لم يُخفِ رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، خلال جلسة برلمانية الشهر الماضي إفلاس صناديق التقاعد في المغرب، محذّراً من أزمة حقيقية تهدد معاشات المتقاعدين.
وكانت وزارة الاقتصاد والمالية قد كشفت قبل أشهر أن احتياطات نظام المعاشات بعد إصلاحه سنة 2016 ستنفد بحلول سنة 2028، ولإنقاذه يحتاج ما يناهز 14 مليار درهم سنوياً لتمويل عجز النظام.
كما سبق أن نبّهت مؤسسات الرسمية إلى موضوع إفلاس صناديق التقاعد وعلى رأسها البنك المركزي، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الأعلى للحسابات.
وفي خضم هذا الوضع، تبحث الحكومة عن حلول مستعجلة لصناديق التقاعد التي تعاني وضعاً مالياً صعباً، يتجلى أساساً في ارتفاع قيمة ديونها الضمنية ونفاد احتياطاتها.
أمل في إصلاح صناديق التقاعد في المغرب
رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، يحدوه أمل كبير في أن تتوصل حكومته مع المركزيات النقابية العمالية الكبرى للوصول إلى حلول لإصلاح صناديق التقاعد في غضون 6 أشهر المقبلة.
وأوضح أخنوش أنه بادر عقد اجتماع أولي مع النقابات في الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انتهى بالمصادقة على منهجية العمل، والبرمجة الزمنية لأشغال لجنة إصلاح أنظمة التقاعد.
وأشار رئيس الحكومة المغربي، عزيز أخنوش، إلى أن هذه الاجتماعات ستستمر في إطار اللجان للوصول إلى حلول يتوافق عليها في غضون الأشهر الـ6 المقبلة لإصلاح صناديق التقاعد.
إصلاح قديم مع وقف التنفيذ
غير أن قضية إصلاح نظام التقاعد في المغرب، برزت قبل عقدين تقريباً، إذ أسفرت عن إنشاء لجنة وطنية في 2004 مكلفة بإصلاح أنظمة التقاعد برئاسة الوزير الأول.
ومنذ ذلك الحين، جرى تشخيص واقع صناديق التقاعد أو المعاشات في المغرب، وصياغة سيناريوهات متعددة لضمان استدامتها المستقبلة.
وبقيت الأمور على حالها، دون أي قرارات تترجم الإصلاح إلى ممارسة على أرض الواقع، لكن في عام 2014 أسفرت حكومة عبد الإله بن كيران، عن حزب العدالة والتنمية، عن إصلاح جديد.
إصلاح حكومة بن كيران
حينها، شبه بن كيران الإصلاح بالدواء المر الذي لابد من تجرعه، محذّراً من كلفة تأجيل إصلاحه، خصوصاً عندما رفضت المعارضة أن يؤدي المواطنون ثمن أخطاء الدولة، باعتبارها مسؤولة عن الوضع الذي وصل إليه النظام.
وسارع بن كيران إلى إصدار مرسوم بالجريدة الرسمية يُحدد بموجبه السن التي يجب أن يحال فيها إلى التقاعد موظفو وأعوان الدولة والبلديات والمؤسسات العامة والأساتذة.
الأمر أثار الكثير من الجدل ساعتها، بعدما رفضت جل النقابات العمالية بالمغرب مشروع حكومة عبد الإله بن كيران بالصيغة التي تقدمت بها.
برلماني سابق عن حزب العدالة والتنمية، رفض الكشف عن هويته، قال إن "إنقاذ الصندوق كان بهدف أساسي لضمان حقوق الموظفين، وليس على حسابهم، إذ مكن الإصلاح من ضمان تقاعد ما يقرب من 400 ألف متقاعد سنة 2021".
ونفى المصدر ذاته، في حديثه مع "عربي بوست" ما راج حول غياب الحوار مع النقابات الأكثر تمثيلية في البرلمان قبل إجراء الإصلاح وعدم التوافق حوله.
وأشار المتحدّث إلى أن "مشروع الإصلاح خضع لحوار طويل ومستفيض مع اللجنة الوطنية للتقاعد، وأحيل إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وأُخِذ بالعديد من الملاحظات المُقدّمة".
حلول تضرّ بالعمال والموظفين
ما تعيبه المركزيات النقابية العمالية على الحكومات في موضوع إصلاح التقاعد، كونها تتجه مباشرة إلى حلول تضرّ بالموظفين، مثل رفع سن التقاعد وزيادة نسبة الانخراط، وخفض نسبة التعويضات.
الكاتب العام لنقابة المنظمة الديمقراطية للشغل، علي لطفي، قال إن "الحكومة تركز على إصلاحات مبنية على دراسات لمكاتب دراسات أجنبية بمعايير وقواعد مستنسخة، بعضها لا يخرج عن المقاربة الأوروبية، رغم الاختلاف الكبير في المؤشرات والمعطيات الديمغرافية وقيمة أجرة المعاش".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "الحكومة نفذت إجراءات متسرعة للتخفيف من حدة العجز بإصلاحات مقياسية ذات المفعول والآثار المحدودة المدة".
وأشار المتحدث إلى أن هذه الإصلاحات ستُساهم في ربح بعض السنوات لتعود، لكنها ستعود لنقطة الصفر، وذلك برفع سن التقاعد والزيادة في المساهمات وقيمة الاشتراكات وتخفيض أجرة المعاش".
ويُوضح النقابي أن "الإصلاح الذي فُرض على موظفي الدولة وأجهز على أهم مكتسباتهم، ألحق ضرراً بحقهم في الحصول على تقاعد كريم، عندما انتقلت نسبة مساهمة الموظفين في ظرف وجيز من 10 إلى 14%، ورُفعت سن الإحالة للتقاعد إلى 63 سنة".
الوقوف على سوء التدبير والفساد
وكانت لجنة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس المستشارين، خرجت بتشخيص أساس، مفاده أن الصندوق المغربي للتقاعد عرف اختلالات سببها الفساد وسوء التدبير.
وقال العضو السابق في اللجنة الفنية لإصلاح التقاعد، محمد الهاكش، إن "حل إشكالية التقاعد باللجوء إلى جيوب العمال والموظفين والمستخدمين عبر الزيادات في المساهمات، والرفع من السن، والتقليص من المعاشات ليس ناجعاً".
وأضاف الهاكش، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "هذا الثالوث الذي يلجأ إليه التكنوقراط، يحمل المسؤولية للأُجراء، ويقلص من المستوى المعيشي للمتقاعدين والمتقاعدات الذين يعيشون أصلاً أوضاعاً مزرية".
وأشار المتحدث إلى أن "إمكانية تجاوز أزمة صناديق المعاشات، تكمن أولاً في الوقوف على مكامن الضعف في التدبير، واسترجاع المستحقات التي في ذمة الدولة بالنسبة للصندوق المغربي للتقاعد".
كما اقترح المصدر ذاته، "العمل بإقرار حصة المشغل التي تساوي في جميع الأنظمة ضعف مساهمة الموظف، وتوظيف مدخرات الصندوق بشكل ناجع، ثم معالجة إشكالية البطالة لرفع عدد النشطاء".
شيخوخة المجتمع مهدّدة للصناديق
وتتوقع تقارير رسمية ارتفاع أعداد المسنين في المجتمع المغربي في أفق 2030، وهو ما يعقّد أكثر طريق إصلاح أنظمة التقاعد في المغرب.
الأكاديمي والخبير في الحماية الاجتماعية، خالد بوقيش، قال إن "هذا الوضع مثير للقلق، لأنه سينجم عن تنامي الشيخوخة وتراجع في توفر عامل الشغل، وسيضر بمؤهلات النمو، إلى جانب تأثيره السلبي على استدامة أنظمة الحماية الاجتماعية؛ خاصة صناديق التقاعد والتغطية الصحية، ما سيؤدي بالضرورة إلى تحمل الأجيال المقبلة ارتفاع العبء المالي لأنظمة التقاعد".
في حديثه لـ"عربي بوست"، يعتقد بوقيش، أن "وعي المُشرّع المغربي بخطورة هذا الوضع ورغبته في الاستفادة من فترة الامتياز الديموغرافي التي يشهدها هرم الفئات العمرية بالمغرب، هو الذي دفعه لتبني القانون الإطار المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية".
ويمضي المغرب في تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية على جميع المواطنين، إذ استفاد منها في المراحل الأولى الفلاحون وحرفيو ومهنيو الصناعة التقليدية والتجار، ومهنيو ومقدمو الخدمات المستقلون، الخاضعون لنظام المساهمة المهنية الموحدة ولنظام المقاول الذاتي أو لنظام المحاسبة.