كشف تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 24 سبتمبر/أيلول 2020، عن الدور الذي لعبته السعودية لتمهيد الأرضية لاتفاق التطبيع، الذي وقَّعته كل من الإمارات والبحرين يوم الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول 2020 مع إسرائيل في البيت الأبيض، كما أكدت أيضاً أن الرياض تعمل "بهدوء"، من أجل إقناع دول أخرى بربط علاقات علنية مع تل أبيب.
ذكر التقرير، أن المملكة السعودية عمِلت بهدوء على ترتيب "اتفاق التطبيع" الذي وقعته كل من أبوظبي والمنامة مع تل أبيب، كاشفاً في الوقت نفسه عن إغراءات أمريكية للسعودية تتمثل في طائرات متطورة جداً، ومكانة خاصة لدى واشنطن.
تقول الصحيفة: "لعدة أشهر قبل توقيع الصفقات في البيت الأبيض، كان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يضع الأساس المنطقي لهذا الاتفاق" الذي وصفته بأنه "سيقلب السياسات الإقليمية تجاه خصم طويل الأمد".
التقرير نفسه كشف عن الإغراءات التي قدَّمتها واشنطن للرياض من أجل التوقيع على الاتفاق، ويتعلق الأمر بـ"طائرات مقاتلة متطورة معروضة، وربح امتيازات سياسية مع واشنطن، ومكانة جد متميزة مع دونالد ترامب".
وفق ثلاثة مصادر من الديوان الملكي السعودي، فإن العاهل السعودي محمد بن سلمان "من المستحيل أن يمنح ترامب أكبر إنجاز له قبل الانتخابات الأمريكية، بإعلان التطبيع مع إسرائيل".
لكن بدلاً من ذلك تضيف المصادر نفسها: "من المرجح أن تواصل المملكة دورها في حث الحلفاء الإقليميين على تجاوز الخط باسمها، ويتعلق الأمر هنا بالسودان وسلطنة عمان اللتين تعتبران المرشحتين الأكيدتين للتوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام".
يحسم التقرير أيضاً في تغيير سياسات كل من السعودية والكويت وانضمامهما إلى اتفاق التطبيع، "فكلا البلدين يحكمه ملوك متقدمون في السن، وقد وصلوا الآن إلى الثمانينيات من العمر وهم مرضى، وكلاهما لا يزال مستثمراً في صيغ طويلة الأجل للسلام العربي الإسرائيلي، والتي مزقها قادة المنطقة الأصغر سناً، مثل الأمير محمد".
خلاف بين ولي العهد والملك: الجمعة 18 سبتمبر/أيلول 2020، كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية قد أكدت أنَّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أراد أن يوقع اتفاق تطبيع مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين، إلا أن والده الملك سلمان عارض ذلك، كما كشفت عن حدوث خلافات بين بن سلمان والعاهل السعودي بخصوص "تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
يأتي هذا التقرير، بعد تصريح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول الحالي، خلال توقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، قال فيه إن هناك محادثات متقدمة مع الرياض؛ من أجل التحاقها هي الأخرى بالاتفاقية، وهو الأمر الذي لم تؤكده المملكة أو تنفيه.
صدمة الملك: أضافت الصحيفة أن الملك سلمان بن عبدالعزيز لطالما أيد لسنوات عديدة، مقاطعة إسرائيل والمطالبة بدولة فلسطينية مستقلة، إلا أن بن سلمان يريد إقامة علاقات تجارية مع إسرائيل، وإنشاء جبهة موحدة ضد إيران، وتجاوز الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، لأنه نزاع صعب.
كما لفتت إلى أن العاهل السعودي صُدم بشدة خلال إجازته، عند إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 13 أغسطس/آب، عن توقيع إسرائيل والإمارات اتفاقاً لـ"التطبيع الكامل" لعلاقاتهما.
الصحيفة نفسها ذكرت أن سبب هذه الصدمة أن ولي العهد السعودي لم يبلّغ والده مسبقاً بالاتفاق بين تل أبيب وأبوظبي.
لم يكن يعلم: ذكرت الصحيفة أن بن سلمان خشي أن يعارض والدُه الاتفاق، باعتباره لا يساهم في مطلب الفلسطينيين إقامة دولتهم، لدرجة أنه (لو علِم الملك) لما كان بالإمكان أن توقع الإمارات اتفاقاً مع إسرائيل بهذه السهولة.
كما أشارت إلى أنه بعد إعلان اتفاق التطبيع الإسرائيلي الإماراتي، طلب العاهل السعودي من وزير خارجيته إعادة تأكيد التزام بلاده بإقامة دولة فلسطينية.
وبينت أنه بعد ذلك كتب أحد أفراد العائلة المالكة، وهو مقرب من الملك السعودي، مقالاً في صحيفة مملوكة للسعودية، جدد فيه موقف بلاده، ولمَّح إلى أن الإمارات يجب أن تضغط على إسرائيل من أجل تقديم مزيد من التنازلات.
وذكرت الصحيفة أنه خلال اجتماع بين صهر ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، وولي العهد في السعودية، قال الأمير محمد بن سلمان إن والده "لن يقبل باتفاق تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية".
إذ أكد ولي العهد أن أقصى ما يمكن أن تفعله المملكة في الوقت الحالي، بسبب اعتراض الملك السعودي، هو المساهمة في انضمام "البحرين الصغيرة" إلى اتفاق التطبيع مع إسرائيل.
جدير ذكره، أنه في 13 أغسطس/آب الماضي، أعلنت الإمارات وإسرائيل اتفاقاً للتطبيع الكامل بينهما، أتبعته البحرين بخطوة مماثلة في 11 سبتمبر/أيلول الجاري.
والثلاثاء 15 سبتمبر/أيلول، وقَّعت الإمارات والبحرين اتفاقيتي التطبيع مع إسرائيل في البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأمريكي، مُتجاهلتين حالة الغضب في الأوساط الشعبية العربية.
موقف الرياض: في يوم التوقيع على اتفاق "التطبيع"، أعلن مجلس الوزراء السعودي أن بلاده "مع حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية".
جاء ذلك في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، بعد وقت قصير من مراسم توقيع اتفاقي التطبيع بين البحرين والإمارات من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، في البيت الأبيض، بالعاصمة واشنطن.
وفق الوكالة، استعرض المجلس برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز، عبر الاتصال المرئي، مجمل الموضوعات حول تطورات الأحداث ومستجداتها في المنطقة والعالم.
أكد المجلس "الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ودعم جميع الجهود الرامية إلى الوصول لحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية بما يمكِّن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية".
فيما لم يعلق المجلس على توقيع اتفاقي التطبيع بين البحرين والإمارات وإسرائيل، أو ما أثير من أحاديث أمريكية عن محادثات مع الرياض للسير في الاتجاه ذاته.
وكان وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أعلن من برلين في 19 أغسطس/آب الماضي، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الألماني، أن بلاده لن تطبِّع العلاقات مع إسرائيل قبل التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني شامل، على أساس المعايير التي حددتها المبادرة العربية للسلام عام 2002 وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.