نشرت شبكة سي إن إن الأمريكية، الأحد 25 سبتمبر/أيلول 2022، تقريراً كتبه الصحفي البريطاني ريتشارد كويست، عن تجربته خلال زيارة قام بها إلى السعودية، لافتاً إلى وجود تغييرات "عميقة" تحدث بسرعة "فائقة"، وأن الصورة النمطية عن المملكة قد "تغيرت".
يصف كويست هذا التغيير بالقول: "لقد رأيت البلدان تتغير من قبل، لكنني لا أعتقد أنني رأيت أي شيء يشبه التغيير الذي يحدث في المملكة العربية السعودية. إنه ليس مثل سقوط أوروبا السوفييتية، ولا الاضطرابات التي شهدتها سريلانكا مؤخراً. تغيير السعودية متعمد وعميق الأثر ودراماتيكي".
في إشارة إلى تلك الصورة "النمطية" التي تغيرت، يضيف الكاتب البريطاني: "لقد سمعنا جميعاً كيف يجب أن تكون المرأة مغطاة بالكامل ومحجبة، ولا اختلاط بين الجنسين، وشرطة دينية متشددة لا هوادة فيها.. مما كان يعيق قضاء السياح الغربيين إجازة في بيئة من هذا النوع".
لكن كويست يستدرك قائلاً في حديثه عن التغييرات الأخيرة: "قرار القيادة السعودية بتغيير هذه الصورة قلب المكان كله رأساً على عقب. وكجزء من هذا التغيير، تنفق السعودية مبالغ فاحشة من المال لإنشاء مدن جديدة ومناطق جذب سياحي، بمثابة تخطيط طويل الأجل لعالم ما بعد النفط".
ويضيف: "في السعودية اليوم، هناك ثابت واحد فقط: التغيير بسرعة فائقة. سيكون من السخف الذهاب إلى أبعد من ذلك دون الحديث عن الرجل الذي يقف وراء هذه التغييرات؛ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولا يمكن إجراء أي نقاش حول محمد بن سلمان دون الإشارة إلى الجدل الذي يولده".
ويستطرد الكاتب البريطاني في حديثه عن ولي العهد السعودي ليصفه بأنه "مهندس الإصلاحات في السعودية، إنه يحدّث بسرعة هائلة ويخلق فرصاً هائلة داخل البلاد، لكنه أيضاً يستثمر الاقتصاد في سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية".
وأضاف: "يقول الكثير إنه (محمد بن سلمان) كان انتقائياً في إصلاحاته. بينما قام بتغيير القوانين الشهيرة التي تسمح للمرأة بقيادة السيارة، بينما يقول النقاد إنه لا يزال هناك مجال ضئيل للغاية للمعارضة العامة".
ويستشهد كويست بحادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، مشيراً إلى تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي يتهم الأمير محمد بن سلمان بأنه كان وراء مقتل خاشقجي، "بينما نفى محمد بن سلمان بثبات وحزم الأمر بالقتل، لكنه قال إنه يتحمل المسؤولية كقائد سعودي".
ويقول: "أطرح هذا الآن لأنه جوهر التناقض الذي هو السعودية اليوم: لقد أسس محمد بن سلمان لإجراء إصلاحات اجتماعية واقتصادية، وإعطاء حريات جديدة لملايين السعوديين العاديين، ومع ذلك هناك هذا الجانب المظلم للإصلاحات التي تسيء إلى القيم الغربية، مما يمنع تأييده بشكل كامل".
ويلفت إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن واجه هذا "التناقض" عندما زار السعودية في يوليو/تموز الماضي، حينما وازن بين احتياجات النفط السعودي وقوة الرياض الاقتصادية، مع محاولة عدم الظهور بمظهر مريح للغاية مع الرجل الذي يقول مكتب المخابرات الوطنية إنه وافق على قتل خاشقجي. حسب تعبير كويست.
المارد خرج من القمقم
من جانب آخر، يلفت الكاتب البريطاني إلى أن هناك "حقيقة" يذكره بها الجميع، وهي أن "غالبية الناس في السعودية تقل أعمارهم عن 30 عاماً (ما يزيد قليلاً عن 40% أقل من 25 عاماً)، ولا يوجد مكان يعرض ذلك أفضل من منطقة البوليفارد".
ويضيف: "البوليفارد منطقة ترفيهية جديدة في الرياض، حيث يمكن للشابات أن يختلطن بشكل علني مع الرجال، والنساء يمكنهن ارتداء الحجاب أم لا؛ حسب اختيارهن".
ويردف: "في السعودية، لم أتوقع مطلقاً أن أرى رجالاً ونساء يختلطون معاً، ودي جي يضخ ألحاناً عالية وحشوداً تتأرجح على الموسيقى. ومع ذلك هناك أمام عيني؛ (حدث هذا فقط في السنوات الخمس الماضية) حسب توضيح طبيبة الأسنان والروائية السعودية الشهيرة رجاء الصانع".
وألّفت الصانع رواية "بنات الرياض"، وهي حكاية خيالية لأربع نساء وحياتهن العاطفية المعقدة والتي أطلق عليها اسم "الجنس والمدينة" في السعودية، حسب الكاتب البريطاني.
في السياق، يشير كويست في مقاله إلى أن "لغز" السعودية هو "محاولة احترام ماضي البلاد، مع إدخال إصلاحات تهدف إلى إفادة السكان المحليين، وجذب السياح إلى مكان يمكن أن يشعروا أنه غير مكتشف، وهذا سلعة نادرة في عصر السفر الحديث".
ويحكي كويست عن جولته في السعودية برفقة الصانع، واصفاً رؤية نساء يقدن السيارات بأنها لا تزال مظاهر جديدة، وفي حين أن الحقيقة الرئيسية هي وجود تقدّم، لكن لا تزال هناك حالات "شاذة" حسب تعبير الكاتب.
ويضيف أن من بين تلك الحالات أن المرأة في السعودية لا تزال تحتاج إلى إذن ولي الأمر للزواج أو نقل الجنسية، لافتاً إلى أنه أحد جوانب "إنجاز نصف العمل" في الإصلاح السعودي، حسب تعبير الروائية السعودية.
الوقت لتناول القهوة
يشير كويست خلال مقاله إلى حقيقة "بسيطة" وهي أنه لا توجد مشروبات كحولية في السعودية، مستدركاً: "نعم هناك حديث حول ما إذا كان سيتم السماح للفنادق أو المطاعم أو أماكن معينة للأجانب بتقديم النبيذ والبيرة وما إلى ذلك في المستقبل البعيد".
كما يلفت إلى أن العاصمة السعودية الرياض تتفوق بالعدد الكبير من المقاهي الترفيهية على الطراز الغربي والتي انتشرت في كل مكان خلال السنوات القليلة الماضية، وسط غياب ما يعرف بالبارات.
في خضم ذلك، يؤكد أن التغييرات لا تقتصر على الرياض فحسب، فهناك منطقة عسير في الجنوب الغربي من العاصمة على بعد 900 كيلومتر، لكن بوتيرة "أخف" من الرياض.
في الفندق الذي كان يقيم فيه كويست مسموح بالاختلاط وعدم ارتداء الحجاب، "رغم أن غالبية من يفعلون ذلك من المغتربين والغربيين، حيث إن السعوديين يستوعبون ما يحدث جيداً ويقررون بشكل فردي ما هي الوتيرة المناسبة لحياتهم".
ويحكي عن أبها عاصمة منطقة عسير التي "ازدهى التعبير الإبداعي فيها" حتى خلال فترات "المحافظة الشديدة" في السعودية.
وفي قرية المفتاحة الفنية في مدينة أبها، عاصمة عسير، ازدهرت أعمال الفنان السعودي الشهير عبد الناصر غارم، حيث جاء إلى أبها في سن المراهقة لتشتهر أعماله لاحقاً وتباع في مزاد بمئات الآلاف من الدولارات".
ويضيف الكاتب: "يجسد غارم التوازن الذي تحاول السعودية تحقيقه. بالإضافة إلى كونه فناناً مشهوراً وناجحاً تجارياً، فقد كان برتبة مقدم في الجيش السعودي. يعتقد أن العالم الذي تم إنشاؤه في قرية المفتاحة للفنون قد أظهر الطريق للبلاد ككل".
بينما ينقل عن الفنان السعودي قوله: "في الوقت الحالي، أعتقد أننا نعيش في رواية، يمكنني أن أسميها تنويراً. كما تعلمون، لكل دولة لحظة استنارة خاصة بها. وأعتقد أننا ما زلنا في مرحلة بناء خطابنا".
لكن الكاتب البريطاني يختتم مقاله بالإشارة إلى صعوبة استنتاجات "شاملة" في ظل هذا التغيير "العميق"، حيث لا نزال "في وسط العاصفة.. ومن الصعب رؤية النتائج النهائية".