يُبنى من جديد، شيئاً فشيئاً، سوق مدينة حلب التاريخي أو "سوق المدينة" الذي يبلغ من العمر قروناً عديدة، بينما يحاول السوريون استعادة أبرز معالم بلدهم التاريخية التي أودت بها سنوات القتال العنيف بغرض السيطرة على المدينة.
وقد شهدت المدينة القديمة التاريخية الواقعة وسط مدينة حلب السورية، بعض أسوأ المعارك التي نشبت على أرض سوريا خلال الحرب التي استمرّت ثمانية أعوام. وانتزع فيها نظام الأسد المدينة أخيراً من قبضة المعارضة المسلّحة في ديسمبر/كانون الأوّل 2016، خلال حصار جعل من نصف المدينة الشرقي -الذي يعد أحد مواقع اليونسكو للتراث العالمي- يتحول لأطلال.
ثلث السوق تم تدميره
تعرض السوق، المكوّن من شبكة من ساحات مغطاة وحوانيت شعبية يعود تاريخها إلى القرن الـ13، لخراب جسيم، حيث دُمِّر ثلثه تقريباً دماراً كليّاً، وظلت معظم أرجاء السوق على هذا النحو: قباب فجّرتها القنابل، ومعادن مُشوّهة، ومحلّات تجارية بلا جدران أو أسقف.
لكن القائمين على التخطيط يأملون أن تُضخّ الحياة من جديد في السوق من خلال إعادة بناء بعض أجزائه وتشغيل بعض المحال التجارية فيه. وقبل الحرب، كان السوق يجذب السوريين والسيّاح على حد سواء لشراء الأطعمة، والتوابل، والقماش، والصابون المصنوع من زيت الزيتون، ومُنتجات الحِرف اليدوية الأخرى.
ترميم "بتمويل إيراني"
وكان "سوق السقطية" هو آخر ما تم تجديده بالموقع؛ وهو عبارة عن زقاق مرصوف بالحصى ومغطى بالأقواس المعمارية والقباب المليئة بالفتحات، وهو ما يسمح بدخول أشعة الشمس. ويوجد به 53 متجراً؛ معظمها جزارون ومحلات لبيع المكسرات والسلع المجففة. وكان هذا السوق الأقل تضرراً -نسبياً- مقارنة بغيره، واستغرقت عملية تجديده التي تكلّفت 400 ألف دولارٍ نحو ثمانية أشهر، بتمويل من مؤسسة "أغا خان" الإيرانية.
وكانت جزارة صالح أبو دان، أحد المتاجر التي أُغلقت بعدما سيطرت قوات المعارضة على البلدة القديمة في صيف عام 2012. والآن يستعد "صالح" لفتحها من جديد، خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وقال لموقع Stuff النيوزيلندي، إنه سعيد بعملية التجديد التي أضافت نظاماً كهربائياً يعمل بالطاقة الشمسية، رغم أنه لا يزال بحاجة إلى إنفاق نحو 2000 دولار لإصلاح ثلاجته وشراء شوّاية ومفرمة لحوم جديدتين. يقول صالح: "لقد ورثت هذا المحل من جدي وأبي، وآمل أن يعمل أحفادي هنا".
لكنه خاوٍ من أهله والناس
من المقرر أن يُنظَّم الافتتاح الرسمي للسوق في وقت لاحق من هذا الشهر. لكن إعادة البناء خطوة، وإعادة الحياة إلى أرجاء السوق خطوة أخرى. والسقطية هي السوق الثالث الذي يُعاد بناؤه في حلب، بعد خان الجمرك وسوق النحاس.
ولكن بعد مرور عام على إعادة افتتاحهما، لا يزال هذان السوقان يكافحان لجذب الزبائن، وفي معظم الأيام يكونان خاويَين إلى حد كبير. يقول أحد أصحاب متاجر الأقمشة في خان الجمرك في حزن: "أفتح متجري ساعات قليلة في اليوم، ولكن نادراً ما أبيع أي شيء".
فعديد من العملاء الذين اعتادوا الاحتشاد في الأسواق قبل الحرب إما غادروا البلاد وإما اعتادوا التسوق في أجزاء أخرى من المدينة منذ أن توقف النشاط التجاري في حلب القديمة بعدما اقتحمت المعارضة المسلّحة الأحياء الشرقية والوسطى قبل سبع سنوات، وانعدمت السياحة. ولا يزال الدخول إلى الأسواق المفتوحة القديمة صعباً، لأن عديداً من الأزقة مغلقة ومهجورة.
العقوبات على نظام الأسد تعطّل "إعادة الإعمار"
وكانت حلب -أكبر مدينة في سوريا- المركز التجاري الرئيسي في البلاد قبل الحرب. وبالكاد بدأت عمليات إعادة بناء القطاع الشرقي المدمر. يقول باسل الظاهر، المهندس المعماري الذي أدار عملية تجديد سوق السقطية، إن إعادة بناء السوق بالكامل ستتكلّف عشرات الملايين من الدولارات. وقال إن العقوبات الغربية التي تحول دون تحويل الأموال من وإلى سوريا تؤخر العمل.
وقال إن الاختيار قد وقع على سوق السقطية كي يُجدَّد، لأنه يمكن الانتهاء منه بسرعة؛ ومن ثم يكون مصدر إلهام للآخرين لإعادة بناء أجزاء أخرى من السوق القديمة.
ويأمل بعض أصحاب المتاجر أن تنجح هذه الاستراتيجية؛ في سوق النحاس، استخدم أحمد زهدي غزول مطرقته لينقش برفقٍ الزخارف على قطعة من النحاس. وفي أرجاء الزقاق، كان العمال يُثبّتون الأسقف في متجرين آخرين. وقال غزول، الذي ظل يعمل في مجال صناعات النحاس ثلاثة عقود: "الحمد لله؛ إنهم عادوا ليُجددوا الموقع، سيكون العمل أقوى من ذي قبل".