ربما لأول مرة في التاريخ سوف نشهد توقيع اتفاقية سلام بين دولتين لم تحدث بينهما أية حرب ولا يوجد بينهما أية حدود لا في البر ولا في البحر ولا حتى في الجو.
ما سيحدث هو نوع من الكوميديا عبّر عنها نتنياهو بقوله إن "الاتفاق مع الإمارات هو السلام من أجل السلام"، أي أن هذه الاتفاقية هي مجرد تأكيد على سلام كان قائماً في الخفاء وبات من الضروري إشهاره لأسباب عدة منها أنه يمنح ترامب نصراً في السياسة الخارجية يزيد من حظوظه في البقاء في البيت الأبيض، كما يعيد بعضاً من الهيبة إلى نتنياهو بعد أن أضحت سمعته في الحضيض في بلاده، ويرضي غرور محمد بن زايد الذي يظن أنه هو مؤسس أول إمارة إمبريالية في التاريخ.
لكن غرور الأخير يشبه غرور الخنفساء التي دسّت أرجلها بين الأحصنة علّ البيطار يُخطئ ويثبت نضوة على حافرها وبذلك تصبح من الخيول. لكن البيطار لم يخطئ، أما ترامب فقد أخطأ بإشراك محمد بن زايد في هذه المسرحية لأنه لا يمكن المراهنة على رشاد من هبطت عليه ثروة من السماء.
ولقد أخطأ نتنياهو أيضاً لأن الخنفساء لن تصبح حصاناً أبداً مهما عظم غرورها وجلّ ما تستطيع فعله هو تبديد ثروة بلادها بلا أي معنى.
وكاد الرئيس الأمريكي أن يسمي تلك الاتفاقية باسمه لكن خوفاً من لسان الصحافة صارت تعرف باسم اتفاقية أبراهام، وبهذه التسمية يصبح ترامب أبراهام أمريكا في هذا العصر.
والسؤال الذي يراودني: لماذا بلغ العرب تلك الدرجة من الانحطاط، حتى بات العربي يؤمن بأن مساره المستقبلي يحدده اتفاق عُقد بين مجموعة من المستبدين والمحتلين؟
من الأفضل لنا نحن العرب أن نتجاهل ما حدث، من الأفضل لنا ألا ننشئ سوق عكاظ جديداً؛ لأنه لن يمتلئ شعراً بل سباباً. ما حدث مجرد كبوة جديدة لن يبقى لها أثر فور وقوع الكبوة الجديدة. أو علّها كبوة تتبخر فور غليان أحلام اليقظة التي بنينا عليها تاريخنا الحديث.
ما يمنحني بعض الهدوء في مثل هذه الأوقات، ويجعلني أعتقد أنه ربما هناك أمل ما في مكان ما، أو ربما الشعاع البادي في نهاية النفق ليس القطار الذي سيحولنا أشلاء، هو أن لعنة فلسطين تلاحق من يعبث بقضيتها، وأنا لا أقول هذا على سبيل الشماتة، لكن ما حدث للرئيس السادات وكيف قضى نحبه بالرصاص بعدما كان بطلاً متوجاً بعد انتصار 1973، وكيف انتهى الحال بالراحل ياسر عرفات وهو البطل المقاوم الذي أدار ظهره لفلسطين. وما جنته مصر كدولة من اتفاقية كامب ديفيد والفائدة الوهمية التي حصلت عليها الأردن، كلها أمور تجعلني مؤمناً بحقيقة "لعنة فلسطين". تلك اللعنة التي تصيب كل من يدير ظهره لها ويتنصل من مسؤولياته ويرتمي في أحضان الإسرائيليين بحثاً عن سلام مزعوم.
أذكر ذلك لأن الشعوب العربية، والإماراتي من بينها، شعوب مؤمنة بالقضية الفلسطينية مهما حاولت السلطات تصوير الأمر على عكس حقيقته، وأن تلك الشعوب التي يعتقد أنها ماتت ما زالت حية وقادرة على المباغتة كما فعلت في موجة ربيع العرب. وأقول كلماتي هذه علّ محمد بن زايد يتنازل عن غروره قليلاً ولا يتسرع نحو ما يصبو إليه لاهثاً، كي يتقي مصيراً غير محمود. وربما من الأفضل له متابعة غزو المريخ، وليس العمل على تجميد ضم إسرائيل أراضي فلسطينية جديدة لأنه على ما يبدو لا يقرأ الصحف ولا يستمع إلى الأخبار، حيث إن هذا التجميد حصل قبل أن يباشر جهوده.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.