تسير الإمارات بخطوات حثيثة نحو تسويق قرار تطبيعها مع إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية نفسها وبشكل عملي اقتصادي. فقد ذكرت نائبة رئيس بلدية القدس المحتلة، أن الإماراتيين اتفقوا معها على إنشاء منطقة صناعية حديثة بالقدس، ظاهرها مساعدة الفلسطينيين لكن في باطنها توجد أهداف أكثر خطورة.
جاء هذا عقب زيارة نائبة بلدية القدس للإمارات العربية المتحدة، حيث اتفقت على إنشاء منطقة صناعية حديثة بحي وادي الجوز شرقي القدس، تشمل فنادق ذات تكنولوجيا فائقة، بدعوى مساعدة المقدسيين على توفير فرص عمل عالية الجودة لخريجي الكليات والجامعات الناطقة باللغة العربية، وربط إسرائيل بالإمارات وفلسطينيي القدس، مما يفسح المجال أمام الإمارات لمنافسة النفوذ التركي في المدينة المقدسة.
لكن هذه المنطقة ستسبب خسائر كبيرة للمقدسيين خصوصاً ما يتعلق بمئات المشاريع الصغيرة التي تمثل مصدر دخل أساسي لهم، خصوصًا وأن أغلبهم يرفض التطبيع الإماراتي.
فما هي طبيعة هذا المشروع المتفق عليه بين إسرائيل والإمارات في شرقي القدس؟ وما العوائد الاقتصادية للفلسطينيين منه، وموقف الفلسطينيين من تنفيذه؟ وهل يشكل الموضوع الاقتصادي مدخلاً لتخفيف معارضتهم للتطبيع الإماراتي الإسرائيلي؟
تفاصيل المشروع
يهدف هذا المشروع لتقليد منطقة "سيليكون فالي" التكنولوجية بمدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، ويقوم على مساحة قدرها 250 ألف متر مربع، ويشمل سلسلة من الفنادق القائمة على التكنولوجيا الفائقة، وتعيين شركات إماراتية مستثمرة في المشروع المذكور، تمهيداً لربط إسرائيل بالإمارات وسكان شرقي القدس من الفلسطينيين.
وفيما تبلغ تكلفة المشروع 2.1 مليار شيكل (606 ملايين دولار)، فإنه يعتبر جزءاً من خطة الحكومة الإسرائيلية الخمسية لـ"زيادة الثقة" بين المقدسيين وبلدية الاحتلال الإسرائيلي، وتعزيز المناهج الإسرائيلية كأداة للتعليم والتوظيف، رغم أن إقامة المشروع ستسبقه خسارة مئتي ورشة تصليح مركبات ومحل لمواد البناء ومطاعم شعبية، مما يضع علامات استفهام حول أهداف وغايات التورط الإماراتي في تمويل هذا المشروع، والانخراط فيه.
عقبات في وجه المشروع
خليل تفكجي، مسؤول الخرائط في بيت الشرق، وخبير الاستيطان بالقدس، قال لـ"عربي بوست" إن مشروع وادي السيليكون الجديد هذا تحولُ دون تنفيذه جملة من العقبات، أهمها الحاجة إلى مصادرة المزيد من أراضي المقدسيين، كما أنه يحتاج لسنوات عديدة لتنفيذه.
وأضاف أن الإجراءات البيروقراطية من بلدية الاحتلال معقدة، فالمنطقة المختارة عقارية، وكلها مبانٍ بملكية خاصة، ولن تهدف بالأساس لخدمة المقدسيين، باستثناء أن يكونوا كأيدٍ عاملة رخيصة، وفي مستويات وظيفية دنيا، لأن البلدية الإسرائيلية لا تضع بأجندتها خدمتهم، وليست معنية بتطوير شرقي القدس، ولذلك فإن كلام المسؤولة الإسرائيلية دعائي أكثر منه واقعياً.
وأضاف أن الإعلان عن المشروع هدفه بالأساس الترويج للتطبيع مع إسرائيل، "لن نستطيع التعامل مع إعلانات صحفية دون أن نرى معطيات مادية على الأرض"، على حد تعبيره.
وقال: "أهل القدس غير معنيين بهذا التطبيع مع إسرائيل لأسباب سياسية ووطنية بحتة، بدليل أنهم حتى اللحظة، ورغم كل الضغوط والإغراءات الإسرائيلية لا يشاركون في انتخابات بلدية القدس كل أربع سنوات، خشية إعطائها الشرعية التي تبحث عنها".
الجدير بالذكر أن هناك فروقات فلكية في الميزانيات التي ترصدها بلدية القدس بين شقيها الشرقي والغربي، على صعيد تطوير البِنى التحتية وبناء الوحدات السكنية والمرافق العامة، مما يعطي للمشروع أهدافاً سياسية تطبيعية أكثر من كونه تقديم خدمات لفلسطينيي القدس.
تحذيرات فلسطينية
يأتي تورط الإمارات في هذا المشروع رغم صدور مواقف فلسطينية سابقة، آخرها لحنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي اعتبرته خطوة خطيرة ومستفزة ضمن حملة إسرائيل لفرض مشروع "القدس الكبرى".
وحذرت عشراوي الشركات من المشاركة فيه، باعتباره جريمة حرب، يهدف لمواصلة تهويد القدس، وتشويه تراثها، وطمس معالمها، وهويتها العربية الفلسطينية، من خلال إخطار المقدسيين بإخلاء وهدم 200 منشأة تجارية وصناعية بالمنطقة الصناعية في حي وادي الجوز.
تورّط فلسطيني
جمال عمرو، أستاذ الدراسات الإسرائيلية، والباحث في شؤون القدس، قال لـ"عربي بوست" إن السياسة الإسرائيلية المتعمدة حشرت القدس في الزاوية، من حيث إفقار المدينة، تمهيداً لتهيئة المناخ المقدسي لإمكانية قبول مثل هذه المشاريع الهادفة لضرب الاقتصاد المقدسي.
وأوضح أنه لن ينتفع الفلسطينيون من هذه المشاريع سوى بدرجة عمال نظافة، ويسعى المشروع لتهويد المنطقة الصناعية المراد إقامتها، وهي التي تدر الدخل على مئات العائلات المقدسية، واليوم باتت مهددة في حال إخراج المشروع إلى حيز التنفيذ تحت شعارات "الهايتك ووادي السيليكون".
وأضاف: هناك أيدٍ فلسطينية مقدسية متورطة في المشروع، وهم يعتبرون أنفسهم مبعوثي الإمارات في الساحة الفلسطينية، ممن قاموا بعملية غسيل دماغ بعيدة المدى تجاه المقدسيين، وجهد دؤوب وعمل حثيث لترويضهم للقبول بهذه المشاريع، بذريعة إنعاش أوضاعهم الاقتصادية، كما أن السلطة الفلسطينية مسؤولة أيضاً عن التقصير بحق القدس، التي تقع على مرمى النظر من مقرها برام الله.
الإمارات تزاحم الأتراك في القدس
وذكر عمرو أن هناك بوادر لنجاح المشروع، من ضمنها أن بلدية الاحتلال جهزت التصاميم اللازمة، وبصدد توفير البنية التحتية، وأصحاب المحلات المقدسيون تم التفاهم مع جزء منهم، كما أن الممول الإماراتي جاهز للدفع، بهدف إيجاد موطئ قدم ينافس الأتراك ويزاحمهم، ممَّن تزايَد نفوذهم في المدينة لخدمة أهلها دون تطبيع مع إسرائيل.
وقد سافرت نائبة رئيس بلدية القدس المحتلة فلور ناحوم، وهي المسؤولة عن العلاقات الخارجية والتنمية الاقتصادية الدولية وملف السياحة في القدس، إلى الإمارات العربية المتحدة لاستكشاف خيارات التعاون، والتمكن من جمع المستثمرين لإنشاء حديقة عالية التقنية في القدس، زاعمةً أن المشروع يهدف لتقليص الفجوات داخل المدينة، بين شقَّيها الشرقي والغربي، ويحظى المشروع بدعم الحكومة الإسرائيلية، ووجد تحمساً من رجال أعمال إماراتيين التقت بهم لدى زيارتها هناك.
وزعمت المسؤولة الإسرائيلية بحديثها المطول مع صحيفة مكور ريشون اليمينية، وترجمته "عربي بوست" أن "هذا المشروع المدعوم إماراتياً يسعى لتحقيق أهداف، بينها التصدي للنفوذ التركي المتزايد فيها، وقد شعرت بتخوف الإمارات من تحركات أردوغان بالمدينة، بعد أن عرضت عليهم حجم التواجد والنشاط التركي فيها، وبدا عليهم الغضب للغاية، مما حفزهم بقوة لتعزيز العلاقات مع إسرائيل، والاستثمار بالقدس، واعتبروا أن المشروع يسعى لاتخاذ إجراءات لتضييق الخطوات التركية في الترويج لفكر الإخوان المسلمين".
تسويق إماراتي للتطبيع
وزير فلسطيني سابق لشؤون القدس، أخفى هويته، قال لـ"عربي بوست" إن "كلام المسؤولة الإسرائيلية عقب زيارتها للإمارات بشأن المشروع المقترح بوادي الجوز بالقدس، سبقه جهد حثيث منذ أشهر لشخصيات فلسطينية محسوبة على الإمارات، تمثّل في الاستعداد لتقديم 12 مليون دولار لتنفيذ مشاريع مشابهة في بلدات العيسوية وصور باهر المقدسية".
لا يمكن النظر للاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي لتنفيذ هذا المشروع بحي وادي الجوز بمعزل عن التوجه الإماراتي نحو القدس فور إعلان تطبيعها مع إسرائيل، تمهيداً لتسويق هذا التطبيع بين الفلسطينيين من جهة، والعثور على موطئ قدم في القدس المحتلة من جهة أخرى، وفي سبيل هذه الغاية خرجت الدعوات الإماراتية المبكرة لتوافد الإماراتيين والخليجيين للصلاة في القدس، وترويج السياحة الدينية في المدينة المقدسة.