صدمة كبيرة داخل إيران ظهرت بعد الإعلان عن القائمة النهائية المعتمدة للمرشحين إلى انتخابات الرئاسة الإيرانية لعام 2021، من قِبل مجلس صيانة الدستور، وهو الهيئة المكلفة بفحص أوراق جميع المرشحين للانتخابات في إيران، سواء الرئاسية أو البرلمانية.
وضمت القائمة النهائية 7 أسماء فقط من أصل 40 شخصاً قدمواً أوراقهم إلى مجلس صيانة الدستور للترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 يونيو/حزيران المقبل.
وأثار استبعاد المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين من قبل مجلس صيانة الدستور، الذي يهيمن عليه المتشددون، استياء الكثيرين داخل إيران، في وقت يبدو فيه أن الأجواء تعد ليربح شخص واحد بعينه هذه الانتخابات.
استبعاد المرشح المعتدل علي لاريجاني
كان السياسي المعتدل المخضرم علي لاريجاني قد سجل اسمه لدى وزارة الداخلية، للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، لكنه فوجئ برفض مجلس صيانة الدستور لأهليته، وهو الشخص الذي كانت تدور التوقعات حوله بأنه سيصبح المنافس الأساسي للمرشح المحافظ ورئيس السلطة القضائية حجة الإسلام، إبراهيم رئيسي.
خدم لاريجاني كرئيس للبرلمان الإيراني لمدة 12 عاماً، ليصبح أول رئيس لمجلس الشورى الإسلامي في تاريخ الجمهورية الإسلامية، ويعمل حالياً مستشاراً للمرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي.
وبعد قرار استبعاده، أصدر علي لاريجاني بياناً مقتضباً، قال فيه إنه كان مصمماً على خوض الانتخابات وخدمة الشعب الإيراني، لكنه رضخ للأمر الواقع.
وعلم "عربي بوست" من مصدر مقرب من علي لاريجاني، أن الأخير حاول التواصل مع مجلس صيانة الدستور، لمعرفة سبب استبعاده، لكنه لم يتلق إجابة واضحة، فيما أخبره البعض أن سبب الاستبعاد هو أن "ابنته فاطمة تدرس الطب في إحدى الجامعات بالولايات المتحدة".
وبحسب المصدر ذاته، لم يقتنع لاريجاني بأسباب عدم الموافقة على أهليته للترشح للانتخابات الرئاسية، لكنه قرر في النهاية الاستسلام للأمر الواقع والقبول بقرار المجلس.
قال المصدر لـ"عربي بوست" إنهم حاولوا إقناع لاريجاني بمواصلة السعي وراء معرفة أسباب رفض ترشحه الحقيقية، خاصة أنه سياسي بارز وتاريخه وسجله السياسي معروف للجميع، لكنه قرر في النهاية الرضا بالأمر الواقع، وعدم مناقشة الأمر مجدداً مع أي من المسؤولين.
روحاني يرسل رسالة إلى خامنئي
بعد تأكيد الأسماء الواردة في القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة، والتأكد من استبعاد كافة المرشحين الإصلاحيين البارزين، بجانب استبعاد علي لاريجاني، انتشرت أخبار تفيد بإرسال الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني رسالة إلى المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، للنظر في هذا الأمر.
حينها، صرح المتحدث باسم الحكومة، علي ربيعي، بأنه ليس لديه علم بشأن هذه الرسالة، ولكن حسن روحاني أكد يوم الأربعاء 26 مايو/أيار في اجتماعه بمجلس الوزراء، أنه "أرسل الرسالة للقائد الأعلى لطلب مساعدته".
لم تنشر تفاصيل الرسالة، ولكن مصدر حكومي مقرب من حسن روحاني علق لـ "عربي بوست"، على أمر الرسالة، قائلاً: "طلب الرئيس روحاني، من السيد خامنئي، ضرورة التدخل لإنقاذ الموقف، وإصدار مرسوم حكومي بإعادة لاريجاني إلى السباق الانتخابي، محذراً من انخفاض نسبة التصويت، إذا ظلت الأمور كما هي".
يذكر أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لا يتدخل عامة في أمور الانتخابات، لكن سبق أن تدخل في السنوات الماضية بشكل ملحوظ، وأصدر مرسوماً حكومياً أعاد بعض المرشحين المستبعدين إلى السباق الانتخابي، منهم مصطفى معين المرشح عن التيار الإصلاحي، في انتخابات عام 2004.
حتى إن المرشح الرئاسي الحالي، وهو المرشح الإصلاحي الوحيد ضمن القائمة النهائية التي ضمت سبعة أشخاص فقط، محسن مهر علي زاده، كان قد تم استبعاده من الانتخابات الرئاسية لعام 2004، وتدخل آية الله علي خامنئي، لإعادته إلى المنافسة الرئاسية، بمرسوم خاص.
صدمة داخل أوساط المحافظين
كانت عمليات الاستبعاد هذه المرة قاسية وغير مسبوقة، في القائمة التي تضم 7 شخصيات سياسية، جميعهم من المحافظين، باستثناء مرشح إصلاحي واحد وهو مهر علي زاده، وآخر مستقل هو عبدالناصر همتي، محافظ البنك المركزي الإيراني.
لا يوجد في هذه القائمة أحد سوى إبراهيم رئيسي، الذي يعتبر شخصية لها وزن كبير في السياسة الإيرانية، مما جعل الأمر يبدو وكأن رئيسي سينافس ذاته في الانتخابات.
لذلك، عارضت شخصيات مهمة داخل المعسكر المحافظ، قرار مجلس صيانة الدستور، فعلق صادق لاريجاني، رئيس الهيئة القضائية سابقاً، وأحد أعضاء مجلس صيانة الدستور حالياً، والشقيق الأصغر للمرشح المستبعد علي لاريجاني، متهماً مجلس صيانة الدستور بتعمد استبعاد العديد من الشخصيات البارزة.
وعلى حسابه الشخصي على تويتر، غرد قائلاً إن قرار مجلس صيانة الدستور غير مبرر"، كما اتهم "منظمات أمنية"، دون تسميتها، بالتدخل في عمليات استبعاد العديد من المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية.
صحفي إيراني محسوب على التيار المحافظ، ويعمل في إحدى وكالات الأخبار المحسوبة على الحرس الثوري، تحدث لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، قائلاً: "لقد أصبنا بالصدمة، لم يكن متوقعاً أن يتم استبعاد لاريجاني، فالرجل مقرب من السلطة، ومقرب من خامنئي شخصياً، كنا نتوقع استبعاد شخصيات إصلاحية، لكن الأمر وصل إلى استبعاد كل من له وزن سياسي، وكل من يمتلك نسبة كبيرة من منافسة إبراهيم رئيسي".
إبراهيم رئيسي نفسه ظهر أمام مجموعة من الصحفيين، وأعلن أنه مستاء من استبعاد مجلس صيانة الدستور للعديد من الشخصيات، وقال إنه سيتواصل مع المسؤولين في صيانة الدستور، في محاولة لتعديل القائمة، وتمرير أوراق عدد من الشخصيات.
مصدر مقرب من إبراهيم رئيسي قال لـ "عربي بوست" إن رئيسي بالفعل يحاول منذ يومين التواصل مع السيد أحمد جنتي، في محاولة لتعديل قرار المجلس، مشيراً إلى أن رئيسي نفسه مصمم على أن تكون الانتخابات تنافسية، ولن يقبل أن يقال عنه إنه ينافس نفسه في هذه الانتخابات المهمة، "فهو يؤمن بأن تنوع المرشحين والتنافس بينهم سيكون مربحاً للشعب الإيراني"، على حد تعبيره.
الضغط يزداد على خامنئي للتدخل
بالنظر إلى الرفض المتزايد من قبل التيارين المحافظ والإصلاحي لقائمة المرشحين الذي أعلن عنها مجلس صيانة الدستور، يتوقع العديد داخل إيران أن يتدخل المرشد الأعلى لإعادة مرشح أو اثنين إلى السباق الانتخابي.
سياسي إصلاحي بارز تحدث لـ"عربي بوست"، قائلاً: "إذا استمر الوضع الحالي، فلا تنتظر الحكومة إقبال الناخبين إطلاقاً، استبعاد المرشحين بهذه الطريقة يعني نهاية الحياة السياسية في إيران".
يتوقع السياسي الإصلاحي أن يتدخل المرشد الأعلى كما فعل سابقاً في انتخابات عام 2005، يسمح باعادة مرشحين اثنين من التيار الإصلاحي، فيقول: "نتوقع أن يتدخل السيد خامنئي في اللحظات الأخيرة، ومن المتوقع إن تدخّل وأصدر مرسوماً حكومياً أن يعيد علي لاريجاني المعتدل، ونائب الرئيس الأول الإصلاحي، إسحاق جهانغيري".
لن تبدأ الحملات الانتخابية قبل يوم 28 مايو/أيار الجاري، مما يعطي أملاً في تدخل المرشد الأعلى علي خامنئي، لإنقاذ الموقف، والسماح لعدد من المرشحين بمنافسة إبراهيم رئيسي.