ناقشت ندوة عقدها موقع "عربي بوست"، سيناريوهات الحل السياسي في ليبيا، بمشاركة من سياسيين ليبيين وأتراك، وبحث الأسباب التي تجعل من الأزمة السياسية مستمرة حتى الآن، رغم وجود جهود مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة للحل من خلال التوجه للانتخابات، وإن كان هناك دور إقليمي أو دولي يحول دون ذلك.
رغم الهدوء النسبي الذي تعيشه ليبيا منذ فترة، لم تتوصل الأطراف المتصارعة الليبية المختلفة إلى رؤية واضحة حول ملفات مثل الانتخابات أو إدارة الملف السياسي أو الوصول إلى توافق وطني بين الجهات المختلفة، وسط جدل حول الأولويات في هذه المرحلة الانتقالية، إن كانت الانتخابات أم المصالحة الوطنية أم تقاسم الثورة والمناصب السيادية.
شارك في هذه الندوة العضو في المجلس الأعلى للدولة فتح الله السريري وهو عضو أيضا في "لجنة "6+6" المشتركة مع النواب، والنائب في البرلمان شرق البلاد عيسى العريبي، والسياسي الليبي أكرم العقيلي.
اهتمت الندوة في جلستها الثانية، بمحاور تلخصت بالإجابة على تساؤلات تالية: هل الانتخابات الليبية قريبة أم بعيدة؟ هل الحل هو بتقاسم الثروة أم الانتخابات؟ وماذا عن حل أزمة الهجرة في ليبيا وآثارها على البلاد؟ وهل سيكون هناك حكومة ثالثة؟
جاءت ندوة عربي بوست بعنوان "سيناريوهات الحل في ليبيا وآثارها على المنطقة"، التي عقدت الثلاثاء 1 أغسطس/آب 2023، ناقشت فيها الدور التركي في الملف الليبي وتأثيرات ذلك على الملف الإقليمي ومصالح الدول في المنطقة، بمشاركة رئيس منتدى الشرق الشبابي وضاح خنفر، وشخصيات سياسية ليبية وتركية بالإضافة إلى صحفيين وأكاديميين.
التغيير السياسي الكبير له ارتدادات وتداعيات على الوضع الليبي
قال السريري عضو المجلس الأعلى للدولة، وعضو اللجنة المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية في ليبيا "6+6": "إن التغيير السياسي الكبير الذي حصل في ليبيا، له ارتدادات وتداعيات كبيرة.
وأوضح أن "التحول الكبير الذي حدث في ليبيا، من الحكم الديكتاتوري الاستبدادي إلى دولة ديمقراطية، لن يكون سهلاً ويحتاج وقتاً لتستقر الدولة، ولكن رغم الصعوبات التي تشهدها ليبيا، هناك إشارات إيجابية على قرب وجود حل للمشكلة، مثل تقارب الأطراف الإقليمية المؤثرة مثل مصر وتركيا والإمارات والسعودية، ما يمكن أن يصنع أثراً على الأرض بشأن الوضع الداخلي الليبي".
أشار أيضاً إلى أن "هناك تدخلات دولية وخارجية كبيرة بما يتعلق بالثروة الليبية، رغم أنها شأن داخلي،وهو ما يؤثر على الأزمة الليبية، ويصعّب حلها".
بحسب السريري، كانت هناك لقاءات عام 2022 في القاهرة والغردقة، حاولت الوصول لحل وتقاسم الثروات الطبيعية، باعتبارها ملكاً سيادياً لكل الشعب الليبي، ولا تمتلكها المناطق التي تستخرج منها فقط، وطرح السياسي الليبي أن "تركيز المال والقرار في العاصمة طرابلس كان جزءاً من المشكلة الذي جعل جميع الأطراف التي تبحث عن السيطرة تستهدف العاصمة، رغم أن الثورة التي قام بها الشعب الليبي كانت ضد تركيز السلطات والثروات في مكان واحد".
واقترح فتح الله السريري فكرة الحكم اللامركزي وتقسيم السلطة في ليبيا إلى دوائر إدارية أصغر لحل المشكلة، قياساً على الدوائر الانتخابية وهي 13 دائرة. وتوفير فرص التنمية لكل تلك المناطق وتقسيم الميزانية الحكومية على أساس كل احتياجات كل محافظة منها.
وضرب مثالاً بتحمل المناطق الحدودية الليبية أعباء أكثر، ما يجعلها تتطلب دعماً أكبر من أجل الحد من الهجرة غير الشرعية مثلاً، على عكس المدن الثانية التي لا تعاني من هذه المشاكل.
بحسب المتحدث ذاته، فإنه "ليس من الصعب حدوث التوافق بين جميع المحافظات على هذا الأساس، وعند التمكن من تحقيق النجاح في الملفات الخدمية والأمنية في بعض المحافظات لن تصبح الأمور صعبة بالنسبة للمحافظات الأخرى التي يمكن أن تستفيد من التجربة".
وبهذا الإطار، فإنه بحسب السريري، "نضمن تنوع الحلول بما يتناسب مع تلك المحافظات، بحسب الوضع الخاص لكل واحدة منها"، وهو ما يعتبره "قد يكون حلاً للمشكلة بدلاً من اللجان المؤقتة وتركيز الحكم المحلي".
الأطراف المتصارعة في ليبيا .. والحل ليس عسكريا
عند الحديث عن الحلول المطروحة للوضع الليبي، قال السريري، إن "الحل في ليبيا ليس حلاً عسكرياً فقط، لكن المسألة تتطلب حلاً اقتصادياً وخدمياً أيضاً، فالشعب الليبي والمواطن العادي بحاجة لتحسين أوضاعه، وهو ما انعكس على تحالفات بعض الأطراف الليبية الموجودة، التي توصلت لتفاهمات فيما بينها على أساس المصالح وليس الأيديولوجية فقط".
وأضاف أن "مثل هذا الحراك يحتاج إلى دعم من الدول الداعمة للشعب الليبي، والذي يضمن عدم حدوث انقلابات واضطرابات في ليبيا، وبدلاً من الصراع العسكري يمكن التحول إلى تنافس سياسي سلمي وديمقراطي، وظهور حل ليبي- ليبي".
وفقا للسريري، فإن هذا ما قدمه التعديل الدستوري 13 "الذي كان محاولة لحلّ الأزمة عبر مبادرة من الأمم المتحدة، إذ بدأ مجلسا النواب والأعلى للدولة مفاوضات في عام 2022، للتوافق على "قاعدة دستورية"، تقود البلاد إلى الانتخابات، لكن مع تعثر هذا المسار لجأ مجلس النواب إلى تعديل الإعلان الدستوري".
وقال: "جاء التعديل الدستوري الـ13 في 34 مادة بشأن نظام الحكم، الذي يتألف وفق المادة الأولى من سلطة تشريعية مكونة من غرفتين، وسلطة تنفيذية يرأسها رئيس منتخب مباشرة من الشعب، بالإضافة إلى مواد متعلقة بالأحكام الانتقالية والمرأة، لكنه لم يحدد شروط الترشح لانتخابات رئيس الجمهورية، وهي من المسائل الخلافية بين مجلسي النواب والأعلى للدولة.
وقدم السريري رؤيته لحل الوضع الليبي بتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية وتقديم بعض التنازلات من السياسيين، في إشارة لمطالبة بعض الأطراف بحلول و"قوانين مثالية" في وضع غير مثالي بحسب تعبيره، وهو ما يتسبب بتأخر الحل النهائي والاستقرار الكامل في ليبيا، وهو ما يجعل بعض المفاوضات تصل لطريق مسدود.
وأنه لا بد أن تجرى الانتخابات في ظل حكومة واحدة تدعمها المفوضية العليا للانتخابات، ولا يمكن إجراء انتخابات دون توفر العنصر القانوني واللوجستي والمالي والأمني، التي يمكن أن تدعمها الدول الإقليمية أيضاً، وختم الأستاذ السريري مداخلته بالقول: "ما دمنا استطعنا التوصل لاتفاق إيقاف إطلاق النار نستطيع أن نتوصل لإجراء انتخابات ناجحة".
الانتخابات ليست حلاً دون معالجة المشاكل الاقتصادية والتوزيع العادل للثروة
من جانبه، أوضح "عيسى العريبي"عضو مجلس النواب، أن مشكلة ليبيا هي مشكلة سياسية اقتصادية، لها جذور منذ قيام القذافي بتهميش بعض المناطق الليبية بالمقارنة مع العاصمة طرابلس.
بحسب النائب الليبي، فإن الانتخابات الليبية بعيدة جداً عن كونها حلاً جذرياً، معتبرا أنه "يجب في البداية حل المشكلة الاقتصادية، والتقسيم العادل للثروات على المدن التي تعاني من التهميش، ليكون الحل بوضع نظام اتحادي فيدرالي"، وفق تقديره.
وقال إن المشكلة التي تواجه الداخل الليبي ليست انتخاب مجلس النواب، وإنما المشكلة الحقيقية هي مشكلة اقتصادية يجب أن يتم حلها أولاً، وتوزيع عادل للثروة على جميع مناطق ليبيا وحصول أبنائها على فرصة عادلة للحصول على الوظائف والفرص، قبل التحدث عن الانتخابات أو أي اتفاقات سياسية أخرى.
كما شدد العريبي على ضرورة وضع حل الوجود العسكري الأجنبي في ليبيا وعودة الشركات والاستثمار، والحرص على الاستقلال ليبيا ووحدة أراضيها.
ودعا كذلك إلى أهمية عدم تهميش مناطق بعينها في ليبيا، لمصلحة مناطق أخرى تحظى باهتمام السياسيين بشكل أكبر، ودعا إلى أن يشمل الحل في ليبيا جميع مناطقها وبشكل عادل.
عن الأولوية في الحل السياسي في ليبيا، قال العريبي أيضا إنه لا يمكن الوصول إليه بمحاولة فرض الانتخابات، ورأى أن الاتفاق على تقسيم عادل للثورة والمناصب السيادية هو ما يجب الاتفاق عليه أولا.
الحل السياسي لن يكون دون مصالحة وطنية
بدوره، اعتبر المتحدث أكرم العقيلي وهو سياسي ليبي، أن الأولوية للحل السياسي في ليبيا "تحقيق مصالحة وطنية"، مؤكدا أنه "لن تكون هناك نهضة حقيقية دونها.
واعتبر العقيلي أن ليبيا أصبحت متفرقة بين ميليشيات وعصابات مسلحة، بالإضافة إلى دول طامعة في خيراتها، مؤكداً ضرورة المصالحة الليبية الداخلية التي لا تقل أهمية عن أي حل سياسي أو اقتصادي.
وأكد أن المصالحة الوطنية يجب أن تتضمن عدة بنود، منها العفو العام عمن في السجون ما لم تتلوث يده بالدماء أو يرتكب جرائم جنائية، وإشراك المتضررين في الداخل والخارج في المصالحة ما لم تتلوث أيديهم بالدماء أيضا، ورفع الضرر وإرجاع الممتلكات التي تمت مصادرتها، ومحاسبة من قام بالفوضى أو أعمال إجرامية.
يشار إلى أن "عربي بوست" يستضيف ندوة دورية تتناول أبرز المستجدات على الساحة الإقليمية، ويستضيف شخصيات سياسية وأكاديمية وصحفية، للوقوف بالتحليل والمعلومة والتنبؤ على أبرز القضايا التي تشغل العالم العربي والإسلامي.