رحلت حكومة حسان دياب وتركت خلفها أسئلة كثيرة، لن يكون آخرها خفايا انفجار مرفأ بيروت.
الساعات الأخيرة التي سبقت الاستقالة حملت في جعبتها معاني كثيرة حول عدم قدرة السلطة على حماية الحكومة أكثر من ذلك، لتستمر رغم محاولات حثيثة للتغيير ومبادرات تبنَّتها أطراف عدة.
الانتخابات المبكرة فجَّرت الأزمة
وكشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، أن رئيس مجلس النواب، نبيه بري، كان يسعى منذ فترة للإطاحة بحكومة دياب، رغم أنها باتت حملاً ثقيلاً وأداة فاضحة لخصم بري، جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر.
كل ذلك كان رغم إصرار حزب الله على إبقائها فترةً إلى حين اتضاح الصورة، وهذا ما أكده رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، عن قيادة حزبه.
يرى بري أن دياب ارتكب خطأً عندما دعا إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، من دون تنسيق مع الأطراف المشاركة في الحكومة.
عندها بدأت هذه الأطراف تتساءل عما إذا كان دياب يتواصل مع جهات أخرى أم أنه رمى هذه القنبلة لكسب الوقت وتوفير غطاء دولي مرحلي.
أعلن برّي انزعاجه من خطوة دياب واعتبر أنه يعتدي على صلاحياته، وتؤكد المصادر أن اتصالات جرت بين بري وحزب الله، وكان بري حاسماً بأنه لن يسمح لدياب بالاستمرار كرئيس للحكومة وأن الفرصة سانحة لتهدئة الشارع الغاضب.
بيان "الأعلى للدفاع" وجهود المعارضة
يقول مصدر صحفي متابع إن الأزمة الأعمق التي عجَّلت باستقالة الحكومة، كانت ببيان من المجلس الأعلى للدفاع كشف فيه أن حسان دياب ومجلس الوزراء أُبلغا مضمون تقرير أمني حول تخزين كميات كبيرة من مادة نترات الأمونيوم في عنابر المرفأ.
وأنها مواد خطرة جداً وتهدد حياة سكان العاصمة، كما حمّل البيان دياب وحكومته المسؤولية، حيث إنه لم يقم بما يجب القيام به لمنع وقوع الكارثة.
وبعد بيان "الأعلى للدفاع" أصبحت الحكومة تتحمّل المسؤولية كاملة عن انفجار بيروت.
عندها تحركت القوى السياسية المعارضة للحكومة، وبدأ وليد جنبلاط وسعد الحريري بتحركاتهما لإدانة الحكومة؛ تمهيداً لإسقاطها.
ووضع جنبلاط خيارين لحل الأزمة: إما الحفاظ على المجلس النيابي، أو الإبقاء على حكومة دياب، وإذا لم تتحمل الحكومة المسؤولية وتستقيل، فإن استقالات جماعية ستأتي من المجلس النيابي.
عندها حدث تناغم بين جنبلاط وبرّي حول ضرورة إسقاط الحكومة والحفاظ على المجلس النيابي، وهنا لم يعُد حزب الله قادراً على منح الغطاء للحكومة، لا داخلياً ولا خارجياً.
الموقف في بعبدا كان ضبابياً، فعون لا يريد التفريط في الحكومة، وسقوطها سيمثل خسارة لحزب الله، لكن لم يعُد بالإمكان حمايتها.
لو لم يستقل دياب، لأسقط مجلس النواب الحكومة في جلسة الخميس، إذ رفض دياب أي جلسة نيابية لمساءلة حكومته، وراهن على وساطة اللواء عباس إبراهيم الذي أجرى بحسب المصادر الخاصة، زيارات مكوكية بين السراي وعين التينة، لكنه لم يفلح.
منذ مساء الأحد، كان الرئيس نبيه بري عازماً على إسقاط حسان دياب، كما كان عازماً على ألا يترك له فرصة للاستقالة، بل كان يريد إقالته، إما بالاستقالات الجماعية للوزراء وإما في جلسة إقالة وسحب للثقة دعا إليها مجلس النواب، يوم الخميس المقبل.
وحددها لمساءلة الحكومة حول أسباب انفجار مرفأ بيروت، لكن بري بقي مصرّاً على جلسة المساءلة.
لم يعُد من مجال أمام دياب للاحتفاظ بمنصبه، على الرغم من أنه انتظر مساعي اللواء عباس إبراهيم التي لم تصل إلى أي نتيجة، وقدَّم استقالته في النهاية.
الاستقالة من السراي
كان من المفترض أن تُعقد جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا، لكن بعد اتخاذ الوزراء قرار الاستقالة اتصل دياب بعون لإبلاغه.
وبحسب مصادر توجَّه إليه عون وقال له: "إذا ما كنت ستعلن استقالتك في نهاية الجلسة، فلا داعي لعقدها في القصر الجمهوري، بل أعلن استقالتك من السراي الحكومي، وفيما بعد تأتي باستقالتك إلى القصر"، وهذا ما تم التوافق عليه.
حكومة تسيير أعمال
بعد الاستقالة وصل دياب إلى قصر الرئاسة في بعبدا؛ ليسلم عون الاستقالة، وعند سؤاله عن الأسباب قال: "الله يحمي لبنان.. هذا ما أستطيع قوله".
وعقب إعلان الاستقالة توجَّه الرئيس ميشال عون إلى دياب، وشكره وشكر الوزراء، طالباً منهم الاستمرار كحكومة تسيير أعمال إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة.
بري يتصل بالحريري.. والأخير: "شروطي واضحة"
تقول مصادر متابِعة، لـ"عربي بوست"، إنه وفيما كان دياب ينتظر موعد إطلالته على اللبنانيين، كانت الاتصالات السياسية قد بدأت بين القوى للبحث عن حكومة جديدة.
وتشير المعلومات إلى أن بري تواصل مع الحريري؛ لسؤاله عما إذا كان يريد ترؤس حكومة وحدة وطنية، فلم يجب الحريري، الذي بقي مُصراً على شروطه التي كان قد وضعها سابقاً، حول عدم مشاركة جبران باسيل وحزب الله بشكل مباشر في الحكومة، وأن تؤمَّن له موافقةٌ ودعمٌ من السعودية لترؤس الحكومة.