وبعيد عن الرتابة، خاصة أن القوى العظمى التي شكلت المنطقة في مرحلة ما بعد الدولة العثمانية، لم تعد بنفس الصلابة، وأن العالم ككل يشهد حالة من الانتقال السياسي الدولي والإقليمي للقوة السياسية والاقتصادية.
استشهد خنفر، بالأوضاع الحالية والمتغيرة في غرب إفريقيا، وما تقوم به بعض الدول هناك، والتي كانت جزءاً من المستعمرات الفرنسية، من مقاومة النفوذ الفرنسي ومحاولة التخلص من الواقع الذي فرضته فرنسا بعد انتهاء استعمارها لتلك الدول من نهب مستمر للثروات الطبيعية للقارة السمراء.
وقال إن "تلك القوى العالمية وهيمنتها لم تعُد بنفس الروح والقوة التي كانت عليها قبل عقدين من الزمن، إذ كان النظام الغربي قادراً باستخدام القوة أو باستخدام الضغوط السياسية والاقتصادية، على القضاء على طموح وجهود الدول الإفريقية التي تحاول مقاومته أو الخروج من هيمنة تلك القوى الدولية، لكن بعد تنامي النفوذ الصيني والروسي تغيرت موازين القوى".
وأوضح في هذا الإطار أن "ما نشهده من ضعف سطوة الدول الاستعمارية الأوروبية القديمة، أصبحت الشعوب والدول الضعيفة أقوى ولديها فرصة أكبر في التعبير عن أنفسها وتحقيق غاياتها. وما يمكن أن ينجح في عالمنا العربي اليوم، أفضل بكثير مما كان عليه قبل سنوات، ما رفع سقف الطموح العربي والشعوب في إفريقيا".
وتعدّ ليبيا واحدة من النماذج التي شهدت تدخل كل هذه القوى، وربما يكون تحقيق التوازن للعلاقات مع كل تلك القوى صعباً، ولكن وحدهم الليبيون هم القادرون على تقديم رؤية مستقبلية لبلادهم.
التقارب التركي مع مصر والإمارات وانعكاس ذلك على الوضع في ليبيا
بدأت ندوة "عربي بوست" بالتطرق إلى أبرز التساؤلات حول الأسباب التي تعيق تحقيق الانتخابات وملف تقاسم الثروة ومجالس الحكم بين القوى المتصارعة هناك.. وإلى أين يمكن الوصول في الصراع؟ وما التغييرات التي تطرأ على الملف الليبي بعد التقارب التركي من الدول العربية؟ وما انعكاس الوضع في ليبيا على تركيا؟
استهل السيد فكرت أوزار الحديث عن التوجهات السياسية التركية في ليبيا، إذ اشتغل في السفارة التركية في طرابلس منذ سنة 1970، كما مكث هناك لمدة 4 سنوات في ظل حكم الرئيس معمر القذافي وتطبيق الكتاب الأخضر.
فيما غادر ليبيا سنة 1983، إلا أنه تابع الأحداث الليبية التي تعتبر من بين الولايات الثلاث التي كانت تتبع السلطنة العثمانية فيما مضى، كما مثلت ليبيا بوابة سياسية مهمة في المنطقة، وكان لها دور كبير عبر التاريخ.
وأضاف الدبلوماسي فكرت أوزار أن الشعب الليبي يستطيع تقرير مصيره عن طريق الانتخابات بالإضافة إلى التخلص من الوصاية الديكتاتورية للجيش، لهذا تعتبر الانتخابات الليبية مهمة جداً في حال كانت القاعدة الانتخابية سليمة.
كما تطرق إلى النظرة التركية حول الانتخابات، والإشراف الأممي والدول المعنية بالموضوع لضمان نزاهة الانتخابات وشرعيتها وإرضاء جميع الأطراف، أما في حال لم تكن الانتخابات في الطريق الصحيح فهذا لن يحل النزاعات بل سيتسبب في اندلاع أخرى أكثر حدة.
وقال إنه "بعد الاستقلال، تمكنت ليبيا من تجاوز الأزمة الناتجة عن الاستعمار الإيطالي، لكن في اليوم الحالي تشهد ليبيا انقساماً ما بين شرق وغرب البلاد وعدم إبداء القدرة على التسامح أو التوافق من أجل بناء دولة واحدة، وذلك من أجل استغلال الثروات الليبية لصالح الشعب".
أما بخصوص النظرة إلى ملف الانتخابات الليبية بعد انتهاء نظيرتها التركية التي انتهت بفوز الرئيس رجب طيب أردوغان، أضاف السيد فكرت أوزار أن تركيا تعتبر حكومة الوحدة الوطنية هي الممثل الشرعي للشعب الليبي، فيما حددت تركيا مصالحها الاقتصادية في البحر الأبيض المتوسط عن طريق الاتفاقيات الاقتصادية مع ليبيا التي تعتبر عمودها الفقري "للحدود الاقتصادية" في البحر الأبيض المتوسط.
تاريخ عريق للعلاقات التركية الليبية
استضاف "عربي بوست" أيضاً السيد "بكير أتاجان" مدير معهد إسطنبول للفكر وعضو في حزب العدالة والتنمية ومرشح نيابي سابق، الذي استهل الحديث حول العلاقات التركية الليبية منذ عهد العثمانيين، والتي استمرت حتى بعد قيام الجمهورية التركية منذ 100 سنة.
كما كانت ليبيا من أوائل الدول التي أرسلت سفيراً لها إلى تركيا، واستمرت على ما هي عليه حتى في عهد الرئيس الليبي معمر القذافي، إذ وقفت ليبيا إلى جانب تركيا فيما يخص الأزمة في قبرص خلال رئاسة القذافي، إذ قال هذا الأخير: "إن ليبيا ستكون إلى جانب تركيا في تحرير قبرص من الاحتلال اليوناني".
وأضاف بكير أتاجان أن "تركيا كانت من الدول الأولى التي اعترفت بالمجلس الوطني في ليبيا بعد الربيع العربي سنة 2011، كما كانت من المساندين الأوائل للشعب الليبي في ثورته، بالإضافة إلى الاعتراف بالحكومة الشرعية للسراج، ما أدى إلى إبرام اتفاقيات تحمي مصالح الشعبين الليبي والتركي".
أما بعد انتهاء الانتخابات التركية، أكد الرئيس التركي على توطيد العلاقات السياسية مع الدول المجاورة من سوريا والعراق واليونان وغيرها، فيما تطرق أتاجان إلى زيارات الرئيس التركي إلى كل من الإمارات والسعودية وقطر، وأكد أن هذه الاتفاقيات لها أبعاد سياسية وعسكرية على المنطقة.
إذ تضم هذه الزيارات اتفاقية الطائرة المسيرة أكنجي لحماية أنابيب البترول، وحقول أرامكو، التي يمكن من خلالها استخدام الصواريخ بعيدة المدى، كما أقرت تلك الاتفاقيات العلاقات السعودية التركية. وتقريب وجهات النظر حول ملفات عديدة منها الملف الليبي.
كما ستساعد في ضغط السعودية على مصر من أجل تغيير موقفها من حفتر والتوقف عن دعمه، كما تطرق إلى التقارب التركي الإماراتي، من خلال الزيارة الأخيرة للرئيس التركي التي انتهت باتفاق بيع حاملات الطائرات المسيرة التركية والتي يمكن أن تنعكس بشكل إيجابي على العلاقات بين البلدين.
خاصة أن الإمارات وروسيا هما من أكبر الداعمين لخليفة حفتر شرقي ليبيا، وأكد توطيد العلاقات مع الدول المجاورة والإقليمية، مستشهداً بالاقتصاد الأمريكي الذي يرتبط بنسبة 70% بالمكسيك وكندا، لهذا يجب الانفتاح على تحسين العلاقات مع الدول مثل مصر، التي من المتوقع أن تقوم بتوطيد علاقاتها مع تركيا بعد التقارب السعودي الإماراتي.
وأضاف بكير أتاجان أن تركيا تحتاج إلى جناحين لكي تتمكن من التحليق، أولهما يتمثل في الشأن الداخلي، أم الجناح الثاني فيتعلق بالتقارب مع الشعوب والأمم العربية، كما كانت عليه في عهد السلطنة العثمانية.
خطط أنقرة في ليبيا والمقاربة التركية لحل المشكلة بين الشرق والغرب
بحسب المحلل السياسي والاقتصادي "عبد المطلب أربا"، لا تزال تركيا دولة حديثة نوعاً ما، إذ مر على تأسيسها 100 عام فقط، لهذا فهي لن تستطيع تشكيل هوية واضحة سواء كانت شرقية أم غربية، لكن بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم منذ 20 سنة، بدأت تركيا في أن تصبح قوة إقليمية.
وأضاف عبد المطلب خلال حديثه في الندوة التي نظمها موقع "عربي بوست"، وهو رئيس قسم الاقتصاد في جامعة صباح الدين زعيم في إسطنبول، أن العالم الإسلامي يعيش أزمات ومشاكل عديدة، فيما يعاني من عدم وجود استراتيجيات للبحث عن حلول، إذ على الدول أن تضع استراتيجيات لمعرفة إمكانياتها الاقتصادية والثقافية والاقتصادية إلى جانب خيراتها الطبيعية، وهو الشيء الذي فهمته الجمهورية التركية.
رغم الخبرات الخارجية الحديثة لتركيا مقارنة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا، إلا أنها من الدول التي لها قوة فيما يخص الملف السوري أو الليبي وما يخص الشرق الأوسط، لكنها تأخرت في ذلك، وفق تقديره.
وأضاف عبد المطلب أربا أنه بالرغم ما قد يفهمه البعض أن تركيا تخلت عن القضايا التي دعمتها في الربيع العربي مثلاً، ولكنها في الحقيقة لا تزال على مبادئها، ولكنها غيرت استراتيجيتها للتعامل مع هذه الملفات، ولن تتخلى عن موقفها تجاه نصرة المظلومين والتزامها الأخلاقي والإنساني.
وختم بالقول إن على تركيا مسؤولية كبيرة، وعندها الخبرة الحضارية التاريخية والثقافية، لدعم الشعوب العربية والإسلامية، إذ تستمد قوتها الاقليمية من خلال الشعوب المسلمة، لهذا تحاول تقريب علاقتها مع مصر من أجل التوصل إلى حل للمشكل الليبي.
يشار إلى أن "عربي بوست" يستضيف ندوة دورية تتناول أبرز المستجدات على الساحة الإقليمية، ويستضيف شخصيات سياسية وأكاديمية وصحفية، للوقوف بالتحليل والمعلومة والتنبؤ على أبرز القضايا التي تشغل العالم العربي والإسلامي.