اكتست قضية تهريب الآثار الكبرى، المتهم فيها النائب البرلماني السابق علاء حسانين ورجل الأعمال المعروف حسن راتب، بحالة من الغموض والجدل عقب انتشار أحاديث عن إمكانية ورود اسم سفير الإمارات السابق في القاهرة حمد سعيد الشامسي في القضية، وسط صمت تام من الجهات المعنية في القاهرة وأبوظبي عن التعليق على الأمر سواء بنفيه أو تأكيده، رغم الإعلان رسمياً عن تعيين مريم خليفة الكعبي سفيرة جديدة للإمارات لدى مصر في السادس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وكان أول من أشار إلى هذا الأمر محمد مرسي، السفير المصري السابق في الدوحة، عبر منشور على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قال فيه إن السفير الإماراتي الذي سافر إلى بلاده في أغسطس/آب الماضي ولم يعُد، تم ترحيله بعد أن كشفت التحقيقات تورُّطه في تهريب الآثار المصرية بالحقائب الدبلوماسية الإماراتية، مشيداً بيقظة أجهزة الأمن والرقابة المصرية، وحسن تصرُّف وزارة الخارجية بمعالجة الأمر بشكل محترف، وبدون إثارة؛ حرصاً على العلاقات مع الإمارات.
سرعان ما عدل السفير السابق عن موقفه في اليوم التالي، عبر منشور جديد قدَّم فيه اعتذاراً، قائلاً إن بعض ما ورد في منشوره السابق عن سفير دولة الإمارات في القاهرة، كان نقلاً عن مصادر تبيَّن أنها غير موثوقة.
وتابع: "ولهذا سارعتُ بحذف البوست كاملاً؛ منعاً للبس وسوء التفسير وحرصاً على مصلحة بلادنا ومشاعر الأشقاء"، من دون أن يوضح بشكل محدد، ما هو هذا "البعض" الذي لم يكن دقيقاً في قصته عن تورط السفير الشامسي!
بعد ذلك، كان عبد الخالق عبد الله المستشار السياسي للشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، قد نشر تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قبل أيام، يتحدث فيها عن خضوع حمد الشامسي للتحقيق في أبوظبي، لكنه حذفها بعد وقت قليل، وتمكن "عربي بوست" من الحصول على صورة زنكوغرافية لها، وهو ما اعتبره كثيرون دليلاً حاسماً على تورط السفير الإماراتي السابق بالقاهرة في قضية تهريب الآثار، وهو ما لم ينكره المصدر الأمني، لكن الجدل فقط حول طبيعة هذا التورط.
علاقة مريبة جمعت سفير الإمارات بالمتهم الرئيسي في قضية تهريب الآثار الكبرى
كشف مصدر أمني لـ"عربي بوست" أن تحركات السفير الإماراتي لم تكن مُريحة للأمن المصري منذ وصوله لتسلُّم مهام عمله بالقاهرة في منتصف فبراير/شباط 2021، خصوصاً أنه حضر إلى القاهرة مُحاطاً بشائعات كثيرة عن نزاهته لاحَقته خلال عمله سفيراً لبلاده في بيروت، ثم توالت الملاحظات السلبية عليه منذ وصوله، خصوصاً عندما بدأ عمله في مصر بزيارتين غير مبررتين للمناطق الأثرية في المنيا والأقصر، وكان يرافقه في زيارته للمنيا النائب السابق علاء حسانين نفسه الذي تراقبه السلطات الأمنية المصرية منذ سنوات.
وزياراته المتكررة للكنائس المصرية في أكثر من محافظة، لكن المصدر الأمني رفض تأكيد أو نفي تورط السفير في تهريب آثار بحقائب دبلوماسية تابعة للسفارة الإماراتية، مُكتفياً بالقول إن هناك تعليمات صارمة لجميع المسؤولين في الأجهزة المعنية بالقضية بعدم الإفصاح عن معلومات لوسائل الإعلام، انطلاقاً من أنَّ تسرُّب المعلومات في الوقت الحالي يضرُّ بمسار القضية أكثر مما يفيدها، وهذا سر حرص القاهرة على عدم التعليق على الشائعات المنتشرة حول السفير الإماراتي.
هل تم ترحيل السفير؟
بحثاً عن الحقيقة الغائبة في الجدل الدائر حالياً، توجه "عربي بوست" بالسؤال لمصدر أمني رفيع المستوى حول ما إذا كان السفير الإماراتي السابق تم ترحيله بالفعل؟ ولماذا تلتزم القاهرة الصمت تجاه كل الصخب الدائر حول الأمر، خصوصاً أن قرار الترحيل إذا كان قد صدر فيُحسب للسلطات المصرية وليس عليها؟
المصدر الأمني كشف أن بعض ما يُنشر حول الأمر مجرد اجتهادات صحفية تبالغ كثيراً، مؤكداً أن السفير الإماراتي عاد بالفعل إلى أبوظبي بناءً على استدعاء من وزارة الخارجية الإماراتية، في الرابع والعشرين من أغسطس/آب الماضي، بموجب تنسيق رفيع المستوى مع وزارة الخارجية المصرية، التي طلبت من نظيرتها الإماراتية استدعاء السفير عقب ظهور اسمه في تحقيقات النيابة بقضية تهريب الآثار الكبرى المتهم فيها علاء حسانين وحسن راتب، على حد قوله.
وأشار المصدر إلى أن هناك تبعات دبلوماسية تترتب على قرار طرد أو ترحيل سفير دولة ما، وهو ما لم تقم به مصر ولم يحدث، لأن العلاقات بين القاهرة وأبوظبي أكبر من أن تعكرها سلوكيات سفير غير مقدِّر لمسؤولية المنصب الذي يشغله، لكن المصدر عاد لتأكيد أن التحقيقات لم تجزم حتى الآن بدور السفير الإماراتي في القضية، وكل ما يربطه بها هو علاقته "المريبة" مع علاء حسانين المتهم الرئيسي فيها.
معلومة سرَّبتها جهات أمنية مصرية للضغط على أبوظبي
في تعليقه على الضجة المثارة ونسبة الحقائق فيما يُنشر حول القضية وتورُّط السفير الإماراتي السابق فيها، قال مسؤول سابق بجهاز سيادي لـ"عربي بوست" إن الأمر مدبَّر من الجهات الأمنية المصرية، التي سرَّبت الخبر عبر السفير المصري السابق، قبل أن يعود ويعتذر عن بعض ما ورد فيه، بشكل غامض.
لكن الهدف تحقَّق وهو إثارة الجدل وتمرير المعلومة إلى وسائل الإعلام التي ستتولى بدورها نسج عشرات القصص الحقيقية والمزيفة عن القضية، والأهم أنها سوف تفتش في ملفات فساد سفراء الإمارات بكل مكان، فضلاً عن التنقيب عن الأدوار المشبوهة التي تقوم بها دولة الإمارات ضد المصالح المصرية سواء في قضية سد النهضة، أو عقد عشرات المعاهدات التجارية مع إسرائيل على حساب الإضرار بالمصالح المصرية، وكل هذه الضجة تهدف إلى الضغط على أبوظبي وقيادتها.
وأشاد المسؤول السابق بقدرة الأجهزة السيادية المصرية على تحقيق مصالح مصر من خلف الستار دون أن تتورط الدولة الرسمية في مواقف تُحسب عليها لاحقاً، وهو ما يظهر في صمت الجهات الرسمية عن التعليق على موضوع السفير الإماراتي، والاكتفاء بالضجة المثارة في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية حول العالم، مشيراً إلى أن ما حدث يعكس طبيعة العلاقات المتوترة في العامين الماضيين بين القاهرة وأبوظبي، التي تورطت في أكثر من عمل يضر المصالح المصرية.
ونفى المسؤول ما ذكرته بعض التقارير الإعلامية عن اتفاق سري أعادت بموجبه الإمارات إلى مصر، مجموعة من القطع الأثرية المُهرَّبة خلال الأسابيع الماضية، مقابل إقصاء اسم الشامسي من التحقيقات، والتعامل مع الأمر كأنّه لم يَكن، فضلاً عن تحسين أوضاع المُتَّهمين الرئيسيين، عبر إيجاد ثغرات يمكن أن يطعنوا من خلالها في الأحكام المُشدَّدة المُتوقّع صدورها بحقّهم، فضلاً عن إعادة أموال إلى الحكومة المصرية، من دون أن تَدخل خزينة الدولة بشكل مباشر، في وقت ستتمُّ فيه تسوية وضعيَّة الآثار العائدة باعتبارها مكتشفة في مواقع يجري العمل فيها بالفعل.
وقال تعليقاً على تلك المعلومات إنها غير صحيحة؛ لأكثر من سبب، منها أن القطع الأثرية تم ضبطها بالفعل ومن ثم لا داعي لأن تقوم الإمارات بإعادتها إلى مصر، كما أن الزعم بإمكانية تسوية وضعية الآثار باعتبارها مكتشفة حديثاً، أمر يبعث على الضحك، في زمن لم يعد يمكن فيه الإبقاء على شيء بعيداً عن الأعين.
مسؤول بالآثار يرجح عدم تورط السفير الإماراتي في تهريبها عبر الحقائب الدبلوماسية
مصدر في وزارة السياحة والآثار بمصر نفى في اتصال هاتفي مع "عربي بوست"، احتمالية تورط الشامسي في استخدام الحقائب الدبلوماسية لتهريب الآثار بالاتفاق مع علاء حسانين، ثم نقلها إلى إسرائيل كما زعمت بعض وسائل الإعلام.
وقال إن الجميع سارع لترديد الشائعات حول الأمر دون أن ينتبهوا إلى حقيقة بسيطة جداً وهي أنه وقت القبض على علاء حسانين تمت مصادرة القطع الأثرية التي قيل إنه يسعى لتهريبها، وهي عبارة عن مئتين وسبع وعشرين قطعة أثرية، أغلبها عملات قديمة رومانية ويونانية متمثلة في 58 عملة من البرونز والنحاس، بجانب لوحتين لتابوت منقوش بالهيروغليفية، و36 تمثالاً، و4 تماثيل أوشابتي، وبعض الأقنعة الفرعونية القديمة.
كما أن التحقيقات سوف تكشف عن تقرير اللجنة المكلفة من النيابة بفحص القطع المضبوطة والتي يرأسها نصر جبريل إبراهيم رئيس الإدارة المركزية للمضبوطات بالمجلس الأعلى للآثار، الذي يقول إن بعض القطع مزيفة، فيما تعود تاريخية القطع الحقيقية إلى 5 عصور مختلفة (ما قبل التاريخ، والفرعوني، واليوناني، والروماني، والإسلامي).
لفت المصدر إلى أن القطع المكتشفة حتى لو لم تتم مصادرتها فإنها لا تمثل كنزاً أثرياً يُغري دولة مثل الإمارات للتورط في تهريبها لعرضها في متحف اللوفر مثلاً، مشيراً إلى أن كثيراً من قضايا تهريب الآثار الأخرى لا تقل كمية المضبوطات فيها عن ألفي قطعة، وهو ما حدث مثلاً في قضية اكتشاف قطع أثرية بشقة بالزمالك يملكها مستشار بالقضاء مقيم بالخارج.
كما أن قضية تهريب الآثار المتهم فيها رؤوف غالي، شقيق وزير الاقتصاد في عصر مبارك، يوسف بطرس غالي، تجاوزت المضبوطات فيها 20 ألف قطعة، ووقتها تم الكشف عن تهريب تلك القطع في حقائب دبلوماسية تخص السفارة الإيطالية، وكل هذا يقود إلى حقيقة واحدة هي صعوبة تصديق ما يقال عن تورط السفير في تهريب قطع أثرية بحقائب دبلوماسية تخص السفارة الإماراتية، سواء كان فعل ذلك بأوامر من دولته أو بشكل شخصي.
علاء حسانين معروف بنشاطه القديم في تهريب الآثار
مصدر دبلوماسي كانت تربطه علاقة قوية مع السفير الإماراتي السابق، كما يملك علاقات متشعبة في وزارة الخارجية، قال لـ"عربي بوست" إن السفير لم يقم بتهريب الآثار بحسب علمه، لكنه كان مريباً بشكل عام في حرصه على التغلغل داخل المجتمع المصري وسعيه الذي لا يكل لمعرفة كل التفاصيل عن كل ما يحدث في مصر، وقد فسر المحرر ذلك السلوك المريب في وقته بأنه انعكاس لمحاولة دولة الإمارات السيطرة على مصر، والتي ظهرت معالمها مع تولي السيسي مهام الرئاسة، حيث سعت للدخول في العديد من المشروعات الاقتصادية المهمة مثل مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق، بجانب إنفاقها الضخم لتمويل وسائل إعلام موالية لها في مصر.
وأضاف أنه تحدث مع مسؤول في وزارة الخارجية المصرية حول عدم ارتياحه لتحركات الشامسي، فما كان من الأخير سوى الابتسام والقول: "اطمّن، مفيش حاجة بتحصل من ورانا"، وهو ما عرف لاحقاً أن تحركات السفير كانت مرصودة من قِبل الجهات الأمنية، ومن ثم من الصعب تصديق أن السفير قام بتهريب الآثار في الحقائب الدبلوماسية دون أن تكشفه السلطات المصرية.
ونقل بعض ما يسمعه داخل وزارة الخارجية المصرية عن أن القضية لا تخلو من شبهات سياسية، خصوصاً أن علاء حسانين المتهم الرئيسي فيها شخص مشبوه من زمن بعيد، حتى إن له سمعة بالمتاجرة في الآثار المهربة والتنقيب غير الشرعي عنها، وهو أمر تعرفه الجهات الأمنية منذ تسعينيات القرن الماضي، أي قبل دخوله البرلمان لأول مرة عام 2000، ومع ذلك تركته الدولة، وهناك المئات غيره ممن يعملون في تهريب الآثار وكوَّنوا ثروات هائلة تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية، لكن القبض عليه هذه المرة كان لارتكابه خطأ آخر أو ربما لاستغلال علاقته الوثيقة والمريبة بالسفير الإماراتي ورجل الأعمال حسن راتب للإيقاع بهما، من أجل الضغط على أبوظبي والإجهاز على راتب الذي لم يكن يحظى بثقة بعض المسؤولين الكبار في جهاز سيادي مهم.