التحرش للجميع.. هل ينجح الحجاب في الحماية من الاعتداء الجسدي؟

عدد القراءات
11,319
عربي بوست
تم النشر: 2020/07/14 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/14 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش
الاغتصاب الزوجي، الحق في الإجهاض، الشراكة بدلاً من الزواج.. كيف يتم فرض أجندات غربية بدلاً من قضايانا العربية العادلة؟

"تقدم أي مُجتمع يُقاس من خلال وضع المرأة فيه"

  • الفيلسوف الألماني كارل ماركس

 لا حاجة للتساؤل عن أوضاع المرأة في مصر،  فالأرقام تصرخ في وجه الجميع:
99% من المصريات تعرضن للتحرش حسب استقصاء وكالة رويترز. وإن لم تحرك الأرقام المجتمع قيد أنملة، فربما صرخات النساء وهن يروين قصص الانتهاكات الممارسة في حقهن ستغير من واقعهن المظلم، أو هكذا يظن أمثالي من المتفائلين.

منذ الربع الأخير للقرن التاسع عشر، وقضية المرأة تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام المثقفين وأصحاب الفكر، ولا تزال القضايا التي طرحت على مدار القرن الماضي تطل برأسها بين الحين والآخر. لم يطرأ تغيير كبير في السجالات الدائرة منذ ذلك الحين، فلا تزال المرأة محصورة حائرة بين ثنائيات العمل أم الأسرة، السفور أم الحجاب، وهلم جرا.

انطلقت النساء بعد أن فاض بها الكيل جراء ما تعانيه من تمييز اجتماعي وسلطة ذكورية، تروي الانتهاكات الممارسة ضدها لا في الشوارع فقط بل داخل جدران المنزل أيضاً، تحرش وضرب واغتصاب، مع خوف وقلق من النبذ والوصم بالعار للأبد.

كتبت النسخة الأولى من هذا المقال بالأمس، وما كان ملاحظاً عليها منذ الفقرة الأولى أنها محملة بالغضب والاشمئزاز والزعيق، يرجع السبب الرئيسي لتلك النبرة الحادة إلى إصرار الكثيرين على تعليق المسؤولية الكاملة على شماعة ملابس المرأة..  أمي وأختي وقريباتي ومعارفي من الإناث هنّ السبب في تحرش المتحرشين.

على كلٍ، قمت بتهدئة نفسي، وعدلت أوتاري، وعدت أتعجب من التمسك بتلك الشماعة المهلهلة رغم أن كل الدلائل تثبت زيف ذلك الادعاء.

ففي دراسة رويترز المشار لها في الفقرة الأولى، حلت السعودية في المرتبة الثالثة كثالث أسوأ دولة عربية، إذ بلغت نسبة النساء اللواتي تم التحرش بهن 24%، وهي نسبة أعلى بمراحل من البلاد الأوروبية، ألمانيا (5%)، بريطانيا (4%)، إسبانيا (6%)، والسويد (3%).
ماذا ترتدي النساء في السعودية ليتم التحرش بهن أكثر من أوروبا؟ 

"لنا الحق في اختيار أقوال الفقهاء التي تستوجب لنا يسراً، بل لنا أن نضع الحد بأنفسنا بحسب الزمان والمصلحة وضرورة الحياة"

  • الكاتبة اللبنانية نظيرة زين الدين

إذا ناقض المرء نفسه، فهو يضع حديثه بالكامل في سلة المهملات؛ إذ يطلق بذلك ثرثرة دون معنى. لكن تقع الكارثة عندما يكون شخصاً متناقضاً، لكن مؤثراً، يمتلك سلطة إقناع شرائح واسعة. في تلك الحالة، يكون تقديم مبررات في صيغة أسباب وشروحات لارتكاب تلك الجريمة، لا يظهرك بغير صورة الوحش ينهش بأنيابه ما تبقى من ضمير أتباعه.

شتان الفارق بين ما يدعيه المرء عن نفسه، وما هو حقاً. 

أحد ما يَدَّعي بأنه علامة يعرف بواطن الأمور، يمكنه الحكم والفصل كيفما شاء في شتى مناحي الحياة، شدد لأكثر من مرة على أن ملابس المرأة أحد الأسباب الرئيسية لتفشي وباء التحرش والاغتصاب في المجتمع.

رغم أن الدراسات والتحقيقات الصحفية والاستقصائية تنسف ذلك الادعاء، على الأقل في مصر، إذ يكفي أن نشير لدراسة المركز المصري لحقوق المرأة (ECWR) عام 2008، حيث كان 72% من النساء اللاتي تعرضن للتحرّش يرتدين الحجاب أو النقاب.

ما أعرفه أن الحكم على المرء لا يرجع لملابسه ولا طريقة سيره فلم تعد تلك الأشياء تعكس مهنة أو مكانة الإنسان في المجتمع، ومثل تلك المبررات تعطي أعذاراً للجاني على جرمه. فعلى الرغم من الزعم بأن حشمة المرأة ستحد من التحرش؛ إلا أنه يفاقم الكارثة ويشعر الذكر المستمع بأنه لا يملك قدرة على التفكير أو التحكم في غرائزه ويلقي مسؤولية تجنب التحرش على المرأة دون مطالبة مجتمعية صارمة وقانونية واضحة من الرجال بعدم التحرش.

إذا كنت أتضور جوعاً وقابلت شخصاً يتناول شطيرته في الشارع، لن تدفعني الحاجة البيولوجية للغذاء للتحرش بطعامه، لأنه من غير المنطقي التعدي على حق الإنسان فيما يملك، ولأنني أعلم أن هذا الفعل يعاقب عليه القانون وأن ردود فعل المارة والشرطة وصاحب الشطيرة قد تجعل العواقب وخيمة.
والسؤال هنا لمن يرتكز على عكاز الغرائز الفطرية الوهمي، أليس الجسد من أثمن ما يملك المرء منا إن لم يكن الأثمن؟
الحقيقة أن الأغلبية ما زالت تتعامل مع المرأة كجسد فقط، جسد بلا فكر أو إرادة. مجرد مصدر للشهوة والإغواء، عرضة للنظر واللمس والضرب والإهانة إذا تطلب الأمر. 36% من النساء المصريات تعرضن للضرب من قبل أزواجهن أو آبائهن، حسب دراسة أجرتها الأمم المتحدة في مصر.

يخدع الواهم ضميره، ويحتال على إنسانيته، فهو يلتف على شعور الذنب بلوم الضحية، وهي ظاهرة نفسية تعرف باسم  تقليل الاستياء. إذا كانت تلك الظاهرة النفسية هي السبب، فبداية العلاج تكمن في الاعتراف بالمرض. المرأة إنسان بالمقام الأول وليست فريسة تمشي في الشارع.

بالنسبة لنا هنا، من نؤمن حقاً بقضايا الإنسان العادلة، يجدر بنا ألا نظهر أي تهاون بوجه من يسمم أفكار المجتمع. وفيما يخص المرأة المضطهدة، فإن التهاون والتشويش على المرض هو نفاق في أفضل الأحوال، والنفاق يصبح نذالة وخيانة بأسرع مما تتخيل.

إن ممارسات السلطة تجاوزت حدود الأسرة وشملت كافة مناحي الحياة في مصر، وإذا نجحت الحركة النسائية غير المنظمة في الحصول على إقرار بوجود اضطهاد دائم يمارس في حقها، فهناك نتيجة أخرى يجب بروزتها في الصورة الكبيرة، وهي أن ممارسات العنف ممنهجة ومدفوعة من أصحاب مصالح لديهم نزعة سلطوية وشهية للهيمنة لا تهدأ أبداً.

" أنا لا أفصل بين تحرير المرأة وتحرير الوطن". 

  • الكاتبة نوال السعداوي

ينطلق المحلل النفسي الشهير فيلهلم رايش لتوضيح ما يدفع البعض لتبني ما يمكن أن نسميه بالنزعة التدميرية وحب الخراب، فيكتب عن هؤلاء المطالبين باستخدام أدوات العنف لتكبيل حرية الآخرين بأنهم يعانون من "الطاعون العاطفي". وصل فيلهلم رايش لاستنتاج مفاده أن المصاب بالطاعون العاطفي لا يكتفي بتبني خطاب معاد للمختلفين في المجتمع، بل يبلغ في السوء أقصاه بدعم وتفضيل الأنظمة الشمولية الغاشمة.

وهذا الطاعون أجزم أنه أشد خطورة وتدميراً لمستقبل المجتمعات من فيروس كورونا الذي يعصف بالعالم حالياً، كلاهما له نفس الخصال المعدية، ينتقل من شخص لآخر؛ فيتشرب المرء منه ما يكبح رغبته وحبه للحياة وينمو معه كما ينمو جسده بحليب أمه. دفاعاً عن الشرف والفضيلة تستباح المرأة بفعل تأثير الخطاب الرجعي المطالب بتشكيل المجتمع كله على نفس الصورة.

من لا يملك سلطة إقناع مثل صاحبنا رجل الدين المؤثر، هو العنصر المنفذ لأفكاره الرجعية، يعيش عصوراً طويلة بسذاجة، ثم دهشة، وأخيراً بفزع وخوف إذا انكشفت حقيقته أمام نفسه، ويطلق رايش عليه "الرجل الصغير" كيف تألم وتمرد كيف قتل الإنسان بداخله كيف قدس أعداءه، وقتل أصدقاءه، كيف أساء لنفسه بالتوحش ضد مجتمع ومارس نفس الاستغلال، تماماً مثلما كابده في السابق من طرف بعض الساديين أو أصحاب القرار.

وأختم بمطالب إيما غولدمان عندما قالت: "أطالب باستقلالية المرأة، بحقها في أن تعيل نفسها، في أن تعيش لنفسها، في أن تحب من تشاء، بقدر ما تشاء.. أطالب بالحرية لكلا الجنسين، حرية في التصرف، حرية في الحب".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أشرف
كاتب وقاص مصري
كاتب وقاص مصري مهتم بالثقافة العربية وعلم الاجتماع وتقاطعاتهما مع عالم الرياضة
تحميل المزيد