لا تزال الأزمة السياسية بين المغرب والجزائر تلقي بظلالها على البلدين والمنطقة المغاربية ككل، على خلفية دعوة ممثل المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة إلى "حق تقرير المصير" لسكان منطقة القبائل في الجزائر.
ويبدو أن الدعوة المغربية جاءت بهدف ما يوصف بأنه "مناكفة سياسية" مع الجارة الجزائر التي تتهمها الرباط بدعم جبهة البوليساريو، إذ أن أزمة الصحراء المغربية هي أزمة دولية وصلت إلى الأمم المتحدة، بينما أزمة قبائل الجزائر تمثل أزمة محلية ليس لها صدى كبير مثل أزمة الصحراء.
وكشفت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" أن الجزائر تدرس خيارين للتصعيد تجاه المملكة رداً على هذه الدعوة غير المألوفة.
خفض التمثيل الدبلوماسي
ووفق المصدر ذاته، فإن الجزائر تدرس تخفيض علاقاتها مع الرباط إلى المستوى الأدنى، إذ لا تنوي إعادة سفيرها الذي استدعته مؤخراً للتشاور إلى المغرب.
كما تدرس خيار طرد السفير المغربي من الجزائر، لا سيما أن الرباط لم ترد لحدّ الساعة على التوضيحات التي طلبتها الجزائر بعد تصريحات الممثل الدائم المغربي لدى الأمم المتحدة أمام أعضاء حركة عدم الانحياز.
يذكر أن الممثلية الدبلوماسية المغربية بنيويورك كانت قد قامت مؤخراً بتوزيع وثيقة رسمية على جميع الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، لدعم حق تقرير مصير ما سمته "الشعب القبائلي" الذي -حسب المذكرة الواردة- يتعرض لـ "أطول احتلال أجنبي"، في إشارة إلى الجزائر.
وكانت الخارجية الجزائرية أصدرت بياناً شددت فيه على ضرورة "توضيح المملكة المغربية لموقفها النهائي من الوضع بالغ الخطورة الناجم عن التصريحات المرفوضة لسفيرها بنيويورك".
وأضاف البيان أنه "نظراً لغياب أي صدى إيجابي ومناسب من قِبل الجانب المغربي، تقرر استدعاء سفير الجزائر بالرباط، فوراً، للتشاور. كما لا يستبعد اتخاذ إجراءات أخرى، حسب التطور الذي تشهده هذه القضية".
وحسب مصادر مطلعة لـ"عربي بوست"، فإن "الإجراءات الأخرى" التي توعدت بها الخارجية الجزائرية هي طرد السفير المغربي من الجزائر إضافة إلى عدم إعادة سفيرها إلى الرباط.
المغرب تختار الصمت
على الجانب الآخر، اختارت الرباط تجاهل التصعيد الجزائري الأخير، وهو ما أظهره التفاعل المغربي حول الإجراءات الجزائرية.
وكشفت مصادر خاصة في الخارجية المغربية، لـ"عربي بوست"، أن الرباط "مشغولة بزيارة وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة إلى فرنسا".
وقام وزير الخارجية المغربية بزيارة إلى فرنسا امتدت 48 ساعة، يومي الإثنين والثلاثاء 19 و20 يوليو/تموز الجاري، أجرى فيها مباحثات من وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان.
هذا الموقف الرسمي المغربي انسحب على طريقة تعامل السلطات الحكومية المغربية مع تطورات الأزمة مع الجزائر، حيث اختفت أخبار هذا التصعيد بين البلدين من الإعلام العمومي، ومن الإعلام المقرب من الدولة.
سيناريوهات مغاربية
وأوضحت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أن المسؤولين في وزارة الخارجية المغربية وضعوا عدداً من السيناريوهات للتعاطي مع التصعيد الدبلوماسي الجزائري الأخير.
وأوضحت ذات المصادر أن السيناريو الأول يتمثل في مواصلة الرباط عدم الرد على الجزائر، والاستمرار في سياسة التهدئة وتجنب التصعيد، ومراعاة حسن الجوار.
أما السيناريو الثاني، بحسب المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، فيتمثل في اعتماد سياسة التعامل بالمثل، وهو أن العلاقات بين البلدين قد تعرف توتراً جديداً، وهو الأمر الذي تحاول الرباط عدم الانجرار إليه.
وأفادت بأن كلا السيناريوهين يحتاج لقرار سياسي لاعتماده، على اعتبار أن الموظفين الإداريين قد خلصوا إلى السيناريوهين بعد دراسة أثر كل واحد منهما على واقع الدولتين والشعبين وأثره على مستقبل العلاقات بينهما.
وتجنب المغرب الرد بالتصعيد مع الجزائر، بعد أربعة أيام من استدعاء الجزائر سفيرها بالرباط، يعني وفق ذات المصادر، أن الحكومة المغربية تراهن لحد الآن على عامل الزمن لامتصاص التوتر بين الجانبين.
المصادر المغربية كانت حريصة على التأكيد على أن موقف السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال، كان فقط رداً على وزير الخارجية الجزائرية رمطان العمامرة، الذي دعا إلى دعم جبهة البوليساريو (انفصالية)، من أجل حقها في الانفصال عن المغرب من عدمه.
أزمة أخرى تلوح في الأفق
نشرت وسائل إعلام عدّة بينها صحف "لوموند" و"الغارديان" و"واشنطن بوست" تقارير أشارت فيها إلى أن جهازاً أمنياً مغربياً استخدم برنامج "بيغاسوس" الذي طوّرته شركة "إن إس أو" الإسرائيلية، للتجسس على صحفيين وشخصيات عدة.
وقالت صحيفة لوموند الفرنسية، الثلاثاء 20 يوليو/تموز 2021، إن المغرب استهدف قرابة 6000 شخصية جزائرية ببرنامج التجسس "بيغاسوس".
ووفق المصدر ذاته، فإن من بين الشخصيات المستهدفة كان محيط قائد الأركان الجزائري السابق قايد صالح والقائد الحالي سعيد شنقريحة ومستشار الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وشقيقه السعيد بوتفليقة، إضافة إلى الوزير الأول الأسبق نور الدين بدوي، ووزير الخارجية الحالي رمطان لعمامرة والعديد من رجال السياسة والمال.
ومن المتوقع أن ترفع هذه التقارير من نسبة التوتر بين الجزائر والمغرب، لا سيما أن الشخصيات المستهدفة ببرنامج التجسس الإسرائيلي ثقيلة وتتقلد مناصب سامية في الدولة الجزائرية، حسب" لوموند".
في المقابل، نفت الحكومة المغربية التقارير الصحفية التي تحدثت عن استخدام أجهزتها الأمنية برنامج "بيغاسوس" الذي طورته شركة إسرائيلية للتجسس على صحفيين ونشطاء وعاملين في مؤسسات دولية.
وأبدت الحكومة المغربية الإثنين 19 يوليو/تموز 2021 استغرابها الشديد من ذكر صحف أجنبية ومنظمة للصحافة الاستقصائية أن المغرب قام باختراق أجهزة هواتف عدد من الشخصيات العامة الوطنية والأجنبية ومسؤولين في منظمات دولية، وذلك باستخدام برنامج طورته شركة تقنية إسرائيلية.
وأكدت الحكومة المغربية، في بيان، أنها "ترفض هذه الادعاءات الزائفة، وتندد بها جملة وتفصيلاً، وتؤكد عدم ارتكازها على أساس من الواقع، على غرار ما سبقها من ادعاءات مشابهة لمنظمة العفو الدولية بهذا الخصوص".