أزمة اقتصادية طاحنة ونظام يتهاوى شعبياً.. ما الحل؟
اخلق عدواً، قم بشيطنته، حضر أجواء الحرب، واستحضر روح العراب جوزيف غوبلز، وستنجو وتنجح.. تلك وصفة مجربة وتنجح دائماً.
أمارات الفشل
سقط نظام بثورة شعبية، جاء بعد ذلك رئيس إسلامي في أول انتخابات ديمقراطية في طريق البلاد، لكن دبر له ولحزبه انقلاب عسكري بتحالف الجيش مع التيارات الكارهة للإسلاميين. في بادئ الأمر، اعتمد الجيش على دعمهم ومساندتهم له قبل أن يرى في مرحلة لاحقة أنهم أصبحوا عبئاً صداعاً في رأسه، فانقلب عليهم وأسقطهم من سفينة الحكم.
ليتبقى للجيش حليف مدني واحد، وهم من يطلق عليهم "الدولجية"، نسبة إلى تأييدهم المطلق للدولة، وهم شبكة كبيرة من أصحاب المصالح المرتبطة بالنظام وعائلاتهم ودوائرهم تدور في فلك الدولة سياسياً واقتصادياً. لكن وكعادة الأنظمة التي تمسك في يدها بندقية وفي الأخرى دعماً اقليمياً كبيراً بدأت في مقاسمة أصحاب الأموال "الدولجية" أرباحهم، ما أثار سخطاً مكتوماً وأشعل بعض النيران تحت الرماد.
أمارات الفشل في ملفات تمس العامة من الشعب، كوسائل النقل وارتفاع أسعار كل صغيرة وكبيرة، زادت من السخط المكتوم، لكن ليس هناك من يستغل ويستثمر في هذا السخط في قبضة أمنية محكمة ودولة بوليسية متوغلة في كل صغيرة وكبيرة، وتنازع المعارضة في الداخل والخارج.
الوحيد الذي ترجم ذلك السخط إلى حركة على أرض الواقع كان الفنان المقاول محمد علي الذي ترجم الغضب الشعبي إلى مظاهرات في الـ21 من سبتمبر/أيلول العام الماضي. كان وقع المفاجأة كبيراً، وأدرك النظام وحلفاؤه الإقليميون ومن تبقى من داعميه أن أسطورة شعبية البطل المنقذ الذي يحبه الصغير والكبير قد انتهت إلى غير رجعة. وأدرك النظام أن الأسلوب الأمني التقليدي يجب أن يتم بتفعيل أقصى درجات القمع، وبالفعل قمعت المظاهرات وقبض على الناس عشوائياً وانتهت الموجة ولكن لم تنتهِ تداعياتها.
كان أحد أكبر تداعيات موجة سخط سبتمبر/أيلول هو أن عبدالفتاح السيسي ومنذ اللحظة الأولى يصدر للأطراف المحلية والدولية فكرة أنه رجل الجيش، تلك المؤسسة التي طالما ارتبطت في أذهان المصريين بالمنقذ البطل الذي يعمل للوطن ويضحي بالدماء لأجله، لكن تلوثت تلك النظرة بعد ظهور محمد علي، وطال المؤسسة العسكرية ما طال عبدالفتاح السيسي من انتقاد، وانتشرت الانتقادات داخل الجيش وفي داخل الأوساط الشعبية الداعمة للنظام.
ثم جاءت أزمة وباء كورونا مما أثر اقتصادياً على النظام وعلى ما وعد به الشعب من رؤية مصر أخرى في يونيو/حزيران 2020 وزادت الضرائب مرة أخرى حتى تحول الأمر إلى ما يشبه الجباية مما زاد السخط.
والآن، تطفو على السطح أزمة سد النهضة تلك الأزمة الوجودية لا على النظام وحده، بل على مصر كشعب وإقليم. والمعضلة أن النظام يبدو عاجزاً، وخياراته محدودة. وقد يظهر هو وجيشه أمام الشعب بمظهر الضعيف المتهاون، رغم كل تلك الأموال التي أنفقت في صفقات التسليح.
مقادير الخلطة
أين المفر إذن؟ من هو المنقذ؟ كيف يخرج النظام من كل تلك الزوبعات؟
كيف نوجه الأنظار والقلوب إلى شيء أكبر؟
كيف نستعيد التفاف الشعب حول الجيش ورجله في الحكم؟
الإجابة لكل تلك الأسئلة هي الحرب.
نعم، الحرب. والحرب هنا لا يقصد بها الحرب بمعناها القتالي الحرفي ولكن أقصد بها أجواء الحرب. وتبدو ليبيا مكاناً مثالياً لتحقيق ذلك الهدف وضرب كل عصافير الشجرة بحجر واحد.
حشد القوات وإقامة المناورات على الحدود ووضع الخطوط الحمراء ثم حشد الداخل بموافقة البرلمان لرجل يعلم وكلنا نعلم نظرته ونظامه للديمقراطية. ثم الحشد الإعلامي غير المسبوق، وقرع طبول الحرب حتى تصم الآذان عن كل ما عداها. ولا أفضل من حرب ضد تركيا حامية ومستضيفة جماعة الإخوان الهاربين من بطش النظام.
بالنسبة للنظام المصري، تلك معركة مثالية ضد عدو مثالي يضع فيها النظام الشعب في أجواء حرب ومعركة مشكوك في قيامها من الأساس، ويحشد اصطفافاً يحتاجه أكثر من أي شيء آخر ويستعيد سمعة مؤسسته العسكرية التي طالها ما طال رجلها الحاكم من السخط وغضب.
خطة يبدو أنها جيدة وأنها نجحت إلى حد كبير، حتى انضم للحملة والحشد محسوبون على المعارضة الناعمة وأطياف من المعارضة الخشنة، حتى أصبح يوصم من يتحدث بعقلانية وتروّ بالخيانة والوقوف في جانب الأعداء، وأنه تركي الجنسية وليس مصرياً.
لا شيء ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة أو معركة الصوت.
تلك خطة مجربة ومؤكد نجاحها في معظم الحالات، خطة تنجح منذ ابتدعها جوزيف غوبلز. وكما كان يردد الضابط حسام المساعد لسراج بيه في فيلم "لا تراجع ولا استسلام (القبضة الدامية)": "يا باشا اتعملت في ثلاث مئة فيلم قبل كده ونجحت".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.