خلّف المرسوم الرئاسي الذي ينظم الانتخابات الفلسطينية، الذي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حراكاً سياسياً بعد فترة من الركود، خصوصاً بعد اتهام عباس بقطع الطريق أمام منافسه السياسي محمد دحلان بتعديلات في قوانين الانتخابات.
وتضمن المرسوم الرئاسي تعديلات على قوانين الانتخابات أبرزها منع كل شخص أُصدرت بحقه أحكام قضائية من خوض المنافسة الانتخابية، وهو الحال بالنسبة لمحمد دحلان، المحكوم قضائياً بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة اختلاس 16 مليون دولار.
الانتخابات الفلسطينية
حدد المرسوم الرئاسي موعد الانتخابات في 22 مايو/أيار 2021 لإجراء الانتخابات التشريعية، و31 يوليو/حزيران 2021 لإجراء الانتخابات الرئاسية، و31 أغسطس/آب 2021 لإجراء انتخابات المجلس الوطني، ما أثار تساؤلات كثيرة حول سبب توقيت إصدار هذا المرسوم، وحقيقة الضغوط التي مورست على الرئيس محمود عباس.
ماجد الفتياني، نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح قال لـ"عربي بوست" إن "مرسوم الرئيس عباس حول الانتخابات الفلسطينية يأتي استكمالاً لخطوات الحوار التي بدأتها حركة فتح مع باقي الفصائل الفلسطينية منذ منتصف العام الماضي، وبدأت بحوارات جبريل الرجوب وصالح العاروري، مروراً بالحوارات الثنائية مع الأخوة في حركة حماس في الداخل والخارج، وانتهت باجتماع الأمناء العامين للفصائل في بيروت".
ورغم حالة الارتياح التي عبرت عنها أوساط شعبية وسياسية فلسطينية بخطوة المرسوم الذي أعلن عنه عباس، فإن القلق يساور البعض من الخطوات التي سبقت إعلانه، ومنها إجراؤه لتعديلات جوهرية على قانوني السلطة القضائية والانتخابات العامة، لما تمثله هذه التعديلات من إقصاء محتمل لخصومه لخوض الانتخابات، تحديداً محمد دحلان، وتياره السياسي من المشاركة فيها.
وتمثلت تعديلات قانون السلطة القضائية، بانفراد عباس بتعيين رئيس المحكمة الإدارية ونائبه وقضاتها، إضافة لسيطرته على تعيين وإنهاء خدمة رئيس المحكمة العليا (محكمة النقض)، الموكلة بالبت في قضايا القبول ورفض المرشحين، والبت في الطعون الانتخابية، بما فيها قبولها أو نقضها.
تيار دحلان: سنشارك في الانتخابات
تعديل قانون الانتخابات رآه كثيرون موجهاً لإقصاء دحلان من خوض سباق انتخابات الرئاسة، ومنع تياره من خوض انتخابات المجلسين التشريعي والوطني.
وفي التفاصيل أقرّ التعديل في المادة 68 من قانون الانتخابات بعنوان (مصادر تمويل الحملة الانتخابية)، بحظر أي مرشح أو قائمة انتخابية من المشاركة في الانتخابات بعد ثبوت الحصول على أموال لحملته الانتخابية من أي مصدر أجنبي أو خارجي غير فلسطيني بشكل مباشر أو غير مباشر.
مقابل ذلك أقرت المادة 11 بإثبات المرشح للانتخابات شهادة عدم محكومية، أو خضوعه لحكم قضائي لم يُفعل، وهذا التعديل الجديد للمادة 39 لقانون الانتخابات رقم 1 لعام 2007، يحرم دحلان من المشاركة الانتخابية، لأن هناك حكماً قضائياً صادراً ضده من محكمة جرائم الفساد في سبتمبر/أيلول 2016 بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة اختلاس 16 مليون دولار.
عماد محسن، المتحدث الرسمي باسم تيار الإصلاح الديمقراطي الذي يقوده محمد دحلان، قال إن "ما أقره الرئيس محمود عباس من تعديلات على قانوني السلطة القضائية والانتخابات العامة محاولة لحرمان دحلان وتياره من خوض الانتخابات، وهذا أمر سيكون له تداعيات خطيرة، ويُمثل شكلاً من الانقلاب على الديمقراطية، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لنا، وسنعبر عن رفضه من خلال مجموعة خطوات، بينها إبلاغ الأمناء العامين للفصائل بما يسعى إليه الرئيس بزج خلافاته السياسية والشخصية مع دحلان في العملية الديمقراطية".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "تيار محمد دحلان عبّر عن موقفه الثابت منذ البداية في خوض الانتخابات في قائمة موحدة مع حركة فتح، وفي حال رفض الرئيس ذلك، سنخوض الانتخابات بقائمة تضم قيادات التيار والعمل الوطني، وتتكون من شخصيات ذات كفاءة وطنية ومهنية وشبابية، كي تكون على قدر التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية التي عصفت بها في السنوات الأخيرة".
وقال المتحدث الرسمي باسم تيار محمد دحلان: "إننا جزء من المشهد الفلسطيني، ولا يمكن لأي طرف أن يقصينا أو يحرمنا من خوض هذا المسار الديمقراطي، لذلك فإن تيارنا سيشارك في كل الانتخابات، بما فيها الرئاسية، بالصيغة التي يراها ملائمة مع متطلبات الحالة الراهنة".
قوة تيار دحلان
تشكل هذه الانتخابات الفلسطينية فرصة أمام تيار دحلان لإثبات نفسه في المشهد السياسي الفلسطيني، رغم محاولات عباس لإقصائه، إذ يقول التيار إن لديه قاعدة شعبية وتنظيمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويشرف على العديد من المشاريع التشغيلية والإنسانية، خصوصاً في غزة، وامتلاكه علاقات مع العديد من الأطراف الفلسطينية، وعلاقات مع لاعبين إقليميين كمصر والسعودية.
ويضم التيار الذي يقوده دحلان كتلة برلمانية من 14 نائباً انشقوا عن حركة فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذه النسبة قد ترتفع في الانتخابات القادمة في ظل حالة الرفض الشديد لسياسة محمود عباس، سواء باستمرار فرض العقوبات على غزة وضد معارضيه في الضفة.
توافق وطني
قد تكون الشروط التي وضعها عباس أمام دحلان ستحرمه من خوض الانتخابات الرئاسية، ولكن سيناريو دعم الخير لأحد قيادات اللجنة المركزية كمروان البرغوثي للمنافسة على منصب الرئاسة هو السيناريو الأقرب لحدوثه.
عبد الله عبد الله، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، قال إن "تعديلات الرئيس الأخيرة على قانوني السلطة القضائية والانتخابات، ليست موجهة ضد طرف ما، وإنما جاءت ضمن حالة توافق وطني مع باقي الفصائل لترتيب التحضيرات الجارية لإجراء الانتخابات الفلسطينية الشاملة خلال هذا العام".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "دحلان لم يعد يمتلك صفة تنظيمية في فتح، وفي حال رفضت لجنة الانتخابات القبول بترشحه للانتخابات فعلينا احترام قرار اللجنة والقضاء، ولا أحد يمتلك قوة فوق القانون، مهما كان اسمه ومركزه".
من جهته، يرى طلال عوكل، الكاتب والمحلل السياسي، أن "عباس قرر خوض الانتخابات الفلسطينية بعد إقصاء خصمه الأول في زعامة فتح وهو محمد دحلان، إذ أغلق أبواب المنافسة أمام مشاركته فيها، مما سيجعل من خوض دحلان للانتخابات مستحيلاً لوجود حكم قضائي بحقه، والحالة الوحيدة أمام ترشحه هو وجود حالة توافق وقرار دولي بإلغاء الحكم، وهذا السيناريو غير مستبعد، في حال ضغطت دول كالإمارات ومصر والسعودية على عباس".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "السيناريو الثاني هو دعم محمد دحلان لأحد المرشحين من قيادات اللجنة المركزية لحركة فتح للمنافسة على مقعد الرئاسة، خاصة مروان البرغوثي المعتقل داخل السجون الإسرائيلية، ما سيحدث زلزالاً سياسياً لعباس، كون البرغوثي يمتلك قاعدة جماهيرية هي الأكبر في حركة فتح، ومدعوم من قوى وفصائل أخرى كحركة حماس".