رغم التطور الإيجابي والملحوظ في العلاقات الدبلوماسية بين الدولة الليبية المتمثلة في حكومة الوحدة الوطنية ومجلسها الرئاسي بالعاصمة طرابلس وبين رئاسة الحكومة المصرية، فإن ليبيا تشهد تحركات وصفت بأنها مثيرة للجدل بطلها السفير المصري الجديد.
يأتي هذا في وقت تحاول فيه القاهرة جمع الليبيين على طاولة واحدة منذ بداية العام، ولم شمل الفرقاء مدعومة بعلاقات تاريخية جعلت منها تتعامل مع الأزمة الليبية من منطلق أنها تدخل فى نطاق الأمن القومي المصري، بحسب بيان الرئيس عبدالفتاح السيسي.
لكن تحركات السفير المصري الأخيرة في أعقاب تسلم مهامه منذ أسابيع قليلة، لا تحوز إعجاب وقبول الطرفين المتناحرين في ليبيا، خليفة حفتر وعقيلة صالح في الشرق، والمجلس الرئاسي في الغرب.
التحركات في مصراتة
أقدم السفير المصري الجديد في ليبيا، محمد ثروت سليم، على خطوة غير مسبوقة تمثلت في زيارته مدينة مصراتة (200 كم شرق العاصمة طرابلس)، حيث التقى مجموعة من رجال الأعمال والمستثمرين ومسؤولين في مصنع الحديد والصلب وغرفة التجارة والصناعة ومحطة مصراتة البحرية وبعض الشخصيات السياسية على رأسهم وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا والنائب الأول لرئيس المجلس الرئاسي السابق أحمد معيتيق.
ووعد السفير المصري خلال اللقاء بأن هناك إجراءات ملموسة في القريب العاجل في ليبيا بشأن دخول الليبيين إلى الأراضي المصرية، مؤكداً أهمية زيادة التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين وعودة السفارة للعمل بكامل طاقهما خلال أيام قليلة.
وأشار سليم إلى أن مدينة مصراتة تشهد تطوراً عمرانياً لا سيما داخل المدينة خاصة مع وجود قطاع خاص فاعل قوي مثل الذي رآه في مصراتة تحديداً، متمنياً أن تزداد العلاقات التعاونية بين الجانبين.
تقارب لا يعجب حفتر وعقيلة
وذكرت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" أن هذه الزيارة جاءت لسعي السفير المصري إلى خلق تقارب بين مدينة مصراتة والحكومة المصرية، وإيصال رسالة مفادها أن مصراتة مدينة مدنية لا تدعم الإرهاب.
هذه الرسالة تتعارض مع ما يحاول خليفة حفتر وعقيلة صالح فرضه وعدم حدوثه، وتتعارض مع رؤية حفتر للمدينة التي يعتبرها أحد منابع الإرهاب في ليبيا.
وهذا ما تفسره تصريحات الناطق باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، يوم 17 مايو/أيار 2021، بقوله إنهم يستعدون لاحتفالات عسكرية ضخمة بالذكرى السابعة لثورة لما يسمى بـ"ثورة الكرامة"، مشيراً أن الجيش الليبي مجهز ويعيد هيكلته و"يفتح عينه على الإرهاب من أجل محاربته".
وقال إن "الجيش ساكت حالياً من أجل تحقيق اللجان المختصة مساعيها من خلال الحل السياسي"، على حد تعبيره.
وأضاف أن القيادة العامة تطالب المجتمع الدولي بتنفيذ الانتخابات في نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل من أجل مساعدة المواطن الليبي ليختار رئيسه من خلال عمل كل الجهات الرقابية. وهو تصريح يصفه البعض بأنه محاولة لإرباك المشهد في البلاد.
وأضاف أنه لا سيادة مع وجود مستعمر في ظل وجود قيادة بحرية وجوية من جانب تركيا، وهذا أمر أقرته الأمم المتحدة وبالتأكيد لها أدوات لمحاربة ذلك، مؤكداً أن القوات المسلحة لديها استعداد دائم، متمنياً وقف إطلاق النار من أجل إجراء الانتخابات، ومحملاً المجتمع الدولي تأخر خروج الجانب التركي من ليبيا.
وترى مصادر مطلعة قريبة من حفتر أن هذه التصريحات جاءت "لتنبيه المصريين أن تقاربهم مع مدن الغرب الليبي غير مرغوب فيها من قبل حفتر ومن معه".
لماذا أجلت وزيرة الخارجية الليبية لقاء السفير المصري؟
لم يكن ذهاب السفير المصري لمصراتة هو الواقعة الوحيدة المثيرة للجدل، إذ إن لقاءات السفير لم تشمل أهم شخصية يفترض لمن في منصبه مقابلتها وهي وزيرة الخارجية بالحكومة الليبية، نجلاء المنقوش، بحكم أن أعمال السفارات تتم عبر وزارة الخارجية.
فقد أكد مصدر دبلوماسي بحكومة الوحدة الوطنية أن وزيرة الخارجية أجلت مقابلة حدد موعدها في 6 مايو/أيار 2021 مع السفير المصري محمد ثروت، لأجل غير مسمى، وهي المقابلة التي كان قد طلبها السفير فور وصوله لطرابلس.
وقال المصدر لـ"عربي بوست" إن التأجيل كان بناء على طلب من رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح وخليفة حفتر اللذين لا يرغبان في توثيق العلاقة بين الرئاسة المصرية وحكومة الوحدة الوطنية، وألا يكون لمصر مدخلاً في ليبيا إلا عن طريقهما.
وأضاف المصدر أن زيارة مرتقبة من قبل المنقوش للقاهرة ستتزامن مع وجود عقيلة صالح قد تكون نهاية هذا الشهر، موضحاً أن السفير قام ببعض اللقاءات التي ليس منها جدوى كلقاء وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية وليد عمار اللافي، الذي كان متهماً من قبل القاهرة بدعم الإرهاب.
وهي زيارة في نظر المصدر الدبلوماسي، تأتي كردة فعل من قبل ثروت على تأجيل موعد لقائه بالوزيرة، متسائلاً ما هو موقف الرئاسة المصرية من هذا اللقاء؟ لأنه ينبئ عن تناقض وتخبط لدى الدبلوماسية المصرية.
كما قام ثروت بزيارة وزيرة العدل بحكومة الوحدة الوطنية حليمة إبراهيم البوسيفي.
المجلس الرئاسي مستاء من تحركات السفير
ورغم أن هذه الزيارات كانت بعد مراسلة السفارة المصرية لوزارة الخارجية الليبية وأخذ الإذن منها، فإن المجلس الرئاسي هو الآخر لم يرد على طلب السفير لمقابلته فور وصول لطرابلس.
وأكدت مصادر لـ"عربي بوست" من داخل المجلس الرئاسي، أن المجلس منزعج من تحركات السفير في ليبيا، وخصوصاً لقاءه بعض الشخصيات السياسية في مصراتة مثل وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا والنائب في المجلس الرئاسي السابق أحمد معيتيق.
وأوضح أن المقابلة قد لا تتم إذا ما اعتبر المجلس الرئاسي أن هذا اللقاء هو لمجرد إثبات دور ما لمصر وأنها تتمتع بعلاقات واسعة في الغرب الليبي.
ووفق كل هذه المعطيات يبقى دور مصر الإيجابي إذا ما أرادت ذلك مرهوناً بتعاون وزيرة الخارجية وعدم تعاطيها مع توجهات حفتر وعقيلة صالح التي من الواضح أنها تصب في اتجاه رفض التقارب المصري مع الغرب الليبي.
كما أنها ستكون مرهونة بجدية وإرادة رئاسة حكومة الوحدة الوطنية وتغلبها على أي عراقيل قد يضعها حفتر وعقيلة من خلال نجاح دبلوماسيتها في ذلك.