في 13 يوليو/تموز وبعد عشرة أعوام من المباحثات وأحد عشر يوماً متتالياً من الاجتماعات، انتهت بالفشل المفاوضات التي شارك فيها وزراء المياه من الدول الثلاث المعنية بسد النهضة، بالإضافة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ونظيره الإفريقي وبمشاركة خبراء ومراقبين دوليين. أعقب ذلك إعلان إثيوبي صريح عبر تغريدة لوزير المياه والري سيليشي بقلي، أقر بالنتيجة ذاتها وإن ادعى حدوث تقدُّم في المفاوضات لم يفضِ إلى حل يُرضي أطراف النزاع.
بعد أن أطلقت إثيوبيا رصاصة الرحمة على جميع الحلول السلمية، فتحت الدولة الحبيسة، الباب على مصراعيه للحديث عن حلول عسكرية للأزمة التي تعتبرها القاهرة وجودية، تهدد مصير ما يزيد على 150 مليون إنسان على ضفاف النهر الذي تتطلع إثيوبيا إلى تحجيم جريانه ببحيرة تخزينية تبلغ سعتها ما يناهز 74 مليارم3، وهو ما لمَّح إليه وزير الخارجية المصري سامح شكري، بقوة حين قال إن الخط الأحمر لمصر هو ˮحدوث ضرر جسيم، ومصر وأجهزتها لن تتوقف دون التعامل معه بحزم".
فهل تملك العسكرية المصرية القدرة على القيام بعملية مماثلة؟ هذا ما سوف نستعرضه في السطور القادمة.
عملية عسكرية محفوفة بالتحديات
قد يبدو من الوهلة الأولى أن عملية عسكرية مصرية ضد السد الإثيوبي عمل شديد التعقيد والصعوبة؛ وذلك لعدة تحديات يمكن إجمالها في عدم وجود حدود برية مشتركة، وطول المسافة بين الدولتين (1400كم)، والحياد السوداني وصعوبة استخدام أراضي دولة حدودية لشن الهجوم؛ كي لا تعرض نفسها لعمليات انتقامية إثيوبية، كما ستكون مغامرة إنزال جوي لقوات خاصة لتفخيخ السد سيناريو أشبه بعملية مطار لارنكا في قبرص 1978.
الخيار البحري أيضاً مستبعد حتى في حالة امتلاك مصر "صواريخ كروز من طراز هاربون بلوك II"، إذ إن الكثافة النيرانية والقدرة التدميرية للصاروخ غير قادرة على التعامل مع ذلك البناء الخرساني الضخم الذي يبلغ عرضه 1800 متر وارتفاعه 170 متراً وحجمه 10 مليارات م3 من الخرسانة، وهو ما يفرض على مصر استخدام قنابل خارقة للتحصينات "بانكر باستر"، وهنا يبقى خيار القيام بضربة جويةٍ الأمر الأكثر احتمالية.
كما هي العادة في الحروب الحديثة تتراجع أهمية القوات البرية لصالح قوة الجو الضاربة، وفي الحالة المصرية تبدو الخيار الأمثل، خاصةً في ظل امتلاك القاهرة عدداً من المقاتلات القادرة على القيام بالمهمة. لكن قبل الحديث عن الإمكانيات الهجومية لمصر وجب الحديث عما تملكه إثيوبيا من أسلحة وتحصينات في وجه عملية عسكرية مصرية مرتقبة.
الأسلحة الإثيوبية
الاستعداد لأي ضربة جوية مرتقبة يكون عبر التأمين الجوي بالمقاتلات القادرة على الاشتباك أو منظومات الدفاع الجوي القادرة على توفير الغطاء الجوي وإسقاط التشكيلات المهاجمة، وفيما يخص المقاتلات تقتصر ملكية سلاح الجو الإثيوبي على 14 طائرة متعددة المهام من طراز Su-27 SK تم شراؤها مستعملة في الفترة 1999–2003، سقطت إحداها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بمجرد إقلاعها من قاعدة ديبريزيت الجوية التي تبعد 50كم شرق العاصمة، عقب اشتعال المحرك المتهالك؛ في حين تتمثل المقاتلات الباقية في الـ21ـ MigوالـMig-25 وهي متهالكة.
الدفاع الجوي الإثيوبي
أما فيما يخص منظومات الدفاع الجوي، فقد أوردت صحيفة "السوداني" في عددها الصادر يوم 23 يونيو/حزيران الماضي، نقلاً عن مصادر وُصفت بالمطلعة على شؤون الدفاع والأمن في الجيش الإثيوبي، أن الأخير قام مؤخراً بنشر عدد من نظم الدفاع الجوي بالقرب من موقع السد، بهدف تأمينه، تمثلت أهمها في منظومة بانتسير نسخة Janus تم نشرها مارس/آذار الماضي، وهو نظام دفاع جوي قصير-متوسط المدى يصل مداه إلى 20كم، بالإضافة لمنظومة S300PMU1 وهي منظومة صاروخية بعيدة المدى روسية الصنع بمدى يصل إلى 149كم (وكلتا المنظومتين أثبتت فشلاً ذريعاً في المعركة بسوريا ولم تنجح في التصدي للهجمات الإسرائيلية أو حتى المُسيّرات التركية)، وأنظمة الدفاع الجوي S-125M1 أو ما يُعرف باسم سام 3، وهي منظومة سوفييتية متقادمة بمدى يصل إلى 35 كم، وجميعها أنظمة روسية متقادمة تهدف إلى تقديم الغطاء الجوي للسد كوسيلة رادعة تجاه أي مُخططات تستهدف المساس به.
كما يجري الحديث عن منظومة الدفاع الجوي سبايدر- إم آر الإسرائيلية، تحدثت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية "موقع ديبكا المُقرّب من الموساد"، عن تزويد الكيان الصهيوني لإثيوبيا بها، فيما أصرت القاهرة على نفي الخبر وشككت في مصداقيته، وهو ما أكدته جريدة ˮميديل إيست مونيتور" نقلاً عن مسؤول إسرائيلي أكد أنه لا يمكن أن تضحي إسرائيل بمصالحها مع حليفٍ مهم مثل مصر عبر بيعها أسلحة لإثيوبيا. وإذا ما صدقت تلك الشائعات فإننا إزاء منظومة دفاع جوي بمدي 50كم، شاركت هذه المنظومة في المناوشات الهندية الباكستانية في إقليم كشمير فبراير/شباط 2019، وحينها استطاعت الطائرات الباكستانية أن تخدع المنظومة، ونفذت المقاتلات الباكستانية من طراز F-16 وميراج عملية في العمق الهندي دون خسائر، ولم تستطع السبايدر التصدي، بل العكس أصابت بالخطأ مروحية مي-17 هندية؛ وهو ما أدى إلى مقتل طاقمها.
القوات الهجومية المصرية
وبالنظر بدقة إلى القوات المسلحة الإثيوبية نجدنا أمام سلاح متهالك ومنظومات دفاع جوي متقادمة أو لم تثبت كفاءة قتالية يبلغ مدى أقصاها 149كم. وحين الحديث عن المقاتلات الهجومية المصرية، تعد المقاتلة الفرنسية الرافال درة تاج سلاح الجو المصري، وهي طائرة متعددة المهام من الجيل الرابع ونصف؛ تكمن أهم مزاياها في قدرتها على القيام بجميع المهام التي قد تُطلب في المعركة، فهي مقاتلة تملك حزمة حرب وحماية إلكترونية من طراز Spectra تصنف من ضمن الأفضل على العالم، قادرة على إعماء جميع منظومات الدفاع الإثيوبي، إلى جانب نظام الرصد والتعقب الحراري القادر على رصد هدف جوي من مسافة 130كم.
وباستخدام Scalp EG وهو صاروخ جوّال موجَّه بنظام الملاحة بالقمر الاصطناعي والقصور الذاتي INS، بمدى 300كم، ويتميز برأس حربي زنة 450كغ مزدوج الشحنة لاختراق التحصينات ثم الانفجار داخل الهدف، بإمكان الطائرة تحييد جميع الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي حول السد، كما يمكنها أيضاً تدمير الطائرات والمطارات في حال نجحت في الوصول دون أن يتم رصدها، أما في حالة رصدها واضطرارها إلى القتال، فالرفال المصرية مسلحة بصواريخ جو/جو من طراز EM Mica الراداري بمدى 80كم، وMica IR بمدى 60كم، وهي قادرة على توفير الحماية الكاملة لجميع المقاتلات المرافقة لها كطائرات القصف الأرضي والحرب الإلكترونية أو طائرات التانكر "التزود بالوقود في الجو"، كما تملك الرافال سلاحاً آخر فتاكاً قادراً على التعامل مع السد ذاته وهي قنابل AASM Hammer، ويُمكن تزويده بالرأس BANG الخارق للتحصينات، من مدى يصل إلى 70 كم.
يمكن أن تشارك في العملية المقاتلات من طراز F-16 Block 52، وهي متعددة المهام تتميز بقدرتها على القصف الأرضي بمدى أقصى يبلغ 4220كم في حالة تزويدها بخزانات وقود إضافية، مع بودات تهديف حديثة، أبرزها "سنايبر" القادر على إطلاق قنابل GBU-31 عالية الدقة زنة 907 كغ، كذلك قنابل GBU-28 الذكية الخارقة للتحصينات زنة 2.2 طن، وتمتلك رأس BLU-113 Super Penetrator خارقاً.
كما بإمكان مقاتلات Mig-29M المشارَكة في القتال الجوي؛ فهي مزودة بصواريخ R-77 بمدى 110كم، والقيام بأعمال القصف فهي مزودة ببود T-220 وذخائر موجهة عالية الدقة مثل صواريخ KH-31PD المضادة للإشعاعات الرادارات، بمدى يصل إلى 250 كم.
وفي حال قرر الجيش المصري إحداث تدمير شامل للسد، فسيكون على سلاح الجو استخدام قنابل ضخمة، يمكن نقلها باستخدام طائرات من طراز C-130 Hercules أو76 Ilyushin، وكلتاهما قادرة على حمل أكثر من قنبلة عملاقة من طراز نصر 9000، وهي قنبلة وقود غازي فراغية تزن 9 أطنان، وقد تم تصنيعها في مصر منذ أواخر الثمانينيات.
تلك المجموعة القتالية ستكون بحاجة لعقل قادر على التنسيق والقيام بحظر جوي وحماية التشكيلات المهاجمة؛ لذا قد تشارك طائرات الأواكس والإنذار المبكر E-2C التي لديها رادار بمدى 650 كم، قادر على رصد جميع الأهداف في زاوية 360، يمكنها التعاون مع القمر الصناعي EgyptSat A المزود بمنظومة إلكترونية بصرية متطورة لمعرفة نوع الطائرة المعادية، كذلك الاتصال بالقواعد الجوية، وقيادة عمليات الاعتراض الجوي من البداية إلى النهاية، وتوزيع الأهداف وتوجيه المقاتلات وإنذارها من اقتراب الطائرات المعادية.
سابقة تاريخية
تاريخياً، هناك عملية واحدة لتدمير السدود تمت خلال الحرب العالمية الثانية وبالضبط يومي 16 و17 مايو/أيار 1943، وتُعرف بـ"عملية تشاستيس" حين استهدفت القاذفات البريطانية سدوداً ألمانية تنتج الكهرباء لمصانع السلاح باستخدام قنبلة انزلاقية انفجرت على قاعدة السد، وهو ما يمكن للعسكرية المصرية تكراره بسهولة بفعل الهوة الشاسعة بين الدولتين في الإمكانات.
وفي حين يتحدث البعض عن تحدٍّ يكمن في المسافة بين الدولتين في ظل عدم امتلاك مصر طائرات تانكر، يمكن الرد بأن الرافال تملك مدى يصل إلى 3700 كم، وبإضافة خزانات وقود للطائرات الأخرى، يمكنها جميعاً القيام بالأعمال القتالية والعودة بأريحية تامة، هذا بالإضافة إلى إمكانية استخدام تقنية التزود بالوقود المتبادل Buddy to buddy refueling التي تدربت عليها المقاتلات المصرية في مناورات حسم 2020 منذ أيام، كما يمكن استخدام طائرة تانكر، من طراز A330 التابعة لدولة الإمارات والموجودة في قاعدة "جناكليس" العسكرية المصرية، إذا ما سمحت بذلك، كما بإمكان القاهرة استخدام قواعد قريبة من السد في جنوب السودان "قاعدة باجاك" التي تبعد 350 كم أو إريتريا "قاعدة نوارة أو ساوا 750 كم"، أو حتى المملكة العربية السعودية "جزر فرسان"- وجميعها قواعد شهدت وجوداً متكرراً للجيش المصري- لقصف السد من مناطق قريبة، وحينها قد لا نحتاج لخزانات وقود إضافية، مما يمكّن المقاتلات من زيادة الحمولة التسليحية، غير أن استخدام قاعدة أبو سمبل الجوية يبدو السيناريو الأكثر احتمالية.
بعد تلك الجولة في القدرات التسليحية المصرية، لا يمكننا إغفال الصواريخ الباليستية التي تعتبر الذراع الطولى لمصر، إذ نجحت في 2001 في الحصول على 24 صاروخ نودونج وتكنولوجيا تصنيع هذه الصواريخ من كوريا الشمالية، وإعلان مراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية أن البرنامج الصاروخي المصري نجح تماماً في شراء وإنتاج صواريخ بمدى يزيد على 1300كم، رغم تعهد القاهرة بعدم اقتناء صواريخ يتعدى مدها 300كم.
ختاماً يجب القول إن الجيش المصري يمكنه تقنياً تنفيذ ضربة عسكرية حاسمة لإثيوبيا ولأي دولة تهدد أمنها القومي، لكن يبقى قرار التنفيذ حبيس أدراج وتقديرات القيادة السياسية وموازناتها بين تنفيذ ضربة تُكسبها مزيداً من المكانة بين قيادات الجيش التي تضغط لتنفيذ العملية -في ظل توافر الإمكانات- وتزيد من شرعيتها بين أنصارها وتخفف الضغوط الحالية من على عاتقها والناتجة عن انسداد الأفق السياسي وقمع الحريات والإخفاقات المتتالية في الملف الاقتصادي؛ بل الملف الدبلوماسي الخاص بتلك الأزمة، أم سيعول على القمة الإفريقية المزمع عقدها برعاية جنوب إفريقيا، ويقدم مزيداً من التنازلات؛ خشية الضغوطات الدولية ويفضّل مقايضة الصمت ببقائه على رأس النظام وإن مات شعبه عطشاً؟!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.