تتوجه الأنظار السياسية في لبنان إلى القرار المنتظر الذي سيصدر عن المجلس الدستوري في لبنان، والذي يعتبر أعلى سلطة دستورية في البلاد، وذلك في الطعن الذي قدمه تيار رئيس الجمهورية وصهره (التيار الوطني الحر) في تعديلات قانون الانتخاب.
ويصر التيار على أن يقترع المغتربون اللبنانيون لستة نواب بدلاً من 128، خوفاً من تأثير انتخابات الخارج على حضور ووزن التيار وحليفه الرئيسي أي حزب الله اللذين يتهمان دولاً بالتدخل في مسار الانتخابات.
في المقابل، تقول مصادر حكومية لـ"عربي بوست" إن البحث لا يزال مستمراً عن حلول للأزمة الحكومية ـ القضائية أو محاولة إيجاد تسوية تسمح باستئناف جلسات الحكومة المعطلة منذ 80 يوماً.
وتشير المصادر إلى أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يحاولون الدفع في اتجاه معالجة الأزمة على قاعدة أن واقع البلاد لم يعد يتحمّل توقف الحكومة عن الانعقاد، ، لكن لم يتم بعد التوصل إلى نتيجة إيجابية.
يأتي هذا في وقت ينتظر فيه المجتمع الدولي استحقاقات أبرزها عقد اتفاق مع صندوق النقد وجلب الغاز من مصر وإجراء الانتخابات البرلمانية، وكلها أمور تحتاج لاجتماع حكومي سريع.
تسوية لبنانية.. الإطاحة بالجميع
بالتوازي تؤكد مصادر دبلوماسية عربية لـ"عربي بوست" أن صفقة سياسية يُجريها حزب الله في الكواليس مع كل الأطراف المتنازعة لإيجاد مخرج يعيد الحكومة للعمل ويقرب وجهات النظر بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري.
وتقول المصادر إن التسوية تقضي بأن يُصدر المجلس الدستوري في مهلةٍ أقصاها يومين قبول الطعن المقدّم من نواب في التيار الوطني الحر، ما يعني الإطاحة بالسماح للمغتربين بالتصويت لكامل أعضاء مجلس النواب وحصرهم بستّة نوّابٍ فقط يمثّلون الاغتراب.
في المقابل، يقوم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالدعوة لجلسة حكومية على جدول أعمالها تعيين رئيس جديد لمجلس القضاء الأعلى، ومدعي عام التمييز، والمدعي العام المالي ورئيس التفتيش القضائي.
ويعني ذلك كلّه فتح باب لمخرج قضائي يسمح بسحب ملف التحقيق مع النواب في جريمة انفجار المرفأ من يد القاضي طارق البيطار وتسليمه إلى مجلس النواب.
وبحسب المصدر، فإن التسوية التي يعدها حزب الله تعطي لكل القوى السياسية ما تريده، حيث سيحصل فريق الرئيس عون والتيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل على منع المغتربين من التصويت لكل النواب وحصرها بستة نواب تخص المغتربين فقط، خاصة أن العدد الأكبر من المسجلين في الخارج في مناطق حضور التيار الوطني الحر، حيث يخشى التيار أن تصب الأصوات ضده.
بالمقابل، فإن الحزب سيؤمِّن له ولبري مطلب إزاحة البيطار بالإضافة لإزاحة رئيس المجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، الذي يغطي البيطار قضائياً، ويعيد التحقيق لقاضي جديد ينحصر عمله باستدعاء الموظفين فيما يتولى البرلمان محاكمة الوزراء والنواب في المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء التابع لرئاسة البرلمان.
وتشير المصادر إلى أن الساعات القادمة ستكون مفصلية حول هذه التسوية، خاصة أن القوى السياسية حريصة على إجراء هذه التسوية قُبيل العام الجديد لحسم جملة ملفات أساسية، أبرزها مصير الانتخابات النيابية التي تسعى قوى سياسية على تأجيلها.
ويرى المصدر أن هناك نية في إبقاء الفراغ والانهيار يتمددان للوصول إلى مؤتمر دولي إقليمي، يبحث في مستقبل النظام السياسي في لبنان، أو في طرح صيغة جديدة تطويرية للنظام القائم، والذهاب إلى عقد اجتماعي جديد، أو اتفاق على دستور محدّث مشابه لاتفاق الطائف.
اجتماعات دولية.. عقوبات وحلول
بالتوازي يقول المحلل السياسي جوني منير أن الإدارة الأمريكية وعلى الرغم من انشغالها الكبير في أزماتها الداخلية والملفات الخارجية المتزاحمة وفي طليعتها الملف النووي الإيراني، لا تتردّد في توجيه الرسائل المتلاحقة حول تمسكها بدورها في صياغة الصورة المستقبلية للبنان.
وأضاف: "لا حاجة لتكرار أن واشنطن أولَت العاصمة الفرنسية مهمة الاهتمام بالتفاصيل اللبنانية والتي ستشكل باباً لاستعادة الدور الفرنسي ومعه الأوروبي في الشرق الأوسط انطلاقاً من الساحة اللبنانية".
ويؤكد منير حصول مشاورات بين الدوائر المعنية بالملف اللبناني في كل من واشنطن وباريس، وعلى ضوء نتائج زيارة الرئيس الفرنسي إلى السعودية، وتقرر حصول تحرك أمريكي – فرنسي مشترك باتجاه القيادة السعودية، في استعادة لما حصل في يوليو/تموز الماضي (زيارة السفيرتين الأمريكية والفرنسية للرياض)، ولكن على مستوى أعلى.
يؤكد منير أن واشنطن وباريس ستسعيان لإقناع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باستقبال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، إضافة إلى تدارس الخطوات السعودية في إطار استعادة التوازن مع إيران، وليس أبداً التصادم معها.
ويشير منير إلى أن هذا الحراك المشترك تزامن مع ما أعلنته الدولتان عن نيتهما إصدار عقوبات مشتركة بحق قيادات سياسية لبنانية تعرقل تحقيق مرفأ بيروت وتمنع عقد الحكومة.
بالمقابل يشير مصدر مصرفي لبناني لـ"عربي بوست" إلى أن الاجتماع الذي جرى بين جمعية المصارف وبين وكيل وزارة الخزانة الأمريكية للإرهاب والاستخبارات المالية برايان نيلسون في الاجتماع الافتراضي الخميس 16 ديسمبر/كانون الأول، كان واضحاً إزاء استراتيجية الولايات المتحدة ضد الفساد وتشدّدها في محاربته، عارضاً ما تتوقعه وزارة الخزانة من المؤسسات المالية في لبنان من دور حيوي في معالجة الفساد ومنع وصول حزب الله إلى النظام المالي اللبناني.
ووفقاً للمصدر، فإن نيلسون أعاد التذكير بأن العقوبات طالت سياسيين ومقاولين بتهمة الفساد وتحديداً المقربين من حزب الله والتيار الوطني الحر، لذلك فقد نبّه مسؤول الخزانة الأمريكية المصارف إلى التعامل مع أمثالهم.
ويقول المصدر إن نيلسون أكد للمجتمعين معه أن مرحلة جديدة من الضغوط الأمريكية في لبنان ستبدأ، وأن هذه الضغوط تتزامن مع بعض التبليغات التي يتلقاها ناشطون حزبيون لبنانيون في الولايات المتحدة الأمريكية من قِبَل دوائر رسمية، وذلك لتجميد تحركاتهم لصالح القوى السياسية ومحاولة إقامة حملات مناصرة لهم وإلا سيتعرضون للعقوبات.