منذ ثورات الربيع العربي قبل عقدٍ تقريباً، تبنَّت السعودية والإمارات موقفاً مناهضاً للثورات في كل مكان وسعت إلى إيقاف المد الثوري، وحققت في سعيها المحموم نتائج ضعيفة.
لقد أدَّت ثورات الربيع العربي إلى شقاق سياسي وجيوسياسي، وارتبط الشقاق السياسي بخلاف الأنظمة المختلفة التي فرضت نفسها على الشعوب العربية، بينما ارتبط الشقاق الجيوسياسي بتوازن القوى في العالم العربي.
ومنذ اندلاع الثورتين التونسية والمصرية أصبح هناك ثلاثة محاور جيوسياسية واضحة في الشرق الأوسط؛ محور مناهض للثورات بشكل علني بقيادة السعودية والإمارات، والمحور الإصلاحي الإسلامي (المؤيد للثورة ولجماعة الإخوان المسلمين وفروعها) بقيادة تركيا وقطر، ومحور "المقاومة" (مقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل)، والذي يتمثَّل في إيران وسوريا وحزب الله.
التحيزات السياسية والاستراتيجية
على غرار روسيا، رأى المحور المناهض للثورات أن الانتفاضات العربية تمثِّل تهديداً، لا سيما الإسلام السياسي، بينما دعم المحور الإصلاحي الإسلامي ظاهرة الثورات وكافح من أجل انتصار الإسلام السياسي في العالم العربي. ورحَّبت إيران بالانتفاضات العربية صراحةً، لما سببته من اضطرابات لجارتها اللدود، السعودية.
ومثَّلت الصراعات المسلحة في ليبيا وسوريا اختلافاً طفيفاً في هذه المواقف المعلنة. بينما كان "محور المقاومة" يفضِّل الحفاظ على الوضع الراهن، اصطف محور الرياض-أبوظبي مع محور أنقرة-الدوحة من أجل إطاحة معمر القذافي في ليبيا وبشار الأسد في سوريا. وفي الحالة السورية، كان الهدف الأساسي للسعودية هو كبح النفوذ الإيراني في المنطقة.
في الواقع، تأسَّست تلك المحاور بناءً على التحيزات السياسية والاستراتيجية وليس على اعتبارات دينية. ليس الخلاف بين السنة والشيعة هو ما يحدد الانقسامات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. السمة الرئيسية لمحور الرياض-أبوظبي ليس الدفاع عن السنة، وإنما التقارب مع واشنطن، والميل إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والعداء تجاه إيران (وهو ما تهتم به السعودية أكثر من الإمارات) وانعدام الثقة الكبير تجاه جماعة الإخوان المسلمين (وهو ما يخص الإمارات أكثر من السعودية).
في يوليو/تموز 2013، حققت السعودية والإمارات انتصاراً كبيراً في مصر بإتمام الانقلاب ضد الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين. وحظى تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي، مهندس الثورة المضادة في مصر، مقاليد الحكم وحملة القمع الهائلة التي قادها ضد الإخوان المسلمين، بدعم هائل من الرياض وأبوظبي.
الغموض السعودي
في سوريا، أنقذ التدخل العسكري الروسي المعسكر الموالي له وجعل محاولات إطاحة نظام الأسد عديمة الجدوى. وبدت هزيمة السعودية في سوريا حتمية بحلول أبريل/نيسان 2018، عندما استسلم مقاتلو جيش الإسلام، الموالي للسعودية، بعد معركة الغوطة الشرقية.
ويتجلى الغموض السعودي تجاه "الحالة الإسلاموية" في دعم الجماعات السلفية. من المفهوم أن تكون جماعة الإخوان المسلمين مكروهة بسبب طابعها الإصلاحي العابر للانتماءات الوطنية، ولكن في المقابل هناك بعض الجماعات السلفية الوطنية الموالية للرياض في مصر وسوريا.
بعد 8 أشهر من هزيمة جماعات المعارضة في الغوطة الشرقية، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في تفضيل واضح للسلطوية والاستقرار، على عكس حليفتها السعودية التي لا تزال مترددةً وغير راغبة في الاعتراف بانتصار إيران على هذه الجبهة.
واليوم، يواجه محور الرياض-أبوظبي صعوباتٍ في ليبيا. تدعم الإمارات ومصر، والسعودية بدرجة أقل، خليفة حفتر، الذي يتحدى السلطة الشرعية المعترف بها دولياً المتمثلة في حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، والتي من المفترض أن تمثل السلطة والاستقرار. وأخفق هذا الدعم في الظفر بطرابلس، حيث قررت تركيا الدخول ودعم السراج.
تحالف ضعيف
رغم التقارب الحقيقي بين الرياض وأبوظبي، والذي بدا واضحاً في 2011 عندما بدأت الاحتجاجات في البحرين، وفي 2013 في مصر حتى في 2017 من خلال مقاطعة دولة قطر، والعلاقة الشخصية القوية بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، فإن الدولتين أبعد ما يكون عن تبنّي نفس الأهداف والاستراتيجيات.
خلال السنوات الأخيرة، بدا أن الإمارات قررت إعادة تحديد أولوياتها، والتي تكون في بعض الأحيان متناقضة؛ حيث الدفاع عن الاستقرار والسلطوية والاستبداد ضد محاولات التحول الديمقراطي والإسلام السياسي، مع تقارب خفي مع إيران في الخلفية. وتهدف إيران إلى تطوير شبكة بحرية، حتى إذا كان ذلك يعني دعم الانفصال في اليمن وأرض الصومال.
في اليمن، تراجع التحالف الكبير الذي قادته السعودية أمام الحوثيين. وبعد أكثر من خمس سنوات من الحرب في اليمن، أصبح الحوثيون، المسيطرون على صنعاء ومعظم أراضي اليمن وسكانها، في موضع قوة عسكرياً وسياسياً. ولم يعد هناك أي شكوك في هزيمة السعودية والمعسكر الموالي للرئيس عبدربه منصور هادي.
وذهبت الإمارات إلى دعم الانفصاليين الذين يسيطرون على عدن في جنوب اليمن، بحجة محاربة الإرهاب وإلقاء اللوم على الحكومة الموالية، والسعودية بشكل غير مباشر، بسبب التوافق مع حزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين. وفي أبريل/نيسان، أعلن الانفصاليون الحكم الذاتي للمحافظات الجنوبية.
باختصار، لم تعد السعودية تسيطر على اليمن، إذ أصبح الشمال في قبضة الحوثيين، والجنوب في قبضة الانفصاليين.
السياسة الخارجية الكارثية
إن "تحرُّر" أبوظبي من تحالفها مع الرياض له عواقب جيوسياسية ملحوظة، إذ أصبحت حالة الجمود والتنافس بين الإمارات وتركيا تماثل الحرب الباردة بين السعودية وإيران.
وفي النهاية، لم تكن نتائج التحالف السعودي الإماراتي في العالم العربي مشرقة للغاية. كان الانقلاب ضد محمد مرسي هو "الانتصار" الوحيد الذي يمكن احتسابه لهذا التحالف. ومن وجهة نظر أيديولوجية، لم تعد الشعوب العربية تقبل خطاب التهديد بعدم الاستقرار في حالة عدم قبول الاستبداد، كما أثبت الشعبان الجزائري واللبناني مؤخراً.
ونجد في المقام الأول أن نتائج السياسة الخارجية السعودية كارثية، إذ خرجت السعودية من العراق، وهُزمت في سوريا، وتراجعت في لبنان، وسُحِقت في اليمن وأخطأت في تقدير حساباتها في ليبيا.
باختصار، يمكن اعتبار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أفضل منظم مهرجانات وليس أفضل واضع استراتيجيات.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.