قتلوا مريضاً نفسياً في المستشفى وقت علاجه.. من فلسطين إلى أمريكا مِلة العنصرية واحدة

عدد القراءات
18,170
عربي بوست
تم النشر: 2020/06/19 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/20 الساعة 07:19 بتوقيت غرينتش

خرجنا من حالة التضامن العالمي التي أثارتها أزمة "كوفيد-19" للعودة إلى حالتنا المألوفة من الانقسام في النضال ضد القوة القمعية وسياسات الهيمنة والفاشية.

ويفسر فرانز فانون، في كتابه Black Skin, White Masks (بشرة سوداء، أقنعة بيضاء)، الثورة في الهند الصينية الفرنسية -وهي المستعمرات الفرنسية في جنوب شرق آسيا- قائلاً: "المسألة ليست أنَّ الهنود-الصينيين اكتشفوا ثقافة خاصة بهم تدفعهم للثورة، بل الأمر ببساطة هو أنه بات من الصعب عليهم، وعلى عدة أصعدة، التنفس". 

بدورها، استخدمت المخرجة ألكسندرا دول، في فيلمها Beyond the Frontlines (ما وراء الجبهات) عام 2017، الصورة المجازية لعدم القدرة على التنفس للتعبير عن التجربة الفلسطينية تحت الاحتلال. وفي افتتاح الفيلم، أظهر أنا في محادثة مع محلل نفسي إسرائيلي يتحداني للتعاطف مع الاحتياجات الإسرائيلية. فأجيب: "نحن نعيش في واقع كلما تنفس فيه الإسرائيليون بحرية أكبر، يختنق الفلسطينيون".

وطوال الفيلم، نسمع الفلسطينيين ينازعون لالتقاط أنفاسهم: خلال الاستجوابات في السجون، وعند كمين قلندية، وتحت القصف في غزة. 

ولا عجب أنَّ صرخات جورج فلويد "لا أستطيع التنفس" استفزت الكثير من ردود الفعل في فلسطين. فقد تلفظ بهذه الكلمات وهو يختنق تحت ركبة ضابط شرطة وتحت نظرات موافقة من ضباط آخرين، وهو أسلوب شائع الاستخدام ضد الفلسطينيين.

والواقع أنَّ إسرائيل طورت صناعة مزدهرة لتدريب الشرطة الدولية على استخدام مثل هذه الأساليب القاتلة. ولا يعود شعور الفلسطينيين المتعاطف مع فلويد إلى خنق ضابط شرطة أبيض لرجل أسود بدماء باردة ، بل أيضاً لأنَّ ما حدث له يمكن تشبيهه بـ"أسلوب عدم اللمس" الإسرائيلي، الذي يشهد احتجاز الفلسطينيين في أوضاع يتسبب فيها وزن أجسامهم في إحداث ألم وأذى؛ مما قد يتسبب في موتهم وحدهم.

عنصرية مؤسساتية

وفي كل من الولايات المتحدة وفلسطين لا تقتصر هذه الأفعال على ضابط شرطة فردي سريع الانفعال، أو على ضحية معينة. بل هي نتائج شائعة لديناميات جماعية وعنصرية مؤسساتية تسمح بنمط مستدام من القتل على أساس العرق أو اللون أو عضوية المجموعة.

وتشمل الأمثلة على ذلك، قتل إياد الحلاق مؤخراً في القدس، وهو فلسطيني مُشخَص بالتوحد. وأُطِلَق النار عليه وتُرِكَ على الأرض ينزف حتى الموت، على الرغم من سعي القائمة على رعايته لتُوضِح للشرطة الإسرائيلية أنه يعاني من إعاقة، وعلى الرغم من صراخه "أنا معها".

وقبل نحو أسبوعين، قُتِل مريض نفسي، يُدعى مصطفى يونس، في المستشفى حيث كان يلتمس العلاج. وبعد مواجهة عنيفة مع حراس الأمن، ونُزِع سلاح يونس وأُلقِي على الأرض. ثم أُطلِقَت عليه عدة رصاصات أمام والدته.

يمكننا أن نتعلم شيئين من عمليات القتل الأخيرة، أولاً، على غرار القتل العرضي لأشخاص مثل فلويد، فإنَّ قتل الفلسطينيين بدوافع عنصرية أمر شائع أيضاً، حتى في الوقت الذي تتفاخر فيه إسرائيل بتطبيع العلاقات مع الدول العربية.

وتتصرف إسرائيل وفق شعار "العربي الجيد هو العربي الميت". وأصيب العديد من الفلسطينيين بطلقات نيران في الظهر أو الجزء العلوي من الجسم، مع تلفيق الاحتلال قصصاً لإضفاء الشرعية على القتل. وهناك روايات عن دس جنود الاحتلال سكاكين وأدلة أخرى مزعومة لتوريط الشباب الفلسطيني، وإخفاء لقطات كاميرا عندما تتعارض مع الرواية الرسمية.

ثانياً، لا يُولِد السياق السياسي العنيف مرضى نفسيين فحسب، بل يخلق أيضاً ضحايا أسهل لهم. أنا أعرف أشخاصاً يعانون من مشكلات نفسية وعقلية وقُتِلوا لأنَّ الهلاوس والارتياب جعلتهم يحملون سكيناً، أو أنَّ قدراتهم الإدراكية المحدودة جعلتهم يقللون من المخاطر الواقعية، أو أنَّ تهيجهم المفرط جعلهم يقاومون عندما تعرضوا للضرب أو الإهانة من الجنود.

يجب ألا تقتصر الاستجابة لحوادث القتل المرعبة لأشخاص مثل فلويد ويونس والحلاق على المطالبة بالعدالة للضحايا وأسرهم فحسب، بل يجب أن يحرك موتهم نضالاً أوسع ضد العنصرية وضد عنف رجال الشرطة والسياسة.

يجب أن تتبنى استجابتنا تضامناً أوسع للدفاع عن الحق في التنفس بحرية لجميع البشر.

  • هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سماح جابر
طبيبة ومعالجة نفسية من القدس المحتلة، تهتم بسلامة مجتمعها وليس فقط من الناحية العقلية والنفسي
طبيبة ومعالجة نفسية من القدس المحتلة، تهتم بسلامة مجتمعها وليس فقط من الناحية العقلية والنفسي
تحميل المزيد