يواجه الرجال الثلاثة الذين أبرموا أول اعتراف من قبل دولة عربية بإسرائيل منذ 26 عاماً مشاكل في الداخل، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحاول إيجاد أي طريقة ممكنة لإعاقة مواطنيه الأمريكيين عن التصويت بطريقة منظمة في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لأنه إذا فعل عدد كافٍ منهم ذلك، فسيخسر الانتخابات، حسبما تقول استطلاعات الرأي الحالية.
على الجانب الآخر، واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو احتجاجات خارج منزله للاعتراض على طريقة تعامل حكومته مع فيروس كورونا المستجد. أما ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد فيواجه فشلاً تلو الآخر في تنفيذ خططه ومشروعاته، بدءاً من محاولة إحداث انقلاب في تركيا، ومروراً بحصار قطر، وأخيراً فشل قواته البديلة في ليبيا في الاستيلاء على طرابلس.
لهذا، كان كل رجل منهم بحاجة إلى انقلاب دبلوماسي، وهو شيء يمكن أن تسميه وسائل الإعلام الخاصة بهم حدثاً تاريخياً. كل منهم يعرف ماذا سيحدث له إذا فقد السلطة. بالنسبة لنتنياهو وترامب قد يعني ذلك السجن. أما بالنسبة لمحمد بن زايد، فسيعني ذلك النفي أو الموت. لذلك فعلاقته الحميمية مع إسرائيل هي بمثابة تأمين لحياته. وكذلك تتشابك مصائرهم الشخصية إلى حد غير عادي.
كان محمد بن زايد بحاجة إلى إيجاد داعم إقليمي بديل ربما لأنه أدرك تماماً القيمة المتدنية لاستثماره في ترامب. لقد صنع ما يكفي من الأعداء في وكالة الاستخبارات المركزية والبنتاغون لمعرفة اللحظة التي يغادر فيها ترامب، وستعود الدولة العميقة للولايات المتحدة بالانتقام.
على الجانب الآخر، كان نتنياهو بحاجة لإيجاد استراتيجية خروج من الاحتجاجات والائتلاف المهترئ، لإيجاد سياسة يسيطر عليها وحده. في حين أنه قد خان اليمين الإسرائيلي المنتمي إليه مرة أخرى عن طريق تجميد (على الرغم من عدم التخلي عن) ضم الأراضي الفلسطينية، إلا أن الهروب السياسي على طريقة الساحر هوديني قد ساهم في تخلصه من القيود السياسية مرة أخرى.
لقد تباهى في مقطع الفيديو الخاص به على تويتر قائلاً: "للمرة الأولى في تاريخ البلاد وقعت على اتفاق سلام نابع من مركز قوة -السلام مقابل السلام. هذا هو النهج الذي اتبعته على مدى سنوات: تحقيق السلام ممكن دون تسليم الأراضي، دون تقسيم القدس، دون تعريض مستقبلنا للخطر. في الشرق الأوسط، البقاء للأقوى والشعب القوي يصنع السلام".
على صعيد متصل، احتاج ترامب إلى حيلة سياسية خارجية مميزة، وهي شيء يمكن أن يسميه جني عوائد رأس المال السياسي الذي أنفقه على صهره جاريد كوشنر. لقد ولدت "صفقة القرن" ميتة، وكان على ترامب البحث عن شيء آخر ملموس.
نهاية العلاقة
لكن هذه الصفقة، التي سيدعمها المغرب والبحرين وعمان والمملكة العربية السعودية، تختلف اختلافاً جوهرياً عن اتفاقيات السلام المصرية أو الأردنية مع إسرائيل. لقد كان كل منهما بدوره بداية علاقة حميمية مع إسرائيل. وقد بشر كل منهما بمفاوضات أوسع نطاقاً، والتي جلبت، لبعض الوقت، الأمل في إيجاد تسوية عادلة للصراع الفلسطيني.
لكن هذه الصفقة هي بمثابة نهاية للعلاقة. فلم تُجر أي مفاوضات خارج قصور اللاعبين المعنيين حول هذا الأمر. ولن تكون هناك انتخابات للحصول على تفويض شعبي. ولم تتطرق أي من الفصائل أو الأطراف الفلسطينية المتشاكسة إلى هذه الصفقة لأن ذلك سيعني التخلي عن القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية، والمفاوضات على أساس حدود عام 1967 وحق العودة.
هذه الصفقة لا تتعلق بالسلام. لقد التقى القادة العرب بالقادة الإسرائيليين بانتظام. التقى العاهل الأردني الملك عبدالله الأول بقادة الصهاينة قبل عام 1948 وواصل حفيده الملك حسين هذا التقليد. وأحصى الكاتب الإسرائيلي آفي شلايم 42 لقاء للملك حسين مع نظرائه الإسرائيليين وذلك في كتابه الذي يسرد السيرة الذاتية للملك حسين. واستخدم الملك الحسن المغربي الموساد للتخلص من خصومه.
لم يغير أي من هذا الاتصال المنتظم بين الأعداء المعلنين رفض الجماهير العربية لإسرائيل.
إن اعتراف الإمارات العربية المتحدة بإسرائيل ليس له علاقة بالبحث عن نهاية للصراع. إنه يتعلق بإقامة نظام إقليمي جديد بين الديكتاتوريين والمحتلين -الطغاة العرب والمحتلين الإسرائيليين. مع انسحاب أمريكا باعتبارها القوة الإقليمية المهيمنة، هناك حاجة إلى قوى جديدة. هذه القوى هي إسرائيل والإمارات إذا قفزنا خطوة للأمام.
ويتصور مهندسو تلك الصفقة أن التجارة والاتصالات غير المعاقة والسفر والاعتراف بين إسرائيل وأغنى جيرانها الخليجيين ستصبح "حقائق على الأرض" جديدة، ثابتة مثل الطرق التي تلتف حول القرى الفلسطينية والمستوطنات نفسها. فلا تفاوض مطلوب، فقط علم الهزيمة الأبيض.
أنا واثق من أن الفلسطينيين لن يرفعوا راية الاستسلام البيضاء اليوم، أكثر مما كانوا سيفعلون في العقود السبعة الماضية. إنهم لن يتخلوا عن حقوقهم السياسية ويأخذوا المال. لكن ليس ثمة شيء أسوأ من ذلك مطلوب لكي تنجح هذه الخطة.
إذا كان هذا الانهيار الأخلاقي سيحدث في أي مكان، لكان حدث في الجيب الذي جوعته إسرائيل منذ 14 عاماً -غزة. لكن ليس هناك أي مؤشر على تراجع المقاومة الشعبية لإسرائيل. ولن يحدث هذا في الضفة الغربية الأكثر حرية نسبياً، حيث وصفت السلطة الفلسطينية القرار بأنه "حقير" و"خيانة" لكل من الشعب الفلسطيني والقدس والمسجد الأقصى.
إن موجة الغضب والاستياء التي تجتاح عروق الفلسطينيين تنعكس في عموم السكان العرب. وتأتي كل محاولة صادقة لمراقبة الرأي العام حول هذه المسألة بإجابات يفضل ترامب ونتنياهو ومحمد بن زايد ألا يسمعوها.
لقد ارتفعت نسبة العرب المعارضين للاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل، ولم تنخفض، في العقد الماضي. وقد حدد مؤشر استطلاع الرأي العام العربي هذا الاتجاه كمياً. في عام 2011، عارض 84% الاعتراف الدبلوماسي. وبحلول عام 2018، ارتفع هذا الرقم إلى 87%.
فقط شاهد رد الفعل
سيكون هناك رد فعل على ذلك بين الفلسطينيين وفي الشارع العربي بشكل عام. من الممكن بالفعل تمييز اتجاهين.
بين الفلسطينيين، ستجبر هذه الصفقة فتح وحماس، الخصمين اللدودين منذ الحرب الأهلية في غزة في عام 2007، على الانضمام إلى أحضان بعضهما البعض. هذا ما يحدث بالفعل على مستوى الشباب، ولكن درجة الغضب والخيانة التي يشعر بها كبار المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية تحدث أيضاً على مستوى القيادة.
إذا كان نتنياهو وبن زايد على اتصال هاتفي مع بعضهما البعض، فكذلك الآن محمود عباس، الرئيس الفلسطيني، وإسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحركة حماس. ورحبت حماس برد الفعل القوي للسلطة الفلسطينية على الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي. وقال مصدر في حماس لـ عربي 21 إنه يرى في موقف السلطة الفلسطينية "فرصة للعمل السياسي والميداني المشترك في الضفة الغربية وقطاع غزة".
إذا كان هذا الشعور الجديد بالهدف المشترك بين الفصيلين الفلسطينيين المتنافسين الرئيسيين مستداماً -وكان عباس في الماضي غير مستعد لقبول أي شركاء في حكم فلسطين- فهذه هي بداية نهاية اعتقالات نشطاء حماس في الضفة الغربية من قبل الأمن الوقائي الفلسطيني.
وكان جبريل الرجوب ذات يوم يرأس جهاز الأمن الوقائي، وهو يشغل الآن منصب الأمين العام لحركة فتح. لكن الرجوب يعقد اليوم مؤتمرات صحفية مع الرجل الثاني في قيادة حماس صالح العاروري -في إشارة أخرى إلى أن التقارب بين الطرفين يكتسب زخماً.
وقال الرجوب الذي كان يتحدث خلال لقاء صحفي مشترك عبر الهاتف مع العاروري: "سنقود معركتنا معاً تحت علم فلسطين لتحقيق دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على حدود 1967 وحل قضية اللاجئين على أساس القرارات الدولية".
خطة دحلان
رد الفعل هذا كان يمكن توقعه من قبل الهيمنة العربية وإسرائيل. ردهم هو ترقية الزعيم الفلسطيني المنفي محمد دحلان و/أو من ينوب عنه كرئيس فلسطين المقبل.
لقد كشفت عن هذه الخطة قبل أربع سنوات. وقد كتبت ذلك بشكل رسمي في وثيقة تلخص المناقشات بين الإمارات والأردن ومصر.
في تلك الوثيقة، ارتبطت عودة دحلان إلى الوطن على وجه التحديد بـ"اتفاقية سلام مع إسرائيل بدعم من الدول العربية".
لم يقل دحلان نفسه، الموجود في المنفى في أبو ظبي، شيئاً عن الاتفاقية. لكن فصيله داخل فتح، الذي يطلق على نفسه اسم "تيار الإصلاح الديمقراطي"، أصدر بياناً قال فيه إنه "تابع باهتمام كبير البيان الأمريكي الإماراتي الإسرائيلي المشترك، الذي أعلن عن بدء مسار لتطبيع العلاقات، يتضمن تجميداً لقرار إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة".
وأطلق عليه أنصاره في عطلة نهاية الأسبوع لقب "الزعيم".
والنتيجة كان حرق صورته في رام الله أمس مع صور محمد بن زايد.
في الماضي، استغل دحلان بذكاء الانقسامات بين حماس وفتح. لفترة وجيزة كان هناك حديث عن التقارب بين دحلان وحماس، في علاقة متجددة مع يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة. كان السنوار ودحلان زميلين سابقين في المدرسة، والتقى الاثنان في محادثات سرية في القاهرة.
كل أعماله السابقة، بما في ذلك دفع تكاليف حفلات الزفاف الجماعية في غزة وزراعة مؤيدين وميليشيات في مخيم بلاطة، تلاشت الآن. لقد تخطى دحلان الخطوط الحمراء من خلال دعم هذه الصفقة، على الرغم من أن هذه الحقيقة لم تُستوعب بعد.
إن التأثير الثاني الفوري لهذا الإعلان في العالم العربي بشكل عام يتمثل في الاعتراف بأن مطالب الربيع العربي من أجل الديمقراطية في العالم العربي ومطالب الفلسطينيين بالسيادة شيء واحد.
فالربيع العربي والفلسطينيون لديهم أعداء مشتركون: طغاة عرب أصبح قمعهم للديمقراطية أكثر قسوة من أي وقت مضى وأكثر مما كان في العصور الوسطى. ولديهم قضية مشتركة -المقاومة الشعبية لحكم القلة الذين يمارسون كل السلطة، العسكرية والاقتصادية على حد سواء.
لم يكن نتنياهو يبالغ عندما قال مساء الخميس 13 أغسطس/آب 2020، عندما جرى الإعلان عن الصفقة إن اعتراف الإمارات العربية المتحدة سيثري إسرائيل. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي "هذا مهم جداً لاقتصادنا والاقتصادي الإقليمي ومستقبلنا".
وقال إن الإمارات ستقوم باستثمارات من شأنها تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي. حسناً، تماماً. بدلاً من استثمار أمواله في الأردن أو مصر التي هي في أمس الحاجة إلى السيولة النقدية، سيبدأ أغنى صندوق ثروة سيادي في الخليج بالاستثمار في إسرائيل، والتي تعد بالفعل اقتصاداً كبيراً عالي التقنية عند مقارنتها بالدول العربية.
لا يقتصر الأمر على ازدراء بن زايد للديمقراطية العربية (ومن ثم قمعه للحركات الديمقراطية الشعبية). إنه قبل كل شيء يحتقر شعبه، الذي يسلمه لمزاريب اقتصاد ما بعد النفط الجديد.
هذه الرؤية القاتمة ستفشل، أسرع بكثير من المعاهدات الأردنية والمصرية مع إسرائيل، والتي هي أيضاً مبنية على الرمال. ويمكن أن تؤدي فقط إلى مزيد من الصراع.
بينما كان بإمكان القادة الإسرائيليين في السابق التظاهر بأنهم مجرد متفرجين على اضطراب الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي، إلا أن هذا الاتفاق الآن يربط الدولة اليهودية بالحفاظ على الاستبداد والقمع من حولها. لا يمكن لإسرائيل التظاهر بأنهم ضحايا "جيرة قاسية". إنهم ركيزتها الأساسية.
هذا الاتفاق هو الواقع الافتراضي، لكنه في مهب الريح من قبل أي ثورة شعبية جديدة ليس فقط في فلسطين ولكن في جميع أنحاء العالم العربي. وربما تكون هذه الثورة قد بدأت بالفعل.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.