بعد اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة اللبنانية وفق المبادرة الفرنسية، يدخل لبنان في مرحلة جديدة، قد تكون وفقاً للعديد من المحللين، "مرحلة المجهول السياسي" وربما الأمني في ظل الانفلات السريع لسعر صرف الليرة مقابل الدولار بعد اعتذار الحريري.
إذ يخشى الكثيرون من تزايد حال الانهيار التي يعيشها لبنان سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً منذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين 2019.
والسؤال: ما الذي حدث في الساعات الأخيرة وتسبب في اعتذار الحريري؟ وما هي السيناريوهات البديلة للوضع السياسي الآن؟
كواليس ما جرى بين الحريري وعون
حول التفاصيل الأخيرة التي سبقت الاعتذار، فإن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وبعد أقل من 24 ساعة على تقديم تشكيلته الحكومية فور عودته من القاهرة، بادر إلى الاتصال بالقصر الجمهوري عند الساعة الثانية عشرة من ظهر الخميس، قائلاً لرئيس الجمهورية ميشال عون، إن المهلة التي طلبها لإعطاء جوابه حول التشكيلة قد انتهت.
كان رد عون أنه لا يعطي جواباً عبر الهاتف، و"إذا أردت أن تحضر إلى القصر الجمهوري لنتناقش بالملاحظات التي سجلتها على التشكيلة، فأهلاً وسهلاً"، ليطلب الحريري الموعد ويحضر عند الساعة الرابعة عصراً.
ووفقاً لمصادر مقربة من الحريري لـ"عربي بوست"، فإن عون قال للحريري فور وصوله إنه ليس راضياً بسحب الحريري وزارتي الداخلية والعدل منه، وقال للحريري: "الواضح أننا لن نتفق ولن نتوفق".
ووفقاً للمصدر، فإن الحريري حاول القول لعون إنه جاهز لإعطاء مهلة إضافية لمناقشة التشكيلة، إلا أن عون كان واضحاً أنه لا يعطى مواعيد ولا مهل، وهنا انتهى اللقاء بينهما وأعلن الحريري اعتذاره.
ووفقاً للمصادر فإن الحريري وبعد خروجه من القصر الجمهوري، بادر بالاتصال برئيس البرلمان نبيه بري، وأبلغه أنّ اللقاء مع عون كان سيئاً جداً، وأنه سيفتح النار عليه مساءً في مقابلته التلفزيونية وسيكشف كل شيء جرى معه للرأي العام.
وبحسب المصادر، فإن بري أبلغه أنه وحزب الله يفضّلان اختيار بديل عنه يحظى بدعمه ورؤساء الحكومات السابقين، ويمتلك حيثية سياسية وقادر على الإمساك بخيوط اللعبة ويكون كذلك مقبولاً من كل الأطراف.
ماذا جرى في الساعات التي سبقت الاعتذار؟
تتحدث مصادر سياسية مطلعة على الملف الحكومي لـ"عربي بوست" أن الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، كان قد حسم خيار الاعتذار منذ فترة وأبلغه لرئيس البرلمان نبيه بري.
يأتي هذا في ظل اقتراب الانتخابات النيابية وحسم المملكة العربية السعودية خيارها بأنها لا تريد فتح أبوابها للحريري ولا تفضل بقاءه في الحكومة؛ لذا فإن الحريري أراد قبيل اعتذاره إبلاغ كل الدول التي أبدت استعدادها لدعمه أنه يود الاعتذار، وحصل ذلك بزيارات الأخير لأبوظبي وإسطنبول ومؤخراً إلى القاهرة.
ووفقاً للمصادر، فإن زيارته الأخيرة للقاهرة كانت منسقة بين الجانب المصري من جهة وبين الفرنسيين والسعوديين من جهة ثانية، والبيان الصادر عن الرئاسة المصرية لم يكن سوى محاولة تأمين شبكة أمان عربية للحريري عقب اعتذاره، لأن الجانب المصري لا يوافق على الموقف السعودي الحاد من الحريري ويفضل بقاءه في المشهد السياسي اللبناني.
ووفقاً للمصدر، فإن الحريري أبلغ أن القاهرة ستقود حراكاً عربياً ودولياً بالتنسيق مع قطر وفرنسا والولايات المتحدة للحد من انهيار لبنان، ووفقاً للمصدر فإن الجانب المصري أبلغ الحريري أن السعودية أكدت للقاهرة أنها تفضل تسمية شخصية جديدة لتشكيل الحكومة، وتقول إن مشكلتها مع السياسة الخارجية للبنان، وهناك رأي في المملكة أن لا مشكلة بمشاركة حزب الله في الحكومة.
وفور عودته من القاهرة، بادر الحريري للصعود لقصر بعبدا ولقاء عون وتسليمه الورقة الأخيرة، حيث أبلغ الحريري عون أنه يفضل الرد على التشكيلة خلال 24 ساعة.
وبحسب المصدر، فإن رئيس التيار الحر جبران باسيل حضر إلى القصر الجمهوري قبل ساعة من وصول الرئيس المكلف، يرافقه الوزير السابق للدفاع إلياس بو صعب، أثناء وجود الحريري في قصر بعبدا، وهما شاركا في الاجتماع التقييمي الذي ترأسه عون، وشارك فيه أيضاً كل من المستشار سليم جريصاتي والمستشار أنطوان شقير بعد مغادرة الحريري، ووضعوا ملاحظاتهم على التشكيلة التي قدمها الحريري وأجمعوا على رفضها، خاصة أن الداخلية والعدل أعيدت لحوزة الحريري.
ووفقاً لمطلعين، فإن حزب الله حاول مساء الأربعاء وحتى صباح الخميس عبر المعاون السياسي لأمينه العام الحاج حسين الخليل الضغط باتجاه عدم اعتذار الحريري، والطلب من رئيس الجمهورية التعاطي بإيجابية مع تشكيلة الحريري الأخيرة، إلا أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أجاب الخليل بأن الحريري قدم هذه التشكيلة لكي ترفض وأنها غير قابلة للنقاش.
دبلوماسياً، وقبيل ساعات على زيارة الحريري الأخيرة للقصر الجمهوري، كانت السفيرتان الأمريكية والفرنسية تسلمان رئيس الجمهورية ميشال عون رسالة مشتركة من وزيري خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، أنتوني بلينكن، وجان ايف لودريان، اللذين اجتمعا في واشنطن أمس "أكّدا فيها اهتمام بلديهما بالوضع اللبناني وبضرورة تشكيل حكومة جديدة لمواجهة الظروف الصعبة في لبنان".
ووفقاً لمصدر دبلوماسي مطلع، فإن السفيرتين أبلغتا عون أن الاتحاد الأوروبي خلص في اجتماعه الأخير، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، لإصدار قانون عقوبات مشترك سيطال المسؤولين عن الأزمة، بمن فيهم مقربون من عون.
ماذا تقول الأطراف الدولية؟
ذكر مصدر دبلوماسي أوروبي، في حديثه مع "عربي بوست"، أن اعتذار الحريري كان محسوماً منذ أيام، وهو أبلغ الفرنسيين والأمريكيين والمصريين والقطريين والأتراك القرار بالفعل، وأنه منذ إبلاغه لعواصم القرار بهذا القرار بدأت الاتصالات والمشاورات بين عواصم عربية وأوروبية للبحث في بدائل عن الحريري.
ويعتقد المصدر أن الموفد الفرنسي باتريك دوريل، والذي حط رحاله في بيروت منذ يومين، أتى للبحث في مرحلة ما بعد اعتذار الحريري.
الاعتذار نوقش أيضاً في الاجتماع الثلاثي الذي عقد في روما وجمع وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والسعودية، والذي أعقبه استدعاء السفير السعودي لدى لبنان إلى الرياض لإبلاغه بالتوجيهات الجديدة، ومن ثم زيارة سفيرتي الولايات المتحدة وفرنسا إلى الرياض للبحث في المرحلة المقبلة تحت العنوان الإنساني، ولكن بمضمون سياسي خالص، هو الحكومة المقبلة بلا سعد الحريري.
ويؤكد المصدر أن العديد من القوى السياسية بدأت النقاش الفعلي بأسماء بديلة، لكن المفاجئ أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أبلغ باتريك دوريل أنه يشجع الإتيان بالسفير نواف سلام لرئاسة الحكومة.
هذا الأمر يشكل صدمة؛ لأن حزب الله من المستحيل أن يقبل بهذا الطرح والحريري كذلك، ويعتقد المصدر أن هذا الطرح يشكل محاولة من باسيل لمغازلة الولايات المتحدة والسعودية بكون سلام يحظى بثقة الجانبين.
ما هي التشكيلة التي قدمها الحريري لعون؟
وحصل "عربي بوست"، من مصادر مقربة من تيار المستقبل، على التشكيلة الأخيرة التي قدمها الحريري لرئيس الجمهورية ميشال عون، وهي التالي:
سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء، وليد العاكوم للداخلية والبلديات، فراس الأبيض للصحة العامة، لبنى مسقاوي للعدل، ناصر ياسين للشؤون الاجتماعية، يوسف خليل المالية، إبراهيم شحرور للأشغال العامة والنقل، مايا كنعان وزارة العمل، عبد الله ناصر الدين وزارة التنمية الإدارية، جهاد مرتضى وزارة الثقافة، عباس الحلبي التربية والتعليم العالي، فؤاد حسن للمهجرين، فاديا كيوان الخارجية، فراس أبي ناصيف الاتصالات، لارا حنا الزراعة، سليم هاني للبيئة، وليد نصار السياحة، جو صدي نائباً لرئيس مجلس الوزراء، انطوان شديد للدفاع، سعادة الشامي للاقتصاد، كارول عياط الطاقة والمياه، فادي سماحة للصناعة، كارابيت سليخانيان الشباب والرياضة، وجو ميلا الإعلام.
سيناريوهات ما بعد الاعتذار
عقب اعتذار الحريري بات الحديث عن السيناريوهات المتوقعة للأزمة اللبنانية.
يقول المحلل السياسي ومدير مركز ريكود للدراسات ربيع دندشلي لـ"عربي بوست" إنه وبعد 9 أشهر تبين أن لا رغبة لدى عون وفريقه وصهره جبران باسيل بأن يشكل الحريري الحكومة، وأنها لو تشكلت لتمت عرقلتها وإفشالها.
ويعتقد دندشلي أن لبنان على الصعيد الحكومي أمام ثلاثة سيناريوهات:
الأول: حكومة لإدارة الانهيار وتنظيم الانتخابات البرلمانية وبدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وهنا يطرح اسم نجيب ميقاتي أو مصطفى أديب بغطاء دولي وعربي، تؤسس لمرحلة ما بعد الانتخابات القادمة والتي يعول الجميع عليها.
الثاني: حكومة ذات طابع سياسي لفريق رئيس الجمهورية والقوى المتحالفة معه. وهنا يسعى عون – وفق دندشلي – للإتيان بشخصيات كالنائب فؤاد مخزومي أو فيصل كرامي، وتهدف إلى المماطلة في اختلاق حلول حتى ظهور أفق للمفاوضات الجارية بين القوى الكبرى، كما أنها ستعمل على تأجيل الانتخابات البرلمانية بكونها تشكل هاجساً للفريق الحاكم.
الثالث: في حال تعذر الاتفاق على شخصية سياسية لرئاسة الحكومة، فإن الحل الأمثل للتيار الوطني الحر وحزب الله هو في استمرار حسان دياب ومعه المجلس الأعلى للدفاع بتسيير أمور البلاد حتى موعد الانتخابات صيف العام المقبل.
ويعتقد دندشلي أن المرحلة القادمة ستشهد مزيداً من الفوضى الأمنية والسياسية، تحديداً في مناطق ذات خاصرة رخوة كمدينة طرابلس والتي تشهد مزيداً من الأحداث نتيجة واقعها المعيشي المتأزم وغياب الخطط الإنقاذية لها.
ويعتبر الدندشلي أن الخطاب المعتمد من اليوم سيكون خطاباً انتخابياً لشد العصب المذهبي والطائفي.