منذ أن بدأ التوتر في مدينة القدس قبل أكثر من شهر، كان موقف حركة فتح والموقف الرسمي الممثل بالسلطة الفلسطينية هو الأقل تفاعلاً ميدانياً وسياسياً مع الحراك الشعبي في المدينة المقدسة، ورغم انتقال التوتر من القدس إلى مناطق الاشتباك في قطاع غزة والداخل المحتل، فإن تحرك الضفة الغربية ميدانياً جاء متأخراً بعد أربعة أيام كاملة على الحرب الإسرائيلية على غزة.
السلطة الفلسطينية كانت في موضع الاتهام الشعبي والفصائلي بالتقاعس عن الأداء المطلوب للجم الاعتداءات على القدس وغزة، كما فشلت السلطة على الصعيد السياسي في الحصول على موقف عربي من الجامعة العربية ومن مجلس الأمن لإدانة الاعتداءات الإسرائيلية.
وسط هذا التراجع الملحوظ، ظهرت بعض التساؤلات حول إمكانية أن تعود حركة فتح للعمل الميداني والعسكري في محاولة لإنقاذ صورتها أمام الرأي العام الفلسطيني.
تحميل الفشل للعرب
أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح الفريق جبريل الرجوب وجه هجوماً حاداً من لقاء بثه التلفزيون الرسمي الفلسطيني على الدول العربية، متهما إياها بتجاهل اتصالات الرئيس محمود عباس، قائلا: "ليش (لماذا) قاطعين عنا كل شيء، ومسكرين (مغلقين) تلفوناتكم؟ عليكم واجب وضريبة، هذه معركة إسلامية مسيحية تدافع عن كرامتكم (…) الشعب الفلسطيني في خط الدفاع الأول عن كرامتكم وبترولكم وأمنكم".
كما اتهم الرجوب في حديثه أطرافاً عربية، لم يسمها، بأنها مسؤولة عن فرض حصار سياسي ومالي على السلطة الفلسطينية، وأنها متواطئة مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لتكريس الانقسام الفلسطيني.
تيسير نصر الله عضو المجلس الثوري لحركة فتح قال لـ"عربي بوست" إن الدول التي قصدها الرجوب في حديثه هي دول الخليج المطبعة مع إسرائيل، وتحديداً الإمارات والدول التي تسير على نهجها، لأنها وضعت عراقيل لمنع عقد الاجتماع على مستوى قادة وزعماء الدول العربية، وتحويله إلى اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، كما قامت بعض الدول من وراء الكواليس بتقديم صيغة مختلفة لقرار تحميل إسرائيل مسؤوليتها عما يحدث في القدس.
وأضاف أننا "نسعى بكل السبل إلى السير في هذه المواجهة لتحقيق أهدافها، وقد صدر قرار من اللجنة المركزية لتفعيل كل نقاط الاشتباك في الضفة الغربية".
من الواضح أن الضغط السياسي والشعبي الذي تتعرض له السلطة بسبب موقفها السلبي والمتأخر من التوتر الجاري في القدس وغزة دفعها إلى تصدير هذا الفشل، وتحميله للدول العربية، فمستوى التحرك الميداني لحركة فتح في الضفة الغربية جاء متأخراً عن بقية المناطق مقارنة بحراك فلسطينيي الداخل والشتات.
أمام هذا الواقع تتصدر حماس الصورة الكاملة باعتبارها من تقود هذه الثورة في كل مناطق الاشتباك، وسط تراجع شعبي لحركة فتح التي تشهد تمرداً يتسع في قواعدها التنظيمية ترفض فيها السلوك السياسي والإعلامي، وحتى على مستوى الرد على الاعتداءات الإسرائيلية.
تقصير السلطة في تحمل مسؤولياتها
عبدالفتاح حمايل الوزير السابق في السلطة الفلسطينية وعضو المجلس الثوري لحركة فتح قال إن نقد الشارع لسلوك وموقف السلطة مما يجري الآن مشروع، فلا يعقل أن تكتفي السلطة بإدانة وتحميل إسرائيل مسؤوليتها عمل يجري من اعتداءات، وإذا كانت عاجزة عن مواجهة إسرائيل فعليها التحرك بالحد الأدنى مما هو متاح لديها من أوراق ضغط مثل التحلل والتنصل من الالتزام بكل الاتفاقيات السابقة، ورفض العمل بما نص عليه اتفاق أوسلو، لأنه لم يتبقّ منه سوى التنسيق الأمني.
وأضاف لـ"عربي بوست" أن قيادات السلطة خلقت فجوة بينها وبين الشارع الفلسطيني، فهي تعيش في واقع منعزل كلياً عن الهم الوطني، لذلك يجب تفعيل كل أدوات الضغط السياسي والميداني، والتحلي بالمسؤولية الوطنية، وعليها أن تعيد النظر وتجري تقييماً شاملاً لسياساتها، لتدارك خطورة المرحلة الحالية.
وتابع أن السلطة الفلسطينية تتعامل مع الحالة الفلسطينية وكأنها منحصرة فقط في مناطق سيطرتها في الضفة الغربية، فلم تقدم أي مساعدات طبية أو إغاثية إلى غزة والقدس، ومستوى التحرك الميداني في الضفة الغربية جاء متأخراً، ويعكس حالة التردد لدخول هذه المواجهة، رغم أن الضفة تمثل خزاناً من الثورة قد يساهم في زيادة المكاسب السياسية الفلسطينية بهذه الجولة من المواجهة، لذلك نحتاج لقيادات ترتقي لمستوى وتطلعات ما تتعرض له القضية الفلسطينية.
حماس وصعود شعبيتها
بدا لافتاً أن هتافات الجماهير الفلسطينية بالضفة الغربية معقل حركة فتح، ركزت على الإشادة بدور حماس في قيادة معركة الدفاع عن القدس، وتوجيه الشكر لمحمد الضيف قائد جناحها العسكري، باعتباره قائد هذه المعركة، وهي هتافات ألقت بظلالها على الأزمة التي صنعتها حركة فتح مع قواعدها التنظيمية بسبب إلقاء السلاح، وعدم استخدامه في هذه المواجهة، أسوة بحركة حماس.
وكان من ارتدادات هذه الأزمة بين قيادة فتح وقواعدها التنظيمية، تهديد بعض كوادر كتائب شهداء الأقصى التابعة للحركة بإعادة تنشيط الجهاز العسكري، مما يعكس وجود حالة تمرد على استمرار قيادتها بنهج خيار المقاومة الشعبية.
باسم زبيدي أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح قال لـ"عربي بوست" إن هناك ضرورة لإجراء مراجعة داخلية بالنسبة لحركة فتح، تبدأ بتقويم الإخفاقات في الفترات التي تشهد فيها المنطقة تصعيداً إسرائيلياً، لأن الاستمرار في ذات السياسة لم يؤدّ لنتائج جديدة على الأرض، مما يخلق حالة من الفجوة بين قيادات الحركة وأنصارها، وعليها أن تستدرك أن حماس تروج لمشروعها السياسي بأدوات المقاومة التي فقدتها فتح منذ حل كتائب شهداء الأقصى.
وأضاف أن المستوى القيادي لحركة فتح بناء على المواقف التي تصدر عنه في مثل هذه القضايا لا يرتقي ليحظى بشرعية تؤهله لقيادة الشعب الفلسطيني، وما تستمده قيادة السلطة من شرعية تأتي بمنطق القوة والإقصاء، واستخدام سياسة التهديد بقطع الرواتب.
خيار الكفاح المسلح
وتابع أن "عودة فتح لخيار الكفاح المسلح يبدو مستحيلاً، وغير قابل للتطبيق، نظراً لتعقيدات المشهد في الضفة الغربية، وتدخل إسرائيل المباشر لمنع حدوثه، عبر جلب قيادة جديدة تنسجم مع أهدافها ورؤيتها".
أعاد أبومازن هندسة حركة فتح منذ 2005 لتكون مرتبطة بثلاثة أركان: سياسياً عبر الولاء الشخصي له وإقصاء كل من يعارضه حتى من داخل التنظيم، واقتصادياً بربط الدخل المالي للكادر الفتحاوي بالولاء للحركة، وأمنياً بعدم المساس بالاحتلال، لذلك يجد الفتحاويون الضفة الغربية تردداً للتوجه للخيار العسكري.
نواف العامر الكاتب الصحفي من الضفة الغربية قال لـ"عربي بوست" إن المزاج الفتحاوي يحاول التحرر من القيود التي فرضتها السياسات السابقة للسلطة، خصوصاً بعد أن قدمت المقاومة في غزة نموذجاً مثالياً للمواجهة مع الاحتلال، كما أن فشل مشروع السلام مع إسرائيل قد يدفع بتوجه فتحاوي لإعادة النشاط العسكري في الضفة الغربية.