هز مساء أمس الثلاثاء انفجار ضخم في منطقة الميناء وسط العاصمة اللبنانية بيروت أسفر عن سقوط عشرات القتلى وعدد يصعب إحصاؤه من المصابين. حدث الانفجار على مرحلتين في العنبر رقم 12 داخل منطقة المستودعات في مرفأ لبنان. تقريباً في تمام الساعة 18.08 بالتوقيت المحلي لمدينة بيروت، الانفجار الأول لم يكن ضخماً لكنه كان كافياً لإحداث الانفجار الثاني الذي وُصف بالأعنف في تاريخ المدينة التي شهدت حرباً أهلية وحروباً أشد مع إسرائيل، وتضررت على إثره مبانٍ تقع على بُعد عدة كيلومترات من موقع الانفجار. حتى وصل دويه إلى العاصمة القبرصية نيقوسيا على بعد 240 كيلومتراً، فيما سجل مرصد الزلازل الأردني طاقة الانفجار بـ4.5 درجة على مقياس ريختر. وذكر المحلل السياسي اللبناني محمد سعيد الرز أن الانفجار يوازي أضعاف الانفجار الذي أودى بحياة رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، حيث بلغت قوته 8 أطنان من التفجيرات، مقارنة بحادث الحريري الذي بلغت قوته 2 طن فقط.
وفي أول تصريح له بُعيد الحادث، أكد عباس إبراهيم مدير الأمن العام أنه لا ينبغي استباق التحقيقات، وإن كانت المؤشرات الأولية تشير إلى أن الحادث ناتج عن مواد شديدة الانفجار وليس متفجرات أو أسلحة، كما أعلنت بعض وسائل الإعلام المحلية. فيما صرح بدري ضاهر مدير عام الجمارك اللبنانية بأن الانفجار وقع في عنبر 12 الذي كان يحوي شحنة من نترات الأمونيوم. وفي كلمة بُثت لرئيس الوزراء اللبناني حسان دياب صرح بأن المستودع الذي حدث به الانفجار كان يحوي مواد خطرة تمت مصادرتها عام 2014، فيما ذكرت وسائل إعلام تابعة لحزب القوات اللبناني أن المستودع كان يحوي 11 ألف برميل تحتوي على 2750 طناً من نترات الأمونيوم ذات الاستخدام المزدوج مدني وعسكري، دون ذكر من كان المسؤول عن استيراد كل تلك الكمية أو حتى سبب تركها في مخازن المرفأ طوال الست سنوات الماضية، بخاصة أن نترات الأمونيوم هي مادة سيئة السمعة وشديدة الخطورة استخدمت لقتل 168 شخصاً في تفجير أوكلاهوما سيتي عام 1995، و202 شخص في بالي عام 2002.
معطيات ذات دلالة
إن طبيعة المادة المسببة للانفجار والموقع وتوقيت حدوثه يمكن أن تقدم لنا معطيات قد تكون كافية للوصول لحقيقة الانفجار والأيدي الحقيقية التي تقف خلف الحادث -إن كان مفتعلاً- وإن نجحت في التواري عن الأنظار، والتأثيرات السياسية المرجوة من حادث كهذا. وبالعودة إلى مادة نترات الأمونيوم، فقد ذكرت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية أن الشرطة البريطانية وجهاز المخابرات الداخلية MI5 قاموا في 30 سبتمبر/أيلول 2015 بمداهمة 4 عقارات شمال لندن عُثر بداخلها على ثلاثة أطنان من مادة نترات الأمونيوم بحوزة رجل أعمال أثبتت التحقيقات صلته بحزب الله، وهي القضية التي أثارت حينها كثيراً من اللغط في الأوساط الأوروبية، لأنها أتت بعد نحو شهرين فقط من قيام السلطات القبرصية بإلقاء القبض على حسين بسام عبدالله الناشط اللبناني الكندي في صفوف حزب الله وبحوزته 8.2 طن من ذات المادة، ورجحت مصادر للصحيفة أن تلك الكميات كانت معدة للتصدير للبنان.
سعي حزب الله منذ اليوم الأول لنهاية حرب تموز 2006 مع إسرائيل لتوفير ممرات آمنة مع حليفيه الرئيسيين في دمشق وطهران ليتمكن حينها من إعادة بناء قدراته بعد الحرب، حرص الحزب على فرض سيطرته الكاملة على الممرات البرية مع الجانب السوري وقام بزرع عدد من الكاميرات وشبكات اتصالات داخل مطار بيروت الدولي وكذلك تأمين خط بحري داخل مرفأ بيروت وهو ما رفضته حكومة السنيورة حينها واعتبرتها تجاوزات غير شرعية، وهو ما أدى لاحقاً لأحداث السابع من أيار/مايو 2008، حين اجتاحت ميليشيات الحزب بيروت وفرضت خيارها بقوة السلاح، حدث ذلك بعد شهر واحد من تقرير نشرته صحيفة هآرتس العبرية نقلته عن المخابرات الإسرائيلية يتهم حزب الله باستخدام المرفأ لاستقدام أسلحة من إيران عبر سفن مدنية، ومنذ ذلك الحين بقي المرفأ محل صراع بين اتهام إسرائيلي ونفي من حزب الله.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 27 سبتمبر/أيلول 2018، عرض نتنياهو صوراً لما ادعى أنها مواقع مدنية في بيروت يستخدمها حزب الله لحفظ مواد لها علاقة بصناعة الصواريخ الدقيقة. وفي 23 يوليو/تموز 2019 اتهم السفير الإسرائيلي بمجلس الأمن داني دنون فيلق القدس الإيراني باستخدام مرفأ بيروت على مدار عامي 2018-2019 لشحن مواد ذات استخدام مزدوج إلى لبنان لتعزيز قدرات حزب الله الصاروخية، وعرض دانون على مجلس الأمن خريطة لطرق النقل التي تُستخدم لنقل المواد لحزب الله والتي تضمنت محاور رئيسية هي ميناء ومطار بيروت وعدد من المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، مثل معبر المصنع. وأكد داني في ختام خطابه أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي، ولن تسمح لأعدائها بالتزود بأسلحة فتاكة ضدها.
وفي خطابه في 26 يوليو/تموز 2019 نفى أمين عام حزب الله استخدام مرفأ بيروت لنقل أسلحة أو مكونات سلاح إلى لبنان، مؤكداً ما قالته أمل مدللي مندوبة لبنان بالأمم المتحدة بأن الاتهامات الإسرائيلية تمثل تهديداً مباشراً على السلام والبنية التحتية المدنية للبنان، وعاد ليؤكد أن الحزب بالفعل نجح في امتلاك ما يكفي من الصواريخ الدقيقة وهو ليس بحاجة لاستخدام مرفأ بيروت في نقل مواد تستخدم في صناعة الصواريخ أو إقامة مصانع للصواريخ الدقيقة على الأراضي اللبنانية.
وفي تقرير مفصل نشره الجيش الإسرائيلي 29 أغسطس/آب 2019، ادعى بأن إيران بعد فشلها في نقل الصواريخ الدقيقة إلى لبنان لجأت إلى محاولة تصنيعها هناك، وأضاف في الفترة ما بين عامَي 2013 و2015 بدأت إيران بمحاولات لنقل صواريخ دقيقة جاهزة للاستخدام إلى حزب الله في لبنان عبر الأراضي السورية وقد جرى إحباط معظم هذه المحاولات في ضربات أُسندت إلى إسرائيل، إذ لم يتمكن حزب الله من الحصول سوى على عدد محدود من تلك الصواريخ. وزعم التقرير أن إيران قررت عام 2016 إحداث تغيير جوهري في طرق عملها، يتمثل في عدم نقل صواريخ كاملة، بل الانتقال إلى تحويل صواريخ قائمة إلى صواريخ دقيقة على الأراضي اللبنانية، من خلال نقل مواد دقيقة من إيران عبر مطار ومرفأ بيروت، بالإضافة إلى صواريخ من معهد الأبحاث العلمية في سوريا وهو المعهد الذي تعرض لاحقاً للتدمير عدة مرات جراء ضربات جوية إسرائيلية، وأضاف التقرير أنه لهذا الغرض بدأ حزب الله تأهيل مواقع داخل لبنان بما فيها العاصمة بيروت، بالتعاون مع جهات إيرانية وعلى رأسها محمد حسين زادة حجازي، قائد فيلق لبنان في قوة القدس داخل الحرس الثوري الإيراني، واعترف التقرير بقيام إسرائيل بإجراء المئات من الغارات الجوية في سوريا، بهدف إعاقة نقل الذخائر المتطورة إلى حزب الله في لبنان، وادعى نجاحها في ذلك.
توقيت الحادث
يأتي الانفجار على بُعيد أيام قليلة من قيام إسرائيل بغارات جوية استهدفت في 20 يوليو/تموز الماضي موقع قرب مطار دمشق الدولي وصف بكونه المخزن الرئيسي للأسلحة والذخائر القادمة من إيران لحزب الله، وقتل خلال الهجوم القيادي البارز في الحزب علي كامل محسن، كما يأتي الانفجار في وقت يتسم بالحساسية قبل ثلاثة أيام من النطق بالحكم النهائي في قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري عام 2005، والمتهم فيها أربعة أشخاص ينتمون إلى حزب الله الذي ينفي أي صلة له بمقتل الحريري. وهو الاغتيال الذي أشعل التوتر السياسي والطائفي داخل لبنان وفي الشرق الأوسط، خاصةً عندما بدأ المحققون يتحرون صلات حزب الله المحتملة بمقتل الحريري الذي كان يحظى بتأييد الغرب ودول الخليج العربية السنية المناوئة لحليفي حزب الله دمشق وطهران. كما يأتي الانفجار في ظل تدهور الأحوال السياسية والاقتصادية في لبنان والتي أدت إلى اندلاع مظاهرات شعبية نتيجة الأزمات التي ما زالت تواجه الدولة وهو ما أدى لانهيار الوضع الاقتصادي في ظل انهيار سعر صرف الدولار وتراجع الخدمات المقدمة للمواطنين كقطاع الكهرباء، وأيضاً تداعيات فيروس كورونا، وهي الأزمات التي يُحمل المتظاهرون حزب الله جانباً كبيراُ من المسئولية عنها بصفته مشاركاً في الحكومة والسبب الرئيسي في الُعزلة الدولية والعربية التي يعاني منها لبنان نتيجة مغامرات الحزب الخارجية في سوريا واليمن وانسياقه خلف الإملاءات الإيرانية.
رغم أن الوقت لا يزال مبكراً لتحديد الأسباب الحقيقية للانفجار، فإنه من المؤكد أنه سيمثل مزيداً من الضغط على حزب الله المتهم في مارس/آذار الماضي من قِبل سامي الجميل رئيس حزب الكتائب اللبناني بفرض الوصاية على مرفأ بيروت عبر حليفه التيار الوطني الحر الذي ينتمي له بدري ضاهر مدير عام الجمارك اللبنانية والمتهم من قِبل القوى السياسية اللبنانية بغض الطرف عن نشاطات حزب الله في المرفأ، بما فيها تمرير وتخزين مواد عسكرية في المرفق الحيوي للدولة، مما يعرض المرفأ المدني شديد الأهمية لخطر ضربات انتقامية من إسرائيل. وهو ما يُنتظر أن يُثير الجدل من جديد حول سلاح حزب الله وضرورة تسليمه للجيش اللبناني وأن يكون الأخير هو وحده المعنيّ بقرار السلم والحرب والتسليح دون الحاجة لميليشيات تمارس دور الدولة داخل الدولة وتعرض حياة المدنيين للخطر دون حساب.
المصادر:
1- إسرائيل تتهم حزب الله بتهريب أسلحة من ميناء بيروت ونصر الله ينفي
2- الجيش الإسرائيلي يزعم إحباط مخطط لحصول حزب الله على صواريخ دقيقة
3- نصر الله ينفي استخدام "حزب الله" مرفأ بيروت لنقل الأسلحة
4- سجال ساخن حول دور حزب الله في السياسة اللبنانية
5- حزب الله دولة الجريمة العميقة التي تُهدد لبنان بالانهيار
6- منافذ لبنان تتأرجح بين السلطة وأيدي حزب الله
7- انفجار كبير يهز بيروت وحالة من الهلع تسود بسبب حجم الأضرار
8- لبنان يترقب الحكم باغتيال الحريري مثقلا بالأزمات
9- حزب الله والمعابر إلى الشرعية
10- إسرائيل تكشف طرق تهريب الأسلحة من إيران إلى حزب الله
11- تل أبيب: أوقعنا (حزب الله) في خدعة أنه أصاب أهدافه لإيهامه بالانتصار.. ونتنياهو يكشف "عملية التضليل"
12- حزب الله دولة الجريمة العميقة التي تُهدد لبنان بالانهيار
13- نصر الله: حزب الله يتعمد "الغموض البنّاء" في الرد على ادعاءات إسرائيل حول مواقع الصواريخ
14- رحلة طائرة شحن بين طهران وبيروت تثير مخاوف من تسليح إيران لحزب الله بشكل مباشر
15- فرنسا حذرت لبنان من أن إسرائيل لن تقبل بوجود مصنع صواريخ مدعوم من إيران
16- هجوم إسرائيل على سوريا اليوم تصعيد حاد للمواجهة هناك
17- اسرائيل "تكشف" عن مخازن صواريخ حزب الله.. وتُحضر لعدوان على لبنان!
18- استهدف فصائل مؤيدة لإيران.. قصف إسرائيلي لمواقع جنوبي دمشق
19- موقع إسرائيلي يستعرض مواقع صواريخ لـ"حزب الله" في لبنان
20- لماذا يتكرر قصف مراكز الأبحاث بسوريا؟
21- أي علاقة لحزب الله بـ"مجزرة" مرفأ بيروت؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.