نشرت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، الخميس 20 أغسطس/آب 2020، القصة الكاملة لرحلة تولّي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مقاليد القيادة في المملكة وكيفية جمعه الثروة التي كان محروماً منها عندما كان شاباً بعد اكتشافه في سن مبكرة أن والده كان "فقيراً"، مقارنة بباقي أبناء عبدالعزيز، مؤسس المملكة.
هنا بدأت القصة: الصحيفة قالت إن الأمير محمد طوال حياته لم يكن فرعه بالعائلة قريباً بأي شكل من الأشكال من ثراء الأفرع الأخرى، إذ كان والده سلمان، بصفته أميراً كبيراً، يتلقى راتباً شهرياً ضخماً، لكنَّه كان ينفقه على إدارة قصوره ودفع رواتب موظفيه ومنح العطايا.
وقعت الصاعقة التي غيرت حياة الأمير محمد عندما قال له أحد أبناء عمومة إنَّ سلمان لم يجمع ما يعتبره أفراد الأسرة الملكية الآخرون ثروةً حقيقية، بل والأسوأ أن سلمان كان مديناً على نحوٍ خطير.
إذ صُدم أصدقاء العائلة في العقد الأول من الألفية الجديدة حين انتشر في باريس خبر أنَّ مقاولي سلمان وموظفيه لم يتقاضوا رواتبهم طوال ستة أشهر.
فيما أفادت رواية تستند إلى مقابلات أُجريَت مع عشرات الأشخاص في ثلاث قارات ممَن كانوا على معرفة بالأمير محمد من خلال العلاقات التجارية أو العائلية أو الشخصية أن الأمير قرر حينها أن يصبح رجل أعمال العائلة.
رحلة جمع الثروة: استطاع الأمير محمد بحلول عامه 16 جمع نحو 100 ألف دولار بعد بيع ساعات ذهبية فاخرة كانت قد مُنِحَت له. وأصبح هذا هو رأس المال الأولي لمغامرته في تداول الأسهم، بيد أنَّه سرعان ما خسرها. لكنَّ محفظة الأمير محمد اكتسبت في البداية قيمة، وهو ما منحه إثارة سيبقى يطاردها.
فقرَّر الأمير مغادرة البلاد بعد الجامعة والانخراط في مجال البنوك، أو الاتصالات، أو العقارات. ولم يكن يتوقع أن يتحصّل على سلطة سياسية حقيقية في الرياض؛ باعتباره ابناً أصغر لأمير ذي فرص ضئيلة في أن يصبح ملكاً، لم يكن لدى محمد أملاً يُذكَر في الاقتراب من العرش.
وكان الأمير محمد يصحب أصدقاءه في بعض الأمسيات إلى الصحراء السعودية، حيث كان العمال ينصبون الخيام ويشعلون نيران التخييم. وكان يتحدث عن خططه مع مليارديرات أمثال ستيف جوبز وبيل غيتس. وتحدث بإحباط متزايدٍ أيضاً عن الشباب السعودي.
فقال في إحدى الليالي بحسب ما يروي أحد الحضور: "نحن مَن يمكننا تقرير مستقبل جيلنا. إن لم نتحرك، فمن غيرنا يفعل؟".
الأمير محمد ركز حينها على جمع ثروة، فأنشأ شركات واستحوذ على حصص في أخرى. وفي عام 2008، أقنع شركة Verizon من خلال وسطاء بجلب البنية التحتية للألياف الضوئية إلى المملكة. وشهدت الصفقة حصول شركة Verizon على حصة أقلية في مشروع مشترك كان الشريك الأكبر فيه واحدة من شركات الأمير محمد العديدة.
كما ترأس القسم القانوني في شركة Verizon بعد ذلك وليام بار، الذي يشغل الآن منصب مدعي عام الولايات المتحدة.
الصفقة ساعدت في تعزيز مكانة الأمير محمد في الداخل –تباهى سلمان أمام أحد الزائرين بعد إتمام الصفقة قائلاً: "جنى نجلي الملايين للعائلة"– لكنَّها لم تمض قدماً.
فشركة الأمير محمد لم تكن تملك الخبرة المطلوبة لتنفيذ المشروع، وتلقّت شركة Verizon تخفيضاً في قيمتها المحاسبية وغادرت.
لكن الأمير محمد واجه مشكلات أيضاً. ففي عام 2013، اكتشفت الجهات التنظيمية أنماط تداول مشبوهة مرتبطة بحسابات تخصّه هو وأمراء آخرين.
فيما رفض الأمير محمد التعليق على مصالحه التجارية أو على صعوده إلى السلطة.
وحين سأله صحفي شبكة CBS الأمريكية عن إنفاقه خلال مقابلة تلفزيونية قبل عامين، قال الأمير: "في ما يتعلَّق بنفقاتي الشخصية، فأنا شخصٌ ثري ولستُ شخصاً فقيراً".
حياة الترف: في صيف عام 2015، بعد أن حقق بن سلمان ثروته بدأ في إجازة بـ"فيلا برايفت آيلاند"، وهو منتجع فاخر في جزر المالديف، فيما حجزت حاشيته المهووسة بالخصوصية كامل منتجع "فيلا" لمدة شهر بتكلفة 50 مليون دولار، وذلك بحسب أشخاص مطلعين على الرحلة.
كما حُظِر على الموظفين إحضار الهواتف النقالة ذات الكاميرات. وأدَّى مغني الراب الأمريكي "بيتبول" ونجم موسيقى البوب الكوري الجنوبي "ساي" عروضاً. وقد تحدَّث عن حفل المالديف العديد من الحضور، بما في ذلك بعض المشاركين في الإعداد له.
وخلال فترة الشطط تلك، اشترى الأمير الشاب أيضاً يخت "Serena – سيرين" –وهو يخت يبلغ طوله 134 متراً تقريباً كان بيل غيتس قد استأجره قبل ذلك بعام- مقابل 429 مليون يورو (509 مليون دولار تقريباً)، فضلاً عن قصر قرب مدينة فرساي الفرنسية يضم نوافير وخندقاً مائياً مقابل أكثر من 300 مليون دولار.
استبعاد مؤقت لبن سلمان: بعد اكتشاف الجهات التنظيمية أنماط تداول مشبوهة مرتبطة بحسابات الأمير محمد بن سلمان بدأ رئيس هيئة سوق المال السعودية آنذاك، محمد آل الشيخ، تحقيقاً في الأمر وحدَّد أنَّ أحد التجار الذين يعملون نيابة عن الأمير محمد بن سلمان كان مسؤولاً عن التداول المشبوه. أثارت الحادثة غضب الملك عبدالله، وأُبعِد الأمير محمد عن شؤون الحكومة.
لكنَّ ذلك سيكون مؤقتاً. فحتى خلال أيام انشغاله بجمع المال، كان الأمير محمد يدرس بعناية كيفيه اكتساب –أو، لو لزم الأمر، استعادة- مكانته في الديوان الملكي.
كان يعرف كيف يجعل نفسه مفيداً للرجال الكبار أمثال الملك عبدالله، فيؤدي مهام تُعتَبَر بغيضة جداً بالنسبة للأمراء الآخرين، مثل إبعاد أرملة أحد الملوك السابقين من قصرٍ كانت ترفض إخلاءه.
حين تولى سلمان العرش، باتت أفكار الأمير محمد فجأةً هي الأولوية القصوى.
وفاة الملك عبدالله: تولى الأمير محمد مسؤولية الديوان الملكي في اليوم التالي لجنازة الملك عبدالله. واستدعى عند الساعة الرابعة فجراً مسؤولين ورجال أعمال لمقابلتهم في وقتٍ لاحق ذاك اليوم. وسألهم الأمير محمد ما إن كانت إعادة تشكيل الحكومة السعودية من خلال التخلص من لجان حكم الملك عبدالله أمراً خطيراً. نصح البعض بالتحرك ببطء بُغية رصد الآثار غير المتوقعة.
لكن وفقاً لشخص حضر اللقاء، رد الأمير محمد قائلاً: "هراء. إن كان هذا هو الأمر الصحيح، فلنفعله اليوم".
في غضون أسبوع، تولى الأمير محمد مسؤولية جيش واقتصاد المملكة. وأحاط الأمير نفسه بمستشارين جدد، بعضهم لا يملك خلفية حكومية تُذكَر، وشجَّعهم على أن يتبادلوا النقاش معه ليلاً في أفكار السياسة. ورقَّى محمد آل الشيخ –الرجل الذي حقق معه في 2013 بتهمة التداول بناءً على معلومات داخلية- إلى مستشار اقتصادي بارز.
وبعد ذلك بفترة قصيرة، سيتولى الأمير محمد السيطرة على شركة النفط الحكومية أرامكو، أكبر شركة ربحية في العالم. وفي ظل وجود أموالها تحت تصرفه، سيعمد للعمل على تحويل صندوق الثروة السيادية المُحتَضِر في المملكة إلى أكثر المستثمرين نفوذاً في وادي السيليكون.
وبات المراهق المهووس بجمع ثروته الخاصة ومحاكاة ستيف جوبز، الآن يسيطر على أموال أكثر مما يعرف ماذا يصنع بها. وأصبح جمع الثروة وبناء السلطة هو هوس الأمير محمد.
بدء بسط النفوذ: الصحيفة قالت إنه بعد تولى سلمان العرش مطلع 2015، فوَّض سلطات غير معهودة لمحمد، بعد عام طويل من العمل استطاع من خلاله إثبات نفسه، إذ تفوق على منافسيه ومهَّد طريقاً لوالده السبعيني سلمان من أجل تقلُّد العرش السعودي فبسط سيطرته على الجيش والأجهزة الأمنية وبدأ في قلب اقتصاد المملكة الراكد المُعتمِد على النفط رأساً على عقب.
على مدار سنوات قليلة بدأ الأمير محمد في كبح هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوسيع حقوق المرأة بالسعودية، وانغمس في حرب باليمن، كما اعتقل مليارديرات وأقارب له بفندق ريتز كارلتون الرياض بمزاعم فساد.
كما اغتالت قواته الأمنية الصحفي والكاتب جمال خاشقجي في إسطنبول والذي قال الأمير محمد إنَّه لم يأمر بعملية الاغتيال.
أما الآن، في ظل معاناة الملك البالغ من العمر 84 عاماً من مشكلات صحية دفعته إلى التردد على المستشفى –ومؤخراً لإجراء عملية بالمرارة- تزداد أهمية فهم الأمير الشاب من أجل تقييم الاتجاه الذي قد تسلكه السعودية في حال أصبح الأمير محمد ملكاً.