وقعت اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الجمعة 2 يونيو/حزيران 2023، في الخرطوم بعد انهيار محادثات تستهدف الحفاظ على وقف إطلاق النار وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية؛ مما دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات، وذلك في الوقت الذي بحث فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الجمعة، مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تعزيز العلاقات الثنائية، وقضايا إقليمية على رأسها الأزمة في السودان.
قال سكان في الخرطوم وأم درمان إن الجيش استأنف الضربات الجوية، واستخدم مزيداً من المدفعية مع استمرار الاشتباكات في غياب أي مؤشرات على انسحاب قوات الدعم السريع من شوارع المدينة والمنازل التي احتلتها. وقال شهاب الدين عبد الرحمن (31 عاماً)، من أحد أحياء جنوب العاصمة: "أصبحنا نعاني من الحرب بشدة، ومنذ الصباح هناك أصوات عنيفة، نحن نعيش رعب، هذا كابوس حقيقي".
الحرب في السودان تهدد استقرار المنطقة
دمرت الحرب المستمرة منذ سبعة أسابيع، مناطق في وسط الخرطوم، وهددت بزعزعة استقرار المنطقة الأوسع، وأدت إلى نزوح 1.2 مليون شخص داخل السودان، وفرار 400 ألف آخرين إلى الدول المجاورة.
في حين علقت الولايات المتحدة والسعودية محادثات الهدنة الخميس، بعد انهيار وقف لإطلاق النار توسطتا فيه، واتهمتا الجانبين باحتلال المنازل والشركات والمستشفيات وشن ضربات جوية وهجمات والقيام بتحركات عسكرية محظورة.
قال مسؤول أمريكي كبير إن واشنطن فرضت عقوبات على شركات تابعة للجيش وقوات الدعم السريع، وهددت بمزيد من الإجراءات "إذا استمر الطرفان في تدمير بلدهما".
الجيش السوداني فوجئ بتعليق مفاوضات جدة
في سياق متصل قال الجيش الجمعة، إنه "فوجئ" بقرار الولايات المتحدة والسعودية تعليق المفاوضات بعد أن تقدم بمقترحات لتنفيذ الاتفاق، وألقى باللوم على قوات الدعم السريع في انتهاك الهدنة. وألقت قوات الدعم السريع باللوم على الجيش.
قال سفير السودان في واشنطن محمد عبد الله إدريس: "الحكومة السودانية.. الجيش السوداني وقع على الهدنة في جدة والتزم تماماً بما وقع عليه، إن كانت هناك عقوبات فلتُفرض على الطرف الذي لا يلتزم بتنفيذ ما وقع عليه"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
يذكر أنه وبعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019، تشكل مجلس السيادة لإدارة شؤون البلاد برئاسة قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وكان نائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.
أما بعد اندلاع الصراع بينهما في 15 أبريل/نيسان، فأقال البرهان حميدتي من المجلس، وقال إن الإدارات الحكومية لا تزال متحالفة مع الجيش.
قتال عنيف في دارفور
وخارج الخرطوم، وقع أسوأ قتال في إقليم دارفور حيث اشتعلت حرب أهلية منذ عام 2003 وأسفرت عن مقتل نحو 300 ألف شخص.
في سياق متصل قالت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الخميس، إن أكثر من 100 ألف فروا من هجمات الجماعات المسلحة في غرب دارفور إلى تشاد المجاورة منذ بدء القتال الأخير، مضيفةً أن العدد قد يتضاعف في الأشهر الثلاثة المقبلة.
في حين استهدفت جهود الهدنة توصيل المساعدات الإنسانية للمدنيين المحاصرين في حرب أسفرت عن قتلى، وعطلت شبكات الكهرباء والمياه، ودمرت المستشفيات وأعاقت توزيع الغذاء.
قال عمال إغاثة في السودان إن القتال الضاري والنهب المتفشي وكثرة الإجراءات الروتينية تعرقل جهود الإغاثة. ودعت الأمم المتحدة جميع الأطراف إلى احترام جهود تقديم المساعدات الإنسانية.
كما قال برنامج الأغذية العالمي إنه تكبد خسائر فاقت 60 مليون دولار منذ بدء القتال. وقالت مفوضية اللاجئين إن اثنين من مكاتبها في الخرطوم تعرضا للنهب، كما تم استهداف مستودعها في الأبيض أمس الخميس.
متاعب تواجه سكان الخرطوم
مع توقف محادثات وقف إطلاق النار، يستعد سكان الخرطوم لمزيد من المتاعب.
حيث قال عمر إبراهيم، الذي يعيش في أحد أحياء أم درمان: "طبعاً من امبارح ما في شبكة (هواتف محمولة) سوداني، واليوم كان ما في زين والكهربا قطعت، لكن المويه (المياه) جات. شغالين معانا تعذيب منوع".
في سياق مواز بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الجمعة، مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تعزيز العلاقات الثنائية، وقضايا إقليمية. جاء ذلك في اتصال هاتفي أجراه السيسي مع الأمير تميم، وفق متحدث الرئاسة المصرية أحمد فهمي.
بحسب فهمي، "أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالاً هاتفياً مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، حيث تناول الاتصال سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين ودعمها وتطويرها في مختلف المجالات".
مبادرة مصرية قطرية لدعم السودان
وفق المصدر نفسه، جرى خلال الاتصال "استعراض آخر مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، لا سيما في السودان". وفي هذا المجال، "شدد الزعيمان على أهمية العمل المكثف لاحتواء الأوضاع الإنسانية بالسودان، وتسهيل انسياب المساعدات الإغاثية، وتجنيب المدنيين تداعيات القتال"، بحسب المتحدث المصري.
وفق المتحدث، اتفق الجانبان على "إطلاق مبادرة مشتركة لدعم وإغاثة الشعب السوداني، تهدف للتخفيف من آثار وتداعيات الأزمة الراهنة (…) من خلال تقديم الخدمات الإنسانية والإغاثية لهم، على أن تتولى الجهات المعنية في الدولتين وضع الأطر والآليات التنفيذية ذات الصلة".
من جانبه، أورد الديوان الأميري في قطر عبر موقعه الإلكتروني، أنه "جرى خلال الاتصال استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين والسبل الكفيلة بدعمها وتطويرها، إضافة إلى آخر مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، لا سيما في السودان".
شدد الجانبان على "ضرورة مراعاة الجوانب الإنسانية وتسهيل انسياب المساعدات للمتأثرين بالقتال الدائر في السودان، وتجنيب المدنيين تبعاته". واتفقا على "تكثيف التنسيق المشترك لتقديم الدعم والمساعدة للشعب السوداني الشقيق والتخفيف من آثار الأزمة، خاصة على اللاجئين السودانيين".
كما اتفقا على أن "تشرع الفرق واللجان المعنية في الدولتين في وضع الآليات والخطط التنفيذية لضمان وصول هذا الدعم لمستحقيه من الشعب السوداني الشقيق".
"الدعم السريع" يتمسك بمفاوضات جدة
في سياق متصل أكدت قوات "الدعم السريع"، الجمعة، التزامها بالمبادرة الأمريكية السعودية بما يقود إلى حلول جذرية لقيام دولة مدنية ديمقراطية. وقالت في بيان، إنها "تقدر جهود الوساطة الأمريكية السعودية الحميدة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية".
أضاف البيان: "نجدد التزامنا التام بالمبادرة السعودية الأمريكية بما يقود إلى حلول جذرية تؤسس لقيام دولة مدنية ديمقراطية". وأوضح أن "الدعم السريع تلقت إخطاراً من الوساطة بتعليق الجيش لمشاركته في المفاوضات الأربعاء، وكذلك إخطاراً بتعليق المفاوضات إلى وقت يحدد لاحقاً".
ذكر البيان أن "وفد الجيش السوداني حضر إلى جدة بواجهات متعددة تمثل عدداً من مراكز اتخاذ القرار، وبلا صلاحيات أو تفويض، مما أحدث ربكة وتأخيراً في المباحثات". واعتبر أن ذلك "انعكس في عدم الالتزام الواضح من جانب الجيش باتفاق وقف إطلاق النار، مما جعل الهدنة الإنسانية من طرف واحد، فيما ارتكب الانقلابيون خروقات وانتهاكات متعددة".
أردف: "وقد تسببت هذه الانتهاكات المتكررة في عرقلة وإعاقة الهدف الرئيسي من الهدنة وهو معالجة الوضع الإنساني الذي يعيشه الشعب السوداني بسبب هذه الأزمة". وأشار البيان إلى أن "الجيش من خلال تعليق مشاركتهم في التفاوض سعوا إلى تفخيخ المباحثات بشروط تعجيزية مسبقة، من أجل إفشال عملية التفاوض".
يذكر أن كلاً من السعودية والولايات المتحدة الأمريكية أعلنتا الخميس، تعليق محادثات جدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السودان نتيجة "الانتهاكات الجسيمة والمتكررة" لوقف إطلاق النار المعلن بين الجانبين، وأحدث نسخه لـ5 أيام تنتهي مساء السبت.
جدير بالذكر أنه وفي 26 مايو/أيار الماضي، أعلنت السعودية والولايات المتحدة اتفاق طرفي النزاع في السودان على تمديد اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع بينهما، لمدة 5 أيام إضافية.
كذلك ومنذ 15 أبريل/نيسان 2023 اندلعت في عدد من مدن السودان اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و"الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح، معظمهم من المدنيين.