شكّك قادة شركات ومحللون في إقدام مصر على تسهيل القيود الصناعية، في حين يعتبر الجيش المصري من أقوى الجهات الاقتصادية الفاعلة في البلاد، وقد واجه رفقة الحكومة على مدى سنوات انتقادات من الخبراء الاقتصاديين والمقرضين الدوليين بشأن أن هذا النهج "يخنق النمو" للاقتصاد، وفق ما نقلت وكالة The Associated Press الأمريكية.
ونقلت الوكالة عن عدد من قادة الشركات والمحللين أنهم يتوقعون أن يظل الجيش والحكومة مانعيْن للمنافسة، رغم أن السلطات تعهدت بأن الأمور ستتغير بسبب الضغوط الناتجة عن ارتفاع التضخم وأزمة العملة.
فحتى مطلع أبريل/نيسان الحالي، لم تُبَع أي من الشركات الحكومية البالغ عددها 32 شركة، التي أعلنت الحكومة عن خطط خصخصتها في ديسمبر/كانون الأول 2022.
فيما يشكك بعض النقاد في الأمر، متساءلين من سيستثمر، بالنظر إلى أن الشركات متعددة الجنسيات قد هربت من مصر، وتعرضت الشركات الصغيرة لضغوط، والمؤسسات العامة لا تزال سرية وبطيئة.
من جانبه، قال تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن (TIMEP): "على صعيد المخاطر، لماذا تستثمر في بلد لديه منافس حكومي قوي يولي القليل من الاهتمام إلى حكم القانون؟".
نفوذ الجيش
في السياق، قال ثلاثة من ملاك الشركات السابقين والحاليين لوكالة أسوشيتيد برس، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من استهدافهم عن طريق الحكومة انتقاماً منهم للتحدث علانيةً، إن نفوذ الجيش في قطاعات معينة يعني أن الخيار الوحيد هو العمل معه.
وأعرب الثلاثة أنهم لا يتوقعون تغير هذا الوضع، وقالوا إن العقود التي تُمنح عن طريق الشركات الحكومية لا يُسمح بالتفاوض حولها، وإن المدفوعات تتأخر لشهور.
حيث بدأ أحد رواد الأعمال شركة إدارة نفايات في 2019، لكنه وجد أن شركةً حكوميةً كانت كبيرةً للغاية على أن يتنافس معها، وغير متكافئة للغاية على أن تكون شريكة، وعرضت الشركة الحكومية شراكة ستحصل بموجبها على 30% إلى 50% من الأرباح، وتثقل الشركة الصغيرة بكامل المسؤولية، لكنه أغلق الشركة بدلاً من ذلك.
وقال رائد الأعمال: "أغلقنا الشركة قبل أن تبدأ الحكومة في القدوم من أجل تحصيل الضرائب". في حين اضطر آخرون لمواصلة أعمالهم رغم هيمنة الحكومة.
ضغوط وإجبار على التعاون
في سياق متصل، قال يزيد صايغ، وهو زميل أول وباحث رئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت يبحث في دور الجيش في الاقتصاد: "حتى إذا كان ذلك يعني خسارة المال في بعض الأحيان، فإنها -الشركات- تفعل ذلك لأنها تعرف أنها إن لم تفعل، فسوف يحرمها الجيش من العقود المستقبلية".
ثمة ضغوط أخرى من أجل إجبارها على التعاون: فقد شنت الحكومة حملة قمعية على المعارضين والنقاد، وسجنت عشرات الآلاف، وذلك وفقاً لتقديرات الجماعات الحقوقية، وكان من بينهم رجلا أعمال بارزان، وهما مالكا شركة جهينة، أكبر شركة منتجات ألبان في مصر، اللذان اتُهما في 2020 بانتمائهما إلى منظمة إرهابية، وهو مصطلح يشير إلى جماعة الإخوان المسلمين التي حظرتها مصر.
بينما قالت منظمة العفو الدولية إن صفوان ثابت وابنه سيف سُجنا لأنهما رفضا إعطاء الحكومة أسهماً في شركتهما، وأُطلق سراحهما لاحقاً، لكن الشركة لا تزال في أيدي الحكومة.
تعود سياسة مصر التي تخلط بين الحكومة وقطاع الأعمال إلى حملة التأميم التي قادها الزعيم الاشتراكي جمال عبد الناصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. فيما اتخذ خليفتاه أنور السادات وحسني مبارك خطوات نحو سياسات السوق الحرة، لكنهما اتُّهما في كثير من الأحيان بمنح العقود إلى الحلفاء فقط.
قروض من صندوق النقد
يعد بيع الشركات الحكومية وشفافية الحكومة هدفين رئيسيين لحزمة الإنقاذ البالغة قيمتها 3 مليارات دولار، التي وافق صندوق النقد الدولي على منحها إلى مصر في ديسمبر/كانون الأول لتحمُّل الصدمات الأخيرة التي ضربت الاقتصاد العالمي، والتي تضمنت جائحة كوفيد-19 وحرب روسيا في أوكرانيا، والتي دفعت البلاد نحو حافة الهاوية المالية.
وسعياً وراء الحصول على رابع قرض من صندوق النقد الدولي في 6 سنوات، يقول رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إنه يؤمّل أن تجلب الإصلاحات "المستثمرين الاستراتيجيين"، وأن "توسع مشاركة الجنسية المصرية في الملكية العامة".
ولم ترد وزارة المالية المصرية على طلبات للتعليق حول إقدام مصر على خصخصة الشركات، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
ويقول صندوق النقد الدولي إنه يتأهب لإجراء مراجعة أولية للتأكد من أن مصر تستوفي أهداف برنامج الإنقاذ، بما في ذلك الخصخصة.
كما قالت جولي كوزاك، مديرة الاتصالات في صندوق النقد الدولي، خلال إحاطة صحفية في 23 مارس/آذار: "سوف يُعلن عن تواريخ بعثة المراجعة الأولى عندما يجري الاتفاق عليها مع السلطات".
ضغوط على الشركات الصغيرة
وفي غضون ذلك، تضغط الظروف الشركات الصغيرة، حيث قال مالك شركة صناعية إنه عالق في العقود الحكومية، بينما يواجه ارتفاع تكاليف الاستيراد والضرائب. وأعرب عن أسفه من أن الشركات الصغيرة لا تستطيع حتى الاستفادة من إحدى مزايا الأزمة الاقتصادية، فقال: "انخفاض سعر الصرف في مصر يجعل بضائعنا أكثر تنافسية دولياً".
لكن الأعمال التجارية تصمد بالكاد، والحكومة لا تقدم مساعدة إلى الشركات الخاصة لتعثر على أسواق في الخارج، وذلك حسب ما أوضح مالك الشركة الصناعية.
ورغم الانتقادت، يأمل القادة أن يكون قطاع الطاقة على وجه الخصوص مصدر جذب للاستثمار الخاص، في ظل أن موقعها الجغرافي والمحطات الشمسية الكبيرة تقدم إمكانية للاستفادة من تمويلات مشروعات الطاقة المتجددة.
وقالت شركة Rystad Energy s إن مصر تلقت استثمارات بأكثر من 100 مليار دولار في مشروعات الهيدروجين الأخضر في العام الماضي. وتخطط الحكومة أيضاً لتحويل البلاد إلى مركز لإسالة الغاز الطبيعي وتصديره بعد الاكتشافات البحرية الأخيرة.
من جانبها، قالت جيسيكا عبيد، الباحثة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط (MEI)، إن مصر من أجل أن تجذب التمويلات، تحتاج حكومتها إلى إصلاح مالي لجعل الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة أقل خطورة، وأن تحد من التأخير.
وأوضحت: "في جميع أنحاء العالم، يتنافس الجميع نوعاً ما على مجموعة صغيرة من أموال المستثمرين، وسوف يعتمد الأمر على قدرة البلاد على تطبيق الإصلاحات المطلوبة وزيادة شهية المستثمرين للقدوم إلى السوق".
بالإضافة إلى أنه "ليس من السهل جذب الاستثمارات عندما تملك جيشاً وحكومة منخرطين في عديد من قطاعات الاقتصاد"، وذلك حسب ما أضافت جيسيكا.