يبدو أن فرحة تحرير محاور جنوب مدينة طرابلس الليبية من الميليشيات التي تقاتل مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر لم تكتمل، بسبب ما خلَّفته من ألغام ومفخخات تستهدف المدنيين وتمنعهم من العودة لمنازلهم.
ولم تكن عائلة الجمل، التي فقدت اثنين من أبنائها وأصيب آخرون حالتهم حرجة في انفجار عبوة مفخخة زُرعت بمنزلهم في منطقة صلاح الدين جنوب طرابلس، هي أول ضحية لتلك الألغام والمفخخات التي خلفها مرتزقة فاغنر الروسية والجنجويد السودانيون.
معركة الألغام أهم
أوضح العقيد مهندس عمر الرطب، الناطق باسم إدارة الهندسة العسكرية بالجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني، لـ "عربي بوست"، أن ميليشيات حفتر المنسحبة من محاور صلاح الدين والخلة ووادي الربيع التي كانت تتمركز بها مرتزقة فاغنر الروسية، خلفت عدداً كبيراً من الألغام والمفخخات التي زرعتها قبل انسحابها.
وأضاف أن أغلب منازل المدنيين والطرق الرئيسية والفرعية بالأحياء المحررة تم تفخيخها بألغام مضادة للدروع والأفراد.
وأكد عثور وحدات الهندسة العسكرية التابعة للجيش الوطني بحكومة الوفاق على وثائق، كُتبت باللغة الروسية وترجمت باللغة العربية، تثبت أن الروس كانوا يعلمون الوحدات القتالية الليبية التابعة لحفتر طرق التفخيخ.
وبحسب الرطب، فإن جميع المفخخات والألغام التي وُجدت بالمناطق المحررة حتى الآن هي صناعة روسية وجُلبت من روسيا، وليست محلية، وهو ما يثبت تورط الروس في جرائم ضد المدنيين في ليبيا.
وأشار إلى أن معركة إزالة الألغام وتمشيط المناطق المحررة تعتبر أقوى من معركة تحرير جنوب طرابلس من المرتزقة.
ألغام روسية
ومن بين الألغام التي وُجدت مزروعة من قِبل الميليشيات لغم أرضي مزروع بين المنازل روسي الصنع من طراز "إم أو إن – 100" مضاد للأفراد ومصمم للإصابة أو القتل بواسطة شظاياه.
وفي توضيح حول اللغم، قال العقيد عمر الرطب إنه يتميز بمظهر ناعم وسلس مع مقبض من القماش مثبت على الحافة العلوية.
وأوضح الرطب أن هذا النوع من الألغام عادة ما يكون موصولاً بسلسلة تثبيت بواسطة صامولات مجنحة على جانبي جسم اللغم الأرضي، ويحتوي على كيلوغرامين من المتفجرات لدفع 400 قطعة من الشظايا الصلبة إلى نطاق مميت يصل إلى 100م بأقصى مدى، تصيب الرأس والصدر مباشرة.
تصريح المسماري
عملية التفخيخ ووضع الألغام التي زرعتها الميليشيات المدعومة بمرتزقة فاغنر جاءت بعد يومين من مزاعم الناطق باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، حول انسحاب ميليشياتهم من جميع محاور القتال في طرابلس لمسافة 3 كيلومترات خلال عيد الفطر لغايات إنسانية.
غايات كذبتها الوقائع على الأرض، فما إن دخل الجيش الليبي لحكومة الوفاق إلى المناطق المحررة، حتى بدأت نوايا ميليشيات حفتر تتضح جلية، فكانت أدوات قتل المدنيين حاضرة في محاور صلاح الدين ومشروع الهضبة، من خلال استخدام ميليشيات حفتر لاستراتيجية عناصر تنظيم داعش الإرهابي في انسحابها بتلغيم وتفخيخ المنازل والطرقات.
وكان الناطق باسم الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق، محمد قنونو، أشار إلى أن أسلوب تفخيخ المنازل والطرق الذي استخدمته ميليشيات حفتر، هو ذات الأسلوب الذي انتهجه تنظيم داعش في سرت، قبل تحريرها عام 2016 في عملية البنيان المرصوص.
الداخلية تشكل فريقاً للتخلص من الألغام ومخلفات الحرب
أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، يوم السبت 23 مايو/أيار، تشكيل فريق عمل مختص من ضباط وضباط صف وأفراد تابعين لجهاز المباحث الجنائية للتخلص من مخلفات الحرب والألغام والمتفجرات بالمناطق السكنية والمعسكرات بالمناطق المحررة جنوب العاصمة طرابلس.
وقالت الوزارة، في بيان منشور على فيسبوك، إن الإجراء جاء بتعليمات من وزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا، ويهدف إلى تفكيك وإبطال مفعول الألغام والمتفجرات وإزالتها باستخدام معدات وتقنيات حديثة وكذلك "كلاب الأثر" المدربة للعثور على المتفجرات.
كما دعت الداخلية المواطنين، عندما يتقرر رجوعهم، إلى التواصل مع فريق العمل بمقره الكائن بجهاز المباحث الجنائية بمنطقة صلاح الدين بالعاصمة طرابلس، حال عثورهم على أي أجسام مشبوهة أو تثير الشك.
وفي وقت سابق، كلف الناطق باسم قوات حكومة الوفاق، العقيد طيار محمد قنونو، الشرطة العسكرية والهندسة العسكرية بإغلاق الأحياء التي سيطرت عليها قوات حكومة الوفاق بمحاور القتال أمام الجميع، وعدم السماح للمواطنين بدخولها؛ لكونها "مليئة بالألغام والمفخخات".
ودعت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق المواطنين من سكان جنوب العاصمة طرابلس إلى عدم التسرع في العودة إلى منازلهم، لعدم تعريض حياتهم للخطر، مشيرة إلى وجود ألغام داخل الأحياء والمنازل في تلك المنطقة.
قلق أممي
بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أعربت عن قلقها البالغ حيال تقارير تفيد بمقتل أو إصابة ساكني منطقتي عين زارة وصلاح الدين في طرابلس، جراء انفجار عبوات ناسفة مبتكرة (IED)، التي وضعتها ميليشيات خليفة حفتر في منازلهم أو بالقرب منها.
وأضافت البعثة، يوم الإثنين 25 مايو/أيار، في بيان نشرته عبر موقعها، أن هذا التحول الذي وصفته بالبشع والتدهور في النزاع حدث بينما كانت هذه الأسر لائذة بمنازلها بحثاً عن الأمان والراحة لقضاء عطلة العيد، ما يدل على أن هذا العمل ما هو إلا استهداف متعمد للمدنيين الأبرياء.
وأدان البيان بشدة هذه الأعمال التي قال إنها لا تخدم أي هدف عسكري، وتثير الخوف الشديد بين السكان، وتنتهك حقوق المدنيين الأبرياء الذين يجب حمايتهم بموجب القانون الدولي الإنساني.
ودعت البعثة جميع الأفراد إلى التماس المعلومات والاستماع إلى إرشادات الجهات الأمنية بالابتعاد عن المناطق التي لم تعلن السلطات المختصة أنها آمنة، وعدم الاقتراب من أية أجسام مجهولة يحتمل أن تكون عبوات ناسفة، مضيفة أن إبلاغ السلطات بمثل هذه المعلومات أمر أساسي للمساعدة في التخفيف من المخاطر.