منذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة التي انتهت ليلة الخميس 20 مايو/أيار بعد تثبيت الهدنة بين فصائل المقاومة وإسرائيل، بدا واضحاً وجود حالة من التضخيم الإعلامي من قبل وسائل الإعلام المصرية حول دور مصر الإغاثي الذي تقوده القاهرة في هذه الجولة من الحرب على غزة.
فقد ادعت وسائل إعلام مصرية أن القيادة المصرية أمرت الجهات المعنية في الدولة بتوفير كل الاحتياجات الإغاثية التي يحتاجها قطاع غزة في هذه الحرب، علاوة على تقديم الرئيس المصري عبدالفتاح السياسي مبادرة لتوفير 500 مليون دولار للمساهمة في إعادة إعمار غزة.
لكن مصادر خاصة في قطاع غزة كشفت لـ"عربي بوست" حقيقة المساهمة المصرية في إغاثة القطاع واستقبال المصابين.
نفي حكومي
نفت أوساط فلسطينية في غزة لـ"عربي بوست" حقيقة ادعاءات وسائل الإعلام المصرية، مؤكدة أن ما دخل قطاع غزة هي بعض الشاحنات التي حملت مساعدات غذائية وبعض المساعدات الطبية فقط، لكنها "ليست بالحجم الذي أعلنت عنه مصر في وسائل الإعلام".
من جانبه، أكد سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أنه جرى تنسيق بين مصر ووزارة الصحة لسفر 11 جريحاً فلسطينياً فقط لتقديم خدمة العلاج لهم في المستشفيات المصرية، دون أن تستقبل الجهات الحكومية الفلسطينية أي سيارات إسعاف مصرية دخلت القطاع.
لم تكن هناك آلية محددة لاختيار الجرحى الفلسطينيين الذين يتم معالجتهم، سواء من الجانب الفلسطيني أو المصري، لكنهم تركزوا من الجرحى في الجزء الجنوبي من قطاع غزة، خاصة مدينتي خانيونس ورفح، القريبتين من معبر رفح، أما باقي الجرحى من مدن غزة الشمالية فقد تكفلت المشافي المحلية بعلاجهم.
ولم يعرف بعد ما إذا كانت مصر قد وافقت على جرحى بعينهم أو رفضت آخرين، لكن الجرحى الـ11 بالعموم من المواطنين العاديين، وليس من المقاومين المسلحين، الذين وجدوا خطورة على أنفسهم من مغادرة غزة في أوقات الحرب.
كما أن عدد الجرحى القليل الذين استقبلتهم مصر قد يعود إلى قدرة وزارة الصحة على تقديم العلاج لهم في مشافيها المحلية، دون الحاجة لعلاجهم في المشافي المصرية.
لا توجد "قوافل" مساعدات
أما ما يتردد عن قوافل المساعدات التي يتم الإعلان عنها من قبل وسائل الإعلام المصرية، فأشار معروف إلى أنها لم تدخل القطاع حتى هذه اللحظة.
وأضاف لـ"عربي بوست" أن طبيباً مصرياً واحداً فقط دخل قطاع غزة، "رغم أننا تلقينا تأكيدات بأن الكثير من الأطباء المصريين أبدوا استعدادهم للوصول إلى قطاع غزة لمساعدة الطواقم الطبية الفلسطينية في علاج المصابين، وكان جزء منهم قد وصل القاهرة، وجزء آخر يجري ترتيبات لدخول غزة عبر معبر رفح من خلال التنسيق مع السلطات المصرية".
وأكد أن ما استقبلته الوزارات والجهات الحكومية في غزة من مواد ومساعدات هي فقط ما استطاعت بعض المؤسسات الأهلية والأجنبية أن تشتريه وتوفره من المخزون التجاري في غزة، نظراً لأن مستودعات وزارة الصحة شبه خالية، كون الإجراء المعمول به منذ سنوات لدى الجهات الحكومية هو عدم تخزين أي مواد أو أجهزة أو أدوية طبية، كونها باتت في دائرة الاستهداف الإسرائيلي.
إغلاق معبر رفح
رغم التضخيم المصري لموضوع المساعدات الطبية المقدمة إلى غزة، لكن الشواهد على الأرض عكس ذلك، فمعبر رفح الواصل بين قطاع غزة ومصر لا يعمل بشكل كامل منذ بدء الحرب، ومن يسافر على المعبر هم أصحاب التنسيقات الخاصة التي تجري مع المخابرات المصرية.
عبداللطيف الحاج مدير عام المستشفيات في قطاع غزة قال لـ"عربي بوست" إن معبر رفح لا يعمل بشكل اعتيادي في هذه الحرب، ورغم أنه لا يزال مفتوحاً بشكل جزئي لمرور من طرف واحد للمواطنين الذين يودون مغادرة القطاع بأعداد محدودة، ولكن على الصعيد الإنساني لم يصل أي وفود من أطباء أو قوافل إغاثية تم الإعلان عنها في وسائل الإعلام، وما تم إدخاله حتى الآن شاحنات لبعض الأغذية والأدوية والمستهلكات الطبية.
وكشف أنه تم التواصل مع المؤسسات الإغاثية ذات العلاقة بموضوع المساعدات الطبية، ولكن التواصل مع الدول هو مسؤولية ملقاة على عاتق السلطة الفلسطينية، كما تم التواصل مع مؤسسات وجمعيات مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسف والصليب الأحمر وبعض الصناديق العربية والمؤسسات الخيرية الموجودة في تركيا، ولكن لم نتواصل مع حكومات، لأنها تحتاج إلى جانب رسمي.
منظومة صحية متهالكة
يعاني القطاع الصحي في غزة من أزمة متفاقمة جراء حالة الاستنزاف الكبيرة التي تعاني الطواقم الطبية، من حيث التعامل مع أعداد الإصابات التي تجاوز 1700 حالة خلال الأيام الأخيرة.
وكانت وزارة الصحة في غزة قد أطلقت نداء عاجلاً لتوفير 46 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الصحية الطارئة في القطاع، وهي تشمل وفق بيان الوزارة أدوية ومستهلكات طبية وأجهزة عمليات وعناية مركزة وأشعة تشخيصية وأدوات جراحية ومختبرات وغيرها من الاحتياجات العاجلة لضمان استمرار تقديم الخدمات الصحية.
أدهم أبوسلمية الناشط في مؤسسة الخير الخيرية للإغاثة قال لـ"عربي بوست" إننا ننظر بقلق إلى عدم إيفاء الكثير من الدول بمسؤولياتها المنوطة بها لإنقاذ قطاع غزة من هذه الحرب، لذلك قررنا أن نتحمل هذه المسؤولية من خلال القيام بسلسلة فعاليات على أمل أن تساهم في التخفيف من معاناة المواطنين وهي تقديم مساعدات غذائية ووجبات طعام للأسر المشردة، وتوفير مساعدات نقدية كبدل إيجار للبيوت التي تم تدميرها.
وأضاف: "كما قمنا بدعم قطاع الصحة من خلال توفير 4 سيارات إسعاف تم تجهيزها بشكل طارئ من إمكانيات ذاتية بتكلفة 60 ألف دولار لكل سيارة، إضافة إلى توفير وقود السولار لمواتير توليد الكهرباء الخاصة في المستشفيات، كما تبرعنا بوضع مشفى الخير الخاص بالجمعية تحت تصرف وزارة الصحة آملاَ أن تساهم في تخفيف الضغط على المستشفيات".
لعل الأزمة الأكبر التي تواجه وزارة الصحة في هذه الحرب هي حالة الاستنزاف الكبير التي تعاني منها المستشفيات، فبالإضافة إلى أزمة الحصار، جاءت أزمة كورونا التي تفشت في قطاع غزة منذ أغسطس/آب 2020، لتزيد من حالة الاستنزاف الكبير لمرافق وزارة الصحة.
يضم قطاع غزة 32 مستشفى ومركزاً صحياً، 13 منها يتبع لوزارة الصحة وهي من تتولى مسؤولية توفير خدمة العلاج في أوقات الأزمات كالحروب، أما عدد الأسرة في القطاع فلا يتجاوز 3 آلاف سرير تخدم 2.2 مليون مواطن نسبة إشغالها في الوضع الطبيعي 95%، أما غرف العمليات المركزية فوصل عددها إلى 63 غرفة، كما يضم القطاع آلفي طبيب، ونحو 3 آلاف ممرض.
وعن الواقع الصحي داخل مرافق وزارة الصحة فيصل عجز أصناف الدواء الرئيسية إلى 47%، وعجز أخر بنسبة 33% في المستهلكات الطبية، و55% نسبة العجز من لوازم المختبرات وبنوك الدم.
عصام يوسف رئيس قوافل "أميال من الابتسامات" قال لـ"عربي بوست" إن "هنالك اجتهادات كبيرة تبذل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوضع الصحي الكارثي في غزة، نحن نجري تنسيقاَ مع وزارة الخارجية المصرية لتأميم الطلبات التي تم الإعلان عنها من قبل وزارة الصحة بغزة، سيتم توفيرها عبر شرائها المباشر من دولة مصر، ونأمل أن تجري الأمور بالشكل المناسب دون أي مضايقات أو شروط".