في الأيام القليلة الماضية، نقلت تقارير إعلامية غربية، عن مصادر أمريكية وإسرائيلية لم تسمِّها، مناقشة مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، مع نظيره الإسرائيلي، ايال هولتا، مسألة طرح اتفاق نووي مؤقت مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في المحادثات النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن، التى من المقرر استئنافها في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بعد أن توقفت لحوالي ثلاثة أشهر، منذ أن تولى رجل الدين المحافظ، إبراهيم رئيسي، السلطة في إيران.
قالت المصادر الأمريكية والإسرائيلية، مسألة اتفاق نووي مؤقت مع طهران سببها أن التقدم النووي الهائل لإيران جعل طهران قريبة جداً من مستويات تخصيب اليورانيوم اللازمة لصنع سلاح نووي.
كما ناقش مستشار الأمن القومي الأمريكي مع نظيره الإيراني فكرة أخرى، تتلخص في أنه مقابل تجميد إيران على سبيل المثال لتخصيب اليورانيوم إلى 60%، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الإفراج عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة، أو إعادة تقديم إعفاءات من العقوبات الإنسانية.
في الناحية المقابلة، ترفض طهران أي حديث عن اتفاق مؤقت، مؤكدة على ضرورة امتثال الولايات المتحدة لخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، أو ما يعرف بالاتفاق النووي الإيراني.
رفضنا هذا الاقتراح من قبل
مسؤول إيراني بارز ومقرب من دائرة صنع السياسة الخارجية الإيرانية، تحدث لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، قائلاً "لقد اقترحت واشنطن عبر الأطراف الأوروبية المتبقية في الصفقة هذا الأمر قبل عدة أشهر، ورفضت طهران المسألة برمتها رفضاً تاماً".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً "لا أعلم لماذا يتم الحديث عن اتفاق مؤقت قبل أيام من استئناف المفاوضات، إذا كان الأمر مجرد بالون اختبار فيجب أن يعلم الأمريكيون أن اقتراحاتهم جميعها فاشلة، ولا بد أن يعودوا للامتثال الكامل للصفقة النووية لعام 2015".
أما عن حديث المسؤولين الأمريكان والإسرائيلين، عن طرح فكرة وقف طهران لتخصيب اليورانيوم عند 60%، مقابل الإفراج عن بعض أصولها المجمدة في الدول الأوروبية، فيقول المسؤول الإيراني البارز لـ"عربي بوست"، "هذا الأمر أيضاً مرفوض من قِبل القيادة العليا في طهران، طرحته واشنطن من قبل ورفضته طهران بالطبع، الإفراج عن الأصول الإيرانية المجمدة حق لإيران لا يمكن التفاوض عليه".
رفع جميع العقوبات
مسؤول حكومي آخر مقرب من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، ومطّلع على سير المفاوضات النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن، تحدّث مع "عربي بوست" عن مسألة مطالبة إيران برفع جميع العقوبات، سواء النووية (المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني)، أو غير النووية (ذات الصلة بجرائم الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد أقدم على ما سمّته إدارته "جدار العقوبات"، وهو ما يصل إلى 1500 من العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية ضد طهران.
يقول المسؤول الحكومي الإيراني لـ"عربي بوست"، "أمر عقوبات نووية أو غير نووية لا يهمنا كثيراً، فجميع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب منذ الخروج من الصفقة النووية كانت مرتبطة بالاتفاق النووي، ويجب إزالتها من قبل إدارة بايدن دفعة واحدة، وليس على مراحل".
كما أشار المصدر ذاته إلى مسالة أخرى، تطالب بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من أجل العودة للامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، فيقول لـ"عربي بوست"، "العقوبات الثانوية الأمريكية هي التي تُشكل أزمة ومأزقاً لطهران، وليست العقوبات الأولية، فقد طلبنا من إدارة بايدن رفع العقوبات المفروضة على طهران من قبل قانون مكافحة أعداء أمريكا بالعقوبات، لأن هذا الأمر شديد الأهمية بالنسبة للقيادة الإيرانية، لكنهم إلى الآن يتجاهلون الطلب".
جدير بالذكر أن قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة عبر العقوبات، أو ما يعرف اختصاراً باسم "CAATSA" هو قانون اتحادي أمريكي، تم تشريعه في 2 أغسطس/آب عام 2017، ووقع عليه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ليصبح العمل به سارياً منذ بداية عام 2018.
بموجب هذا القانون تفرض الولايات المتحدة على أعدائها مثل كوريا الشمالية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، عقوبات مختلفة مالية وسياسية وعسكرية.
يقول المسؤول الحكومي البارز، والمقرب من مكتب المرشد الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي لـ"عربي بوست"، في اشارة إلى القانون السابق ذكره "هذا القانون هو أساس كل المشاكل، لما يملكه من تأثيرات كبيرة على المصالح الإيرانية، وتحريرها في التعامل التجاري مع الدول الأوروبية".
تقبُّل الولايات المتحدة اللوم، وتعويض إيران
تطالب إيران الولايات المتحدة بتقبل اللوم على الخروج من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، (الاتفاق النووي الإيراني)، كما تناول المسؤولون الإيرانيون في حديثهم مع "عربي بوست" مسألة تعويض إيران عن الخسائر التي تكبدتها جراء خروج إدارة ترامب من الصفقة النووية، في مايو/أيار 2018، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران.
يقول دبلوماسي إيراني ومشارك في المفاوضات النووية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والمقرر استئنافها في يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، لـ"عربي بوست"، "لا بد أن تتقبل واشنطن اللوم على خروجها من الاتفاق النووي، وأيضاً لا بد من موافقتها على تعويض إيران عن خسائر انتهاكها للصفقة، كما أن طهران ستطلب من الأطراف الأوروبية المتبقية في الاتفاق، إعلان مسؤوليتهم عما وصل إليه الاتفاق النووي"، جدير بالذكر أن الأطراف الأوروبية المتبقية في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 هما (المملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا).
ويضيف المصدر السابق قائلاً لـ"عربي بوست"، "تتمسك واشنطن بمسألة الامتثال الكامل المتبادل، وهذا أمر أصبح من الماضي الآن، المهم حالياً بالنسبة لطهران هو رفع العقوبات وتعويضها، واشنطن هي من خرجت من الاتفاق النووي وليست طهران، لذلك يجب أن تتحمل نتيجة أفعالها".
تجدر الإشارة هنا إلى أن مسألة التعويض الأمريكي لطهران عن الخسائر التي تكبدتها جراء انسحاب إدارة دونالد ترامب من الاتفاق، قد تم طرحها من قبل المسؤولين الإيرانيين المتشددين، وعلى رأسهم آية الله علي خامنئي، في وقت تفاوض إدارة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، مع الولايات المتحدة، ثم تم تجاهل الأمر، وعاد للظهور مرة أخرى، قبل أن تستأنف إدارة الرئيس الإيراني المحافظ، إبراهيم رئيسي، المفاوضات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة، في العاصمة النمساوية فيينا، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
الإصرار الإيراني على الضمانات الأمريكية
منذ تولي الأصوليين السلطة في إيران، الذين طرحوا مراراً وتكراراً على الولايات المتحدة، مسألة الحصول على ضمانات قانونية يتم إلحاقها بخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، تفيد بعدم انسحاب أي إدارة أمريكية مستقبلية من الصفقة النووية مع إيران، تم رفض الطلب من جانب إدارة جو بايدن، بحجة أنه لا يوجد أي ضمان قانوني لهذا الأمر.
ثم عادت طهران وخففت من مطالبها قليلاً، وطالبت إدارة بايدن بإقرار قانوني بعدم انسحابها من الصفقة النووية طوال فترة ولاية الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، وفي هذا الصدد يقول دبلوماسي إيراني مقرب من وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، لـ"عربي بوست"، "تجاهلت الإدارة الأمريكية طلب إيران بالحصول على ضمانات، لكن القيادة العليا في إيران تصر على هذا الطلب، ولن تكون هناك عودة لإحياء الاتفاق النووي إلا بعد تحقيق هذا الطلب".
كما أشار المصدر السابق بشكل ضمني، إلى أهمية التقدم الإيراني في تخصيب اليورانيوم، كورقة ضغط في الجولة المقبلة المرتقبة من المفاوضات النووية في فيينا، فيقول "يريد الأمريكان ضمان عدم ذهاب إيران إلى تصنيع سلاح نووي، ونحن نريد ضمان عدم خروجهم من الصفقة النووية، كلا الطرفين يريد الضمانات، لذلك ستذهب طهران إلى طاولة المفاوضات".
أزمة محتملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية
على جانب آخر متصل بالمفاوضات النووية الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، فمن المحتمل أن تتجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى مواجهة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا الأمر يتوقف على زيارة مدير الوكالة رافائيل جروسي إلى طهران خلال الأيام القليلة الماضية، بالتحديد في يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
كان قد أعرب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي، عن قلقه بشأن تقليص إيران وصول المفتشين الدوليين منذ الانسحاب الأمريكي من الصفقة النووية.
يقول مسؤول إيراني في المنظمة الذرية الإيرانية لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، لأنه غير مخول له الحديث لوسائل الإعلام "زيارة جروسي هذه المرة بشأن مصنع كرج الإيراني، الذي يتم فيه تصنيع أجهزة الطرد المركزي الحديثة، تريد الوكالة الوصول إلى كاميرات المصنع، التي منعهم المسؤولون الإيرانيون من رؤيتها في الآونة الأخيرة".
وبحسب المصدر ذاته يوجد في مصنع كرج حوالي أربع كاميرات خاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنه بعد الهجوم الذي تعرض له المصنع في يونيو/حزيران الماضي، تم تصنيع حوالي 180 جهاز طرد مركزي متقدم.
ستأتي زيارة رافائيل جروسي قبل اجتماع محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المقرر انعقاده في يومي 25 و26 نوفمبر/تشرين الثاني، أي قبل أيام قليلة من بدء استئناف المفاوضات النووية غير المباشرة بين واشنطن وطهران في فيينا يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
يقول مسؤول حكومي إيراني بارز "تنتظر إسرائيل أن يتم إدانة إيران في هذا الاجتماع، ليتم قلب كل الأوراق ضدنا، لكن هذا لن يحدث"، في إشارة إلى احتمالية إدانة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اجتماعها لإيران، بسبب عدم السماح لمفتشي الأمم المتحدة بزيارة منشآتها النووية.
وبحسب المسؤول الحكومي السابق، فإنه من المتوقع عقد صفقة ما بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتخطي مسألة إدانتها في الاجتماع المقبل، فيقول لـ"عربي بوست": "من المرجح أن يتوصل السيد جروسي مع المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية إلى اتفاق مرض للجميع، فإيران حريصة على عدم خروج المفاوضات عن مسارها الدبلوماسي، وعدم إعطاء ذريعة ضدها يستخدمها أعداؤها".
مخاوف من عدم إحياء الصفقة النووية
ينتظر الجميع داخل وخارج الجمهورية الإسلامية الإيرانية نتائج الجولة السابعة المقبلة من المفاوضات النووية غير المباشرة بين واشنطن وطهران، التي تهدف إلى إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، أو ما يعرف بالاتفاق النووي الإيراني.
لكن هناك مخاوف داخل إيران من أن يتسبب المتشددون الموجودون حالياً في السلطة في ضياع هذه الفرصة، التي يعتبرونها الأخيرة لإحياء الاتفاق النووي. دبلوماسي إيراني سابق، ومقرب من المعسكر الإصلاحي، يقول في حديثه لـ"عربي بوست"، "مطالب المتشددين لا تشير إلى أي مرونة دبلوماسية من أجل إحياء الاتفاق النووي، لقد أضاع بايدن فرصة التفاوض مع إدارة حسن روحاني المعتدلة. الأصوليون الذين هم في السلطة الآن، ويسيطرون على المفاوضات النووية، لا يتمتعون بالمرونة الكافية وسيصرون على مطالبهم رغبة منهم في عدم تقديم أي تنازلات".
يضيف المصدر السابق قائلاً "ترى إدارة إبراهيم رئيسي أن تقديم التنازلات أو إظهار بعض المرونة في المفاوضات سيظهرها بمظهر الإدارة الضعيفة، وهذا ما كانوا يتهمون به إدارة حسن روحاني، لذلك لا توجد آمال كبيرة ينتظرها المرء من المفاوضات القادمة".