قبل نحو 27 عاماً، وتحديداً في عام 1993، أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية السودان على قوائم الدول الراعية للإرهاب، تخللتها سلسلة طويلة من العقوبات التي صدرت إما بأوامر تنفيذية رئاسية أو من خلال تشريعات الكونغرس.
العقوبات المفروضة على السودان منذ البداية
هذه العقوبات تسببت بإلحاق خسائر سياسيّة اقتصادية فادحة يقول المسؤولون السودانيون إنها فاقت 50 مليار دولار.
كيف بدأت المشاكل بين السودان وأمريكا، وما أسباب العقوبات التي تمّ فرضها على بلد النيلين؟
تخلّف عن سداد الديون وانقلابات عسكرية
أولى العقوبات الاقتصادية التي تعرضت لها السودان من قبل الولايات المتحدة كانت في عام 1988 أي قبل وضعها على قوائم الدول الراعية للارهاب بنحو 5 أعوام، والسبب كان تخلفها عن سداد الديون كانت قد بدأت باستدانتها منذ العام 1958 أي بعد إعلان استقلال البلاد عن الإدارة المصرية – البريطانية المشتركة.
وقدرت هذه الديون بأكثر من 200 مليون دولار، من بينها 25 مليون دولار كمساعداتٍ تنموية و50 مليون دولار لشراء منتجات زراعية و120 مليون دولار ضمن برنامج لشراء سلع غذائية وديون أخرى خلال فترة الجفاف التي ضربت دارفور وكردفان بين عامَي 1984 و1985.
تبعها عقوبات أخرى في العام 1989 بعد الانقلاب العسكري الذي حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية ونصِّب من خلاله عمر البشير رئيساً للبلاد، إضافة لانقلاب آخر قام به ضباط متقاعدون من القوات المسلحة السودانية من إجل الإطاحة بالبشير لكنه فشل.
وضع البلاد على قوائم الدول الراعية للإرهاب
وفي العام 1993 وُضعِت السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب وذلك بعد أن استضافت على أراضيها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في العام 1991، فتعرضت الحكومة السودانيّة لضغوط أمريكية كبيرة وعقوبات اقتصادية اضطرت بعدها إلى إيقاف استقبالها بن لادن، فانطلق إلى أفغانستان في العام 1996.
ورغم أن السودان استجابت للمطالب الأمريكية بإيقاف استقبال بن لادن من على أراضيها فإنها لم تحصل على رضاهم فتعرضت في العام التالي 1997 إلى عقوبات مالية وتجارية بقرار تنفيذي فرضه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.
فتم بموجب هذه العقوبات تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأمريكية له إضافة إلى إلزام الشركات الأمريكية والمواطنين بإيقاف أي تعاون أو استثمار مع هذا البلد الإفريقي.
الأمر وصل حتّى القصف الجوي
تفجير السفارتين الأمريكيتين في تنزانيا وكينيا
في 7 أغسطس/آب 1998 وتحديداً عند الساعة 10 صباحاً، تعرضت سفارتا الولايات المتحدة الأمريكية في كل من دار السلام (تنزانيا) ونيروبي (كينيا) لتفجيرات تزامنت مع الذكرى السنوية الثامنة لدخول القوات الأمريكية إلى السعودية من أجل قيادة عملية "عاصفة الصحراء" التي هدفت لإخراج القوات العراقية من الكويت.
وتسببت التفجيرات التي تزامنت في وقت واحد في مقتل 212 شخصاً في نيروبي، و11 شخصاً في دار السلام، وقد اتهم الرئيس الأمريكي حينها بيل كلينتون 22 شخصاً أتى في مقدمتهم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، ورد على التفجيرين بقصف أهداف محددة في السودان وأفغانستان.
واستهدفت الغارات التي تمت بصواريخ كروز عدداً من المرافق كانت تعتقد أنها تُستخدم من قِبل أتباع بن لادن.
وشمل القصف معسكرات تدريبية ومصنع أدوية في العاصمة الخرطوم مملوكاً لرجل أعمال سوداني كانت المخابرات تشك بأنه يستخدم في إنتاج مواد كيماوية، لكنها اعترفت فيما بعد بأنّ قصف المصنع تم بناء على معلومات خاطئة.
رغم التعاون والتنازلات.. العقوبات مستمرة
في العام 2000 بدأت السودان سعيها من أجل تحسين علاقاتها بالولايات المتحدة عن طريق فتح حوار ثنائي من أجل مكافحة الإرهاب، وقالت السفارة الأمريكية في الخرطوم حينها إنّ السودان يُبدي تعاوناً جاداً من أجل مكافحة الإرهاب الدولي.
وأثبتت السودان صحة نيتها عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول عندما أبرمت الخرطوم مع واشنطن اتفاق تعاون مشترك في محاربة الإرهاب في محاولة لتليين العلاقات وسعياً لإلغاء العقوبات المفروضة.
إلا أنّ العقوبات استمرت، وكانت هذه المرة عن طريق تشريعات أصدرها الكونغرس.
قانون السلام السوداني
في العام 2002 وقّع الرئيس الأمريكي جورج بوش على القانون الأحادي الذي أصدره الكونغرس بما يسمى "قانون السلام السوداني" برعاية توماس تانكريدو والذي يدين السودان بارتكاب إبادات جماعية خلال الحرب الأهلية السودانية الثانية وربط العقوبات الأمريكية على السودان بتقدم مفاوضاتهم مع الحركة الشعبية لتحرير السودان.
الحرب الأهلية السودانية الثانية
بدأت الحرب الأهلية السودانية الثانية بين الحكومة والحركة الشعبيّة لتحرير السودان في العام 1983 وانتهت في 2005، باقتسام السلطة والثروة بين رئيس الحكومة عمر البشير وقائد الحركة جون قرنق.
وتعرف بأنها أطول وأعنف حرب أهلية دارت في القرن الــ19، ودارت معظم أحداثها في السودان الجنوبي أو ما يعرف بمنطقة الحكم الذاتي وتسببت بمقتل ما يقرب من مليوني شخص ونزوح 4 ملايين آخرين.
أمّا أسبابها فتعود إلى إعلان الرئيس السوداني جعفر النميري إلغاء نظام الحكم الذاتي للجنوب.
وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بتوزيع نحو 100 مليون دولار من أجل مساعدة السكان في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السودانية، وذلك في الأعوام التالية إلى حين انتهاء الحرب في 2005.
انتهت الحرب الأهلية ولم تتوقف العقوبات
رغم انتهاء الحرب الأهلية السودانية الثانية بين الحكومة وحركة التحرير، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتوقف عن فرض عقوباتها على البلاد، حيث فرض الكونغرس عقوبات جديدة ضد من سمّتهم "الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب".
تبعتها عقوبات جديدة، ولكن هذه المرة من قِبَل الرئيس جورج بوش الذي قام بحظر ممتلكات لعدد من الشركات والأفراد السودانيين، شملت 133 شركة وثلاثة أفراد، تبعها بالقول إن سياسات حكومة السودان تهدد أمن وسلام وسياسة أمريكا، خاصة سياستها فيما يتعلق بمجال النفط.
أوباما يجدد العقوبات على السودان
قبل نهاية فترته الرئاسية الأولى قام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتجديد العقوبات المفروضة على السودان على الرغم من أنّ الحكومة السودانية أكدت أنها قامت بحل الخلاف الحاصل بينها وبين الجنوب.
وشملت العقوبات التي تم تجديدها، تجميد الأصول المالية السودانية وفرض حصار اقتصادي يلزم الشركات الأمريكية بعدم التعاون مع السودان.
بداية الانفراج
بدأت بوادر الانفراج على السودان في العام 2017 عندما أصدر الرئيس أوباما قراراً بتخفيف العقوبات المفروضة، وذلك قبل مغادرته البيت الأبيض بأسبوع بعد انتهاء فترة رئاسته الثانية.
وشمل هذا القرار السماح بتصدير أجهزة اتصالات هاتفية شخصية وبرمجيات تتيح للشعب السوداني الاتصال بالإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
وقال أوباما إن هذا التخفيف في العقوبات جاء نتيجة التقدم الذي أحرزته السودان ولكنها ستبقى على لائحة الدول الداعمة للإرهاب.
رفع العقوبات عن السودان 2020
في 19 من أكتوبر/تشرين الأول 2020 اشترط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الحكومة السودانية دفع نحو 335 مليون دولار كتعويضات مالية لضحايا تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا وأيضاً المدمرة " يو إس إس كول" التي تعرضت للتفجير في عام 2000 أمام الشواطئ اليمنية وتمّ اتهام السودان برعاية المنفذين الذين ينتمون إلى تنظيم القاعدة.
ولم تمضِ ساعات على هذا الشرط حتى نقلت صحيفة "السياسي" السودانية تصريحاً مقتضباً لوزيرة المالية هبة محمد، قالت فيه إنه "تم تحويل مبلغ تعويضات ضحايا المدمرة كول وتفجيرات سفارتي نيروبي ودار السلام إلى الحكومة الأمريكية".
فيما ذكرت صحيفة "الجماهير" (خاصة) أن رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك وجَّه بتحويل مبلغ التعويضات إلى الحكومة الأمريكية.