قبل شهرين كانت باكستان تبدو مقبلةً على التحوُّل لبؤرة تفشٍّ كبير لمرض فيروس كورونا، لكن أعداد الوفيات والمصابين انخفضت فجأةً وبشكل غير متوقع، فيما اعتبره الأطباء انخفاضاً مرحَّباً به ولكنّه غير مفهوم.
وفي الوقت الذي تتقدم فيه جارتها الهند يومياً في ترتيب الدول المتأثرة بالمرض، تتجه باكستان إلى الجهة المقابلة من القائمة نفسها حيث الدول غير المتأثرة، وفق صحيفة The Telegraph البريطانية.
لماذا لم ينتشر كورونا بباكستان؟ باحثون رأوا أن هناك عدة أسباب، بينها المعدل المنخفض لأعمار السكان، والمناعة القوية للشعب الباكستاني، ونظام الإغلاق المحلي "الذكي" الذي فرضته الحكومة. غير أن مسؤولي الصحة يُقرون بأن السبب الحقيقي ما يزال مجهولاً.
كان معدل الوفيات اليومي في أواسط شهر يوليو/تموز الماضي، يزيد على 150 حالة، وكان يُتوقع أن يزيد الأمر سوءاً حتى أغسطس/آب الجاري، على الأقل، حيث تفاقم الوضع نتيجة عدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي أثناء عيد الفطر الذي حل في مايو/أيار الماضي. وكان كبار المسؤولين يخشون أن تكون الأوضاع "غير مبشِّرة" في بداية أغسطس/آب، حيث كان مخزون الأكسجين قد بدأ بالانخفاض، وكانت العنابر قد بدأت بالامتلاء.
غير أن ما حدث كان انخفاض معدلات الوفيات بحدَّة، وباتت تبلغ الآن نحو 20 حالة يومياً. وانخفض معدل الإصابة من أكثر من ستة آلاف حالة يومياً إلى أقل من ألف حالة يومياً، وعادت المطاعم للعمل بعد رفع ما تبقى من إجراءات الإغلاق العام. وبالإجمال، سجَّلت باكستان 290 ألف إصابة، و6.200 وفاة.
يقول المسؤولون الذين يقودون استجابة الحكومة للوباء، إنه من المبكر جداً الاحتفال، ويعترفون بأن سبب انخفاض الأعداد ليس مفهوماً تماماً.
إذ يقول فيصل سلطان، خبير الأمراض المعدية الذي يعمل مستشاراً لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في شؤون كوفيد-19: "يجدر بالمرء أن يتحلى بشيءٍ من التواضع هنا. ستظل دائماً هناك العديد من المجهولات في العلم وفي الوبائيات وفي العلوم والتفاعلات الاجتماعية المعقدة. لو أن أحدهم قال إنه يعرف الإجابة الحاسمة، فهو مخطئٌ بلا شك".
في البداية قوبل انخفاض أعداد الحالات المسجلة بكثير من التشكك؛ لأنه صوحب بانخفاضٍ في أعداد الاختبارات التي تُجرى. واعتبر المسؤولون الدوليون أن انخفاض أعداد الاختبارات كان يعني أنه من المستحيل تتبُّع التفشي، بينما اتهمت أحزاب المعارضة حكومة خان بتعمُّد خفض أعداد الاختبارات؛ للتعتيم على انتشار المرض.
كذلك كانت مخاوف الوصمة الاجتماعية للمرض، والخوف من الدخول جبراً للحجر الصحي، من العوامل التي تدفع المرضى المحتملين إلى تجنُّب خوض الاختبار.
اقتُرح كذلك انخفاض معدل أعمار الباكستانيين باعتباره أحد الأسباب، فالشباب عادةً أقل عرضةً للإصابة البالغة، كما أن ثلثي الشعب الباكستاني أصغر من 30 عاماً. كذلك اقتُرِح أن الفضل يعود لنظام المناعة القويم، الذي كوَّنه الباكستانيون عبر التحصينات التقليدية وضعف التعقيم، في هذه الظاهرة.
يقول فيصل محمود، الأستاذ المساعد لعلوم الأمراض المعدية بجامعة أغا خان، إنه صدَّق أن الانخفاض في الإصابات كان حقيقياً، "لكنَّ سبب ذلك ليس واضحاً إلى الآن. أظن أن السبب كان خليطاً من كل ذلك. وجزءٌ منه أيضاً أننا محظوظون فحسب، فمعدل الأعمار في البلاد كان يجعلنا نتوقع أن نشهد العديد من الحالات الخطيرة مثل التي يمكن توقُّعها في الولايات المتحدة مثلاً، أو في إيطاليا، أو في بريطانيا".
وأردف أنه لعل باكستان استفادت من انتشار الوباء فيها متأخراً، بعد أن تلقت الإنسانية الدرس القاسي بالفعل في كيفية التعامل مع المرضى وإنقاذ الأرواح.