استعرض تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، الجمعة 3 يناير/كانون الثاني 2023، واقع التضخم وارتفاع الأسعار الذي يتزامن مع انطلاق معرض الكتاب الدولي في العاصمة المصرية القاهرة، مشيراً إلى أن أغلفة الكتب تجذب القراء في البداية، قبل أن يعرضوا عنها بمجرد رؤية أسعارها.
ومع قفزات التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من خمس سنوات، والتدهور غير المسبوق لسعر صرف العملة المصرية، يواجه المعرض الذي يقام في نسخته الرابعة والخمسين بين 25 يناير/كانون الثاني و6 فبراير/شباط، معضلة كبيرة.
واستقطب المعرض نصف مليون زائر خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة، فيما يقول المسؤول في دار نشر مصر العربية، وائل الملا، إنه "رغم أننا كنا نتوقع عدداً أقل بكثير، لكن هذا العام، المبيعات ضعيفة ويجد أكثر من 800 ناشر صعوبة في تغطية تكاليف المشاركة في "درة معارض الكتاب" العربية"، وفق الملا.
الكتاب خارج الأولويات
ويشرح الملا أن الكتاب "يُصنف في نهاية المطاف من منتجات الرفاهية، فاهتمام القارئ في ظل الأزمة الحالية وارتفاع الأسعار موجه إلى الأساسيات، والكتاب بات في مرتبة متأخرة في الأولويات".
من جانب آخر، شجع اتحاد الناشرين على البيع بالتقسيط، وهي وسيلة تسويق شائعة في مصر، ولا تزال دور النشر المملوكة للدولة تبيع مقابل دولار واحد الكلاسيكيات التي ظلت لعقود ترفد مكتبات العالم العربي بأسره.
ولكن في بلد يستورد معظم السلع، لم يقتصر أثر خفض سعر العملة على موازنات الأسر وحدها، فقد اضطُرت دور النشر لمضاعفة الأسعار هذا العام بسبب تضاعف سعر الورق أربع مرات في العام 2022.
وقبل أن يبدأ الجنيه المصري رحلته نحو الهبوط القياسي، كان يمكن لزائر معرض الكتاب أن "يأتي ومعه 2000 جنيه (كانت تساوي حوالي 130 دولاراً، فيما باتت تقرب قيمتها من 66 دولاراً وفق سعر الصرف الحالي)، ويملأ حقيبة سفر بالكتب. لكن شراء الكتب بات صعباً، بحسب ما يقول مؤسس دار الرسم بالكلمات محمد المصري.
تبادل الكتب
لا يزال في الإمكان رؤية حقائب في أروقة المعرض، غير أن استراتيجية ملئها اختلفت، وفي هذا الإطار، يوضح مدير النشر في دار المحروسة عبد الله صقر: "نرى أشخاصاً يأتون إلى المعرض مع أصدقاء أو ضمن مجموعات ويتقاسمون شراء ما يريدون قراءته ويتبادلون الكتب بعد ذلك في ما بينهم".
ويضيف الشاب المصري البالغ 33 عاماً: "الكل يُصدم بالأسعار المرتفعة، لكن لا تزال هناك رغبة في القراءة. لذلك فالشخص يشتري كتاباً واحداً بدلاً من اثنين أو كتابين بدلاً من خمسة".
فيما يؤكد الملا من ناحيته أن الناشرين اضطروا كذلك إلى التكيف حتى يتمكنوا من الصمود والبقاء، ويقول: "أغلب الناشرين قللوا عدد الإصدارات وأصبحوا حريصين جداً في الاختيار. فأنا أختار الكتب التي أكون متأكداً من أنها ستحقق مبيعات مرتفعة".
كما يشير الملا إلى أن "أزمة ارتفاع التكاليف والأسعار دفعت بعض دور النشر إلى تقليص نفقاتها إلى الحد الأدنى، فيما علّق بعضها الآخر نشاطه ريثما تتضح الصورة، بينما قرر عدد من دور النشر الانسحاب من السوق".
سور الأزبكية
في نهاية أحد أجنحة المعرض، يوجد مكان مزدحم: إنه المربع الذي يعرض فيه بائعو سور الأزبكية، وهي سوق قائمة منذ قرابة قرن من الزمان في ميدان العتبة بوسط القاهرة تباع فيها الكتب القديمة والمقلدة.
يقول محمد شاهين، الذي يأتي كل عام إلى المعرض: "نتوجه مباشرة إلى قسم سوق الأزبكية مع أبنائي الثلاثة".
وتؤكد ملك فريد، وهي طالبة بكلية الهندسة في الثامنة عشرة من العمر، "إنه القسم الأكثر شعبية في المعرض"، مضيفة: "لكن الكتب هنا تنفد بسرعة، إذ لا توجد نسخ كثيرة من الكتاب الواحد".
محمد عطية، وهو إمام أربعيني يأتي كل عام خصوصاً من مدينة الدقهلية (150 كيلومتراً شمال القاهرة) حيث يقيم، لزيارة معرض الكتاب، اكتفى هذا العام بتفقد الأرفف للباعة من سور الأزبكية، رغم أنه عادة ما يمر على كل الأجنحة. ويقول: "أسعار الكتب ارتفعت جداً، لكن الأسعار للباعة من الأزبكية لا تزال كما هي".
والعثور على سلعة لم يرتفع سعرها بشكل كبير أمر نادر في مصر اليوم، باستثناء الكتب التي تم تصويرها أو تلك التي تُرجمت على وجه السرعة والمليئة بالأخطاء، بحسب تقرير فرانس برس.