“ميدل إيست آي”: سوق سوداء لبيع التأشيرات المصرية “المجانية” للسودانيين يدرّ آلاف الدولارات على شبكة سريّة

عربي بوست
تم النشر: 2022/05/18 الساعة 17:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/18 الساعة 17:58 بتوقيت غرينتش
السياحة في مصر/رويترز

كشف تحقيق أُجرِيَ مؤخراً عن الفساد الذي يشوب اتفاقية التأشيرات المجانية الموقعة بين مصر والسودان، بعد أن استولى وكلاء الطرف الثالث على نظام التأشيرات وأطلقوا سوقاً سوداء تدر آلاف الدولارات يومياً، حسب موقع Middle East Eye البريطاني.

وتكفل اتفاقية التأشيرات المجانية لمواطني البلدين الحق في التنقل والإقامة باستخدام أي أوراق هوية، لكن غالبية أصحاب الطلبات لا يَصلون حتى إلى شباك التقديم، إذ يُجبَرون على دفع رسوم للوكلاء الذين يمكنهم تسهيل عملية تقديم الطلبات السريعة، للحصول على التأشيرة التي يُفترض أنها مجانية في الأساس.

هذا الوضع أسفر عن ظهور سوقٍ سوداء نشطة لبيع الوثائق المطلوبة، بما في ذلك الاستمارات الطبية المزيفة، كما ينتهك الوضع الجديد اتفاقية الحريات الأربع الموقعة بين مصر والسودان في عام 2004.

واتفقت القاهرة والخرطوم في عام 2017 على إصدار تأشيرات الدخول في الاتجاهين بالمجان لكل حامل جواز سفر يتقدم بطلب، على أن تكون التأشيرات ساريةً لمدة ستة أشهر.

حيث اعتمدت شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية" (أريج) على أدلةٍ بالصور والفيديو لتوثيق كيفية تحكُّم مسؤولي الأمن في طوابير مقدمي الطلبات لصالح الشبكات السرية التي تبيع التأشيرات بشكلٍ غير قانوني في محيط القنصلية.

الانتظار إلى أجلٍ غير مسمى

حاول محمد بلال في عام 2019، حين كان عمره 39 عاماً، أن يحصل على تأشيرة دخول مصر من قنصلية البلاد في الخرطوم.

وقال إنّه ذهب إلى القنصلية بصفةٍ شبه يومية لمدةٍ تتجاوز الشهر، كان يقيم مساءً في طوابير طويلة أمام القنصلية؛ حتى يضمن مكانه ويُقدم استمارة الحصول على تأشيرته.

لكن مساعيه المتكررة لاتباع النظام باءت بالفشل. لهذا تواصل في النهاية مع صديقٍ له؛ حتى يُعرّفه على "واسطة" لتسهيل العملية.

وتذكّر بلال التفاصيل قائلاً: "التقيت مسؤولاً أمنياً دبلوماسياً في محيط القنصلية عبر أحد معارفي. فأخذ جواز سفري ودخل إلى بهو القنصلية، ثم خرج من القنصلية ومع إيصال".

وبعد مضي أسبوعٍ واحد، تسلّم بلال جواز سفره وتأشيرة دخول مصر.

وبلال واحدٌ من بين مئات حُرموا من حقوقهم في الحصول على التأشيرات بالمجان يومياً بسبب هذه السوق السوداء، وفقاً لما توصلت إليه شبكة أريج.

يُذكر أن وزارة الخارجية المصرية تُصدر ألف تأشيرة يومياً للسودانيين بغرض التجارة، والسياحة، والعلاج الطبي. وتتلقى القنصلية المصرية في الخرطوم أكبر عددٍ من الطلبات بالبلاد، حيث تُصدر 700 تأشيرة في المتوسط يومياً.

لكن التحقيق توصل إلى أن عدد التأشيرات التي صدرت بشكلٍ قانوني على مدار أسبوعين في مايو/أيار عام 2021، لم يتجاوز الـ300 تأشيرة فقط إجمالاً، وفقاً لشهادات شهود العيان التي أدلى بها الوسطاء والسماسرة ومسؤولو السياحة وأصحاب الطلبات.

تكلفة الفساد

يسمع أصحاب الطلبات عن وكلاء التأشيرات في الشوارع الجانبية من الإعلانات عبر الشبكات الاجتماعية أو عبر المعارف الشخصيين. ويلتقون السماسرة غير الرسميين في محيط القنصلية بعد ساعات من الانتظار لتسليم الوثائق المطلوبة، وجواز السفر، ومبلغ "السمسرة" الضخم.

ويعود السماسرة إلى مكاتب السفر والسياحة التي يعملون معها؛ للتواصل مع وسيطٍ يُعرف باسم "موظف القنصلية". ويقوم السماسرة بتوصيل الطلبات مباشرةً إلى القنصلية بالتعاون مع الكيان الحكومي، حيث يجري ختم التأشيرات خلال فترةٍ تتراوح بين يومٍ واحد وأسبوعٍ كامل وفقاً لمبلغ السمسرة المتفق عليه.

وعادةً ما تصدر التأشيرات السريعة في غضون 24 ساعة مقابل 55 ألف جنيه سوداني (112 دولاراً)، بينما تصدر التأشيرة البطيئة بعد أسبوع مقابل 35 ألف جنيه سوداني (88 دولاراً).

وتجني شبكة السوق السوداء 10.5 مليون جنيه سوداني (23 ألف دولار) يومياً على الأقل، بناءً على عدد المتقدمين بالطلبات.

دور الحكومة

في الـ25 من أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، أعلن رئيس المجلس السيادي السوداني، عبد الفتاح البرهان، حالة الطوارئ في البلاد وحل المجلس السيادي ومجلس الوزراء.

وكان المجلس هو المكلف بإدارة شؤون السودان منذ أغسطس/آب 2019، عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، في نهاية 30 عاماً قضاها على رأس السلطة.

ومنذ ذلك الحين أصبح الحصول على المعلومات من المؤسسات الرسمية السودانية مستحيلاً برغم سريان أحكام المادة 25/25 من قانون الصحافة والمطبوعات الصادر عام 2009، والتي تنص على حق الصحفيين في الحصول على المعلومات من المصادر الرسمية.

وفي الوقت ذاته، يُعاني الراغبون في السفر من السودان إلى مصر ويخسرون أموالاً طائلة بسبب منظومة التأشيرات الفاشلة، التي تنتهك الاتفاقيات الدبلوماسية بشكلٍ مباشر وتحرم مواطني البلدين من حقهم في التنقل، والإقامة، والعمل، والملكية.

تحميل المزيد