مع طول أمد الحرب في ليبيا يزداد المشهد تعقيداً، خصوصاً في المناطق التي يسيطر عليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق ليبيا، إذ أصبح حلفاء الأمس خصوم اليوم.
في الوقت الذي يواجه فيه حفتر منافسة كبيرة من حليفه السابق عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق، فيما يتعلق بالمشهد السياسي، دخل على الخط خصوم جدد من حلفائه على المستوى العسكري، وتحديداً أنصار نظام الرئيس السابق معمر القذافي.
لكن يبدو أن هذا التحالف بدأ -ليس فقط في الانهيار- بل وربما في التحول إلى منافسة مباشرة بين الجهتين، وهو ما تكشف عنه المعطيات الحالية على الأرض.
خلافات كبيرة بين حفتر وأنصار القذافي
أوضح مصدر أمني بمدينة بنغازي، أن خلافاً حاداً بدأ بين خليفة حفتر وأنصار النظام السابق منذ إرغام حفتر على الانسحاب من تخوم طرابلس وامتثاله للأوامر الدولية.
هذا الأمر جعل القيادة العسكرية والسياسية التابعة للنظام السابق والمتحالفة مع حفتر في الانشقاق عنه سياسياً وعسكرياً بدعم روسي فرنسي مباشر. بينما اكتفى خليفة حفتر بالدعم الإماراتي والمصري والتواصل المباشر مع المندوبين الأمنيين والعسكريين الأمريكيين.
وأشار المصدر إلى وجود تضارب في الأوامر والتصريحات الصحفية بين خليفة حفتر وقيادات النظام السابق في الفترة الأخيرة.
وظهرت أبرز وآخر مشاهد هذا الخلاف عندما قامت قوات حفتر بالقبض على 20 ضابطاً في مدينة بنغازي، وملاحقة آخرين استطاعوا الفرار من بنغازي إلى مصر بعد تحصنهم في مدينة طبرق.
أبرز هؤلاء المعتقلين هو الرائد ناصر التونسي الفرجاني، وهو ضابط تابع للنظام السابق على خلفية احتجاز أكثر من 50 جهازاً لاسلكياً ومسدسات وكواتم صوت، إضافة إلى القبض على مجموعة قامت اليومين الماضيين بتعليق صور معمر القذافي ونجله سيف بمدينة بنغازي، استعداداً لمظاهرة تمت الدعوة لها يوم 20 أغسطس/آب، بحسب المصدر الأمني.
وأوضح المصدر أن هذه المظاهرة تدعو في ظاهرها لمحاربة الفساد وإصلاح أوضاع المواطنين لما يعانونه من انقطاع للكهرباء بساعات طويلة، وأيضاً المياه ونقص السيولة وغلاء الأسعار، غير أن التحقيقات كشفت أن مجموعة من المتظاهرين سيقومون برفع صور لنجل القذافي سيف الإسلام، وتفويضه لإدارة البلاد في المرحلة المقبلة، مطالبين بإلغاء علم ونشيد ثورة فبراير.
عودة القذافي الابن
أعلن حراك "رشحناك من أجل ليبيا"، بداية الشهر الجاري، انطلاق الإعلان عن مسيرات التحشيد الشعبي في مختلف المدن الليبية الداعمة لترشيح سيف الإسلام القذافي، في الانتخابات الرئاسية الليبية.
وستنطلق المسيرات بداية من 20 أغسطس/آب بمناسبة اليوم الوطني للشباب الليبي، وتتواصل لمدة 10 أيام على التوالي في المدن والقرى الليبية.
من جانبه أكد رئيس اتحاد القبائل الليبية الطاهر الشهيبي، دعمهم لـ"سيف الإسلام القذافي مرشح القبائل الليبية، وعزمهم المشاركة في المسيرات، رافعين شعارات سلمية بالمطالب المدنية وصور سيف الإسلام".
وكانت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، قالت في مارس/آذار 2020، إن شركة فاغنر الروسية تجري لقاءات مع سيف الإسلام، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، بهدف تنصيبه زعيماً لليبيا.
الوكالة قالت إن سلطات حكومة الوفاق الوطني الليبية المُعترف بها دولياً تمكنت العام الماضي من القبض على عميلين روسيين، وضبطت في حوزتهما ملاحظات عن لقاءات عقداها مع نجل القذافي.
ووفقاً لتلك الملاحظات، أجرى العميلان الروسيان 3 لقاءات مع سيف الإسلام القذافي، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، وشارك في أحدها مستشار انتخابات روسي.
وتشير ملاحظات العميلين الروسيين إلى أن القذافي الابن ادعى أن 80% من المقاتلين في صفوف قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر هم من أنصاره، وأن حفتر سينضم إليه في حال سيطر على العاصمة طرابلس.
أنصار القذافي.. الداعم الأكبر لحفتر
مع بزوغ خليفة حفتر كطرف أساسي في الصراع الليبي، استخدم عديد من الأطراف المحلية خلال محاولته الانقلاب على الشرعية. شملت هذه الأطراف أيديولوجيات وتوجهات مختلفة في شرق ليبيا بين أصحاب النزعة الدينية مثل أصحاب التيار المدخلي، والقبليين وأنصار النظام السابق.
ورغم أن حفتر أظهر صورة هذه التحالفات في إطار التجانس، إلا أن الأيام بدأت تكشف حجم التناقضات في قائمة حلفائه.
وأوضح مصدر مطلع من بنغازي لـ"عربي بوست"، أن أكبر قوة عسكرية وسياسية داعمة لحفتر في شرق ليبيا كانت من أنصار النظام السابق.
ذلك الدعم كان باتفاق مع منسق العلاقات الليبية المصرية سابقاً، وابن عم معمر القذافي وأحد كبار المسؤولين الأمنيين في النظام الليبي السابق، أحمد قذاف الدم القذافي.
الدعم السياسي من أنصار القذافي
بينما تمثل الدعم السياسي في بعض الشخصيات التي كانت لها علاقات دولية قديمة، خصوصاً مع روسيا وفرنسا. ومن أبرز هؤلاء عبدالهادي الحويج، وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة (غير معترف بها دولياً)، وبوزيد دوردة، الذي شغل منصب رئيس جهاز الأمن الخارجي للمخابرات الليبية، وقبلها رئيس الوزراء بين عامي 1990 و1994.
هذا بالإضافة إلى مصطفى الزائدي، عضو حركة اللجان الثورية في نظام القذافي، والذي شارك في عدة جرائم قتل وتعذيب للطلبة في مدينة بنغازي عام 1976، وهو متهم أيضاً في قضية احتجاز طالبين ليبيين كانا يدرسان بألمانيا داخل بيت الضيافة التابع للسفارة الليبية في بون، وهناك تم تعذيبهما في عام 1982.
أضف إلى هذا صالح رجب المسماري، رئيس رابطة قبائل المرابطين بالمنطقة الشرقية، وعن طريقه يتم توجيه القبائل وتحريكها وفق منظومة النظام السابق. وكذلك الطيف الصافي، أمين شؤون الاتحادات والنقابات والروابط المهنية بمؤتمر الشعب العام في ليبيا إبان نظام معمر القذافي، وأحد أعضاء ما تسمى بحركة اللجان الثورية ومن المقربين لمعمر القذافي، عيّنه القذافي بعد عودته من أيرلندا بمنصب مدير إدارة المعلومات بأمانة الخارجية عام 1987.
حلفاء حفتر العسكريون من النظام السابق
لم يكتفِ أنصار النظام السابق بالسيطرة على المشهد السياسي فقط، بل كانت لهم سطوة ونفوذ على المشهد العسكري أيضاً، خصوصاً بعد خسارة الكتائب التابعة لحفتر من المجندين الجدد والمرتزقة بطرابلس، في أبريل/نيسان 2014.
وتمثل الدعم العسكري لأنصار النظام السابق في بقايا العسكريين النظاميين السابقين في كتائب معمر القذافي، مثل المقاتلين في كتائب خميس وسحبان وأمحمد والفضيل بوعمر وحمزة وحسين الجويفي والساعدي، وهي الكتائب القوية التي شكلها القذافي للسيطرة على ليبيا وقتها.
ومن أبرز تلك القيادات والتي تمتلك نفوذاً وقوة على الأرض العميد خالد المحجوب، الذي يشغل مدير إدارة التوجيه المعنوي التابعة لقوات حفتر بالتوازي مع المتحدث باسم قوات خليفة حفتر. واللواء عبدالله نور الدين الهمالي، آمر المنطقة العسكرية في الزاوية.
أضف إلى هذا الرائد حسن الزادمة، آمر الكتيبة 128 مشاة، والمقدم عمر المقرحي آمر كتيبة طارق بن زياد المقاتلة، واللواء عون الفرجاني، رئيس هيئة القضاء والسيطرة بقوات حفتر، واللواء فرج بوغالية، وهو مرشح مصر لخلافة خليفة حفتر في قيادة القيادة العامة شرق ليبيا، واللواء مبروك سحبان، قائد القوات البرية لقوات حفتر حالياً، ومن أبرز القادة العسكريين للنظام السابق.
مناطق السيطرة بين أنصار القذافي وحفتر
أوضحت مصادر عسكرية في شرق ليبيا، أن مناطق سرت والجفرة والحقول والموانئ النفطية وبعض مناطق الجنوب مثل زلة والكفرة وبراك الشاطئ، تسيطر عليها الكتائب العسكرية التابعة لنظام القذافي، رفقة مرتزقة روس وأفارقة من تشاد والسودان.
في المقابل، تسيطر قوات حفتر على مناطق بنغازي ومحيطها عن طريق الكتائب الجديدة التي تم إنشاؤها، والمتمثلة في الكتيبة 166 واللواء 106، التي تشمل مجندين.
وأضاف المصدر أن مناطق البيضاء ودرنة وطبرق في شرق ليبيا هي خارج نطاق سيطرة أنصار القذافي وحفتر، وتخضع لسيطرة قبائل العبيدات والبراعصة والقطعان.
حراك واسع لأنصار النظام السابق في شرق وجنوب ليبيا
يرى المحلل السياسي عمر التهامي، أن "موجة الحنين إلى عهد الأمن والاستقرار" -على حد تعبيره- في ليبيا طيلة 40 عاماً، كانت فرصة مناسبة لأنصار معمر القذافي لأجل توحيد قواهم من جديد، بتشكيل تحالف عسكري في مناطق شرق ووسط وجنوب ليبيا.
وأكد التهامي أن عدة مناطق ليبية في الفترة الأخيرة تشهد حراكاً واسعاً لأنصار نظام معمر القذافي، ونشاطاً علنياً من خلال تنظيم الاجتماعات والخروج في المظاهرات، إضافة إلى ارتفاع بعض الأصوات المنادية بالإفراج عن رموز النظام السابق.
وفي هذا السياق، فقد شكّل ضباط وعسكريون من الموالين لنظام القذافي السابق خلال اجتماع لهم في أكتوبر/تشرين الأول 2016، قيادة للقوات المسلحة الليبية في الجنوب تابعة لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً، ترأسها الفريق ركن علي سليمان كنه، الذي يعد من أبرز قادة كتائب القذافي خلال ثورة 2011.
بينما انحاز العميد محمد بن نايل، آمر اللواء 12 مجحفل، قبل وفاته الشهر الماضي إثر نوبة قلبية، لقيادة القوات الذي يقودها حفتر.
مستقبل العلاقة بين أنصار القذافي وحفتر
قال العقيد طيار سعيد الفارسي إن العلاقة بين حفتر وأنصار معمر القذافي على صفيح ساخن، بسبب دعمهم لسيف الإسلام القذافي، والذي يراه أنصار النظام السابق صاحب الشرعية في ليبيا.
وأضاف أن أنصار النظام السابق ينظرون لحفتر كـ"عميل" وجب التعامل معه للوصول إلى السيطرة على كامل المنطقة الشرقية ومدينة سرت، لتكون منطلق المرحلة الثانية للهجوم على طرابلس بعد فشل حفتر في السيطرة عليها الفترة الماضية.
وتابع الفارسي أن أنصار النظام السابق بصدد ترتيب أوراقهم، بعدما استطاعوا الحصول على الدعم الكامل من روسيا وفرنسا، لإرجاع سيف القذافي لسدة الحكم، وأنهم بصدد إقناع بعض الدول العربية الرافضة لمشروعهم بعد إنهاء سيطرة حفتر ليحلوا محله.