“نجوع معاً أو نشبع معاً”.. ماذا يريد معلّمو الأردن؟

عدد القراءات
5,298
عربي بوست
تم النشر: 2020/07/31 الساعة 08:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/31 الساعة 08:40 بتوقيت غرينتش
صورة أرشيفية لاحتجاجات المعلمين في الأردن/ رويترز

في يوليو/تموز من عام 2010، وفي خضمّ نشاطٍ غير مسبوقٍ للمعلمين الساعين لإحياء نقابتهم، تقوم حكومة سمير الرفاعي بإصدار قرارٍ بإحالة عددٍ من قادة لجان المعلمين على الاستيداع والتقاعد، مع نقل بعضهم الآخر من مكان عمله، في خطوةٍ كانت حكومة "الديجيتال" تظنّ بأنّها كفيلةٌ بإخماد حراك المعلمين ووأد فكرة النقابة.

لم ينتظر المعلمون كثيراً للرد على الحكومة، فكانت المعلمة أدما زريقات القيادية في حراك معلمي الكرك والمحالة على الاستيداع هي أيقونة تحركهم، عبر مسيرةٍ انطلقت من العاصمة عمان صوب محافظة الكرك دعمًا لأدما وزملائها، قبل أن يتّسع نطاق الاحتجاجات ويجبر الحكومة على الرضوخ لمطالب المعلمين بإحياء نقابتهم.

نقابةٌ شكّل النضال هويتها

كانت السلطة على علم تام بخطورة قيام نقابة معلمين قويةٍ، تستعيد أمجاد نقابة المعلمين التي أسقطت رفقة باقي القوى الوطنية حلف بغداد الإمبريالي في الخمسينيات، خصوصاً في ظلّ محيط ملتهب بثورات الربيع العربي. فسعت لتجنّب أضرار النقابة، عبر محاولة مركز صنع القرار الأمني السيطرة على انتخاباتها، وتوجيهها لخدمة مصالح النخبة الحاكمة، أو على الأقل جعلها مطيةً للسلطة كباقي النقابات المهنية.

على الرغم من البداية الخجولة للنقابة، وترك قانونها ألعوبةً بيد السلطة في البدايات، وعلى الرغم من محاولات هيمنة جماعة الإخوان المسلمين عليها عبر إقصاء العديد من المناضلين وإبعادهم عن الصورة، وهو ما شكّل ذريعةً للسلطة لضرب النقابة بحجة توجيه الإخوان لها.

ولكنّ اللحظة الفارقة حلّت عبر رمزٍ جديدٍ كان أحمد الحجايا، نقيب المعلمين الراحل، والذي ينتمي لتيارٍ "الحراكيين"، الذين تنامى دورهم بعيد أحداث الدوار الرابع التي أسقطت حكومة الملقي وأتت بوزارة الرزاز الحالية، حيث ساهم بعضٌ من الرعيل الأول من قادة المعلمين، في عقد تحالف انتخابي بين الحراكيين والإخوان، تمكّن من إقصاء مرشحي الحكومة والأجهزة الأمنية، لتنطلق حقبة جديدة من حقب نضال نقابة المعلمين.

نجوع معاً أو نشبع معاً

نجحت التوليفة واستمرّت متماسكةً لما بعد انتخابات النقابة الداخلية على عكس المتوقع، ما أثمر عن رفع سقف المطالب والتوقّعات. وهو ما حفّز مجلس النقابة للمطالبة بعلاوةٍ تمّ تمجيدها خمس سنواتٍ كاملةٍ، قبيل إطلاق النقابة سلسلة فعالياتها للمطالبة بالعلاوة، يتعرض نقيب المعلمين الحجايا لحادث سيرٍ يودي بحياته، مما يؤجج من مشاعر المعلمين ويحفّزهم للاستمرار في نضالهم، على الرغم من قمع اعتصامهم الشهير في سبتمبر/أيلول الماضي. وعلى الرغم من تجييش كل أدوات هيمنة الدولة ضدهم خلال إضرابهم الذي استمرّ شهراً، وهو ما أثمر انتزاعهم العلاوة مع سلسلةٍ من المكاسب الأخرى، في اتفاقهم مع حكومة الرزاز، الذي أنهى أطول إضرابٍ مهنيٍ في تاريخ الأردن.

خطاب المعلمين الذي بدأه الراحل الحجايا بمعاداة التحالف الطبقي الفاسد "النخبة الحاكمة" واختتمه نائبه ناصر النواصرة -المعتقل حالياً- بقولته الشهيرة "نجوع معاً أو نشبع معاً" أسهم في إيجاد التفافٍ شعبيٍ هائلٍ حول حراك نقابة المعلمين، مما أذهل السلطة وأثار حنقها. ومن ثم تحاول أن تستغلّ جائحة كورونا للانتقام من عموم الناّس بما فيهم المعلمين، عبر إلغاء العلاوات التي تمّ اقرارها بداية العام. قبل أن تقوم السلطة "مجسدة مصالح التحالف الطبقي" بالانقلاب على نقابة المعلمين، عبر اعتقال أعضاء مجلس النقابة وإغلاق فروعها في مختلف المحافظات، وتسليم إدارتها لهيئةٍ وزاريةٍ معاديةٍ للمعلمين، مع ما رافق ذلك من اعتقالاتٍ لرؤساء بعض الفروع وعددٍ من المعلمين الناشطين من الهيئة المركزية.

بعد أيامٍ قلائلٍ يعلن رؤساء الفروع عن اعتصام مركزي على الدوار الرابع "مقر الحكومة"، بعد سلسلةٍ من الاعتصامات التي تم تنفيذها في مختلف المحافظات، رفضًا لتغول السلطة على النقابة ووضع يدها عليها. يعتقل معظم رؤساء الفروع الداعين للاعتصام، وتحاول السلطة تضليل المعلمين ومن يساندهم وترهيبهم من المضي قدمًا في الاعتصام، ولكن دون طائلٍ. إذ بالرغم من منع وصول الاعتصام لمكان انعقاده، إلا أنّ المعلمين والوطنيين الأردنيين والقوى السياسية والاجتماعية المساندة لهم، قد تمكنوا من خلق العديد من بؤر الاحتجاج داخل العاصمة بما يشكل حصاراً لحكومة الرزاز الليبرالية المتطرّفة والحامية لمصالح التحالف الطبقي الجاثم على صدر الأردن، في إثباتٍ جديدٍ من منتسبي نقابة المعلمين ومسانديهم، على قدرتهم على المضي بعيداً في النضال ومجابهة السلطة، كما فعلوا قبل عقدٍ من الزمان.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسر المعادات
مدرس وكاتب أردني
مدرس وكاتب أردني
تحميل المزيد