يبذل رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، جهوداً مكثفة لتوسيع علاقات بغداد الخارجية وجذب استثمارات لإعادة الإعمار، في مرحلة ما بعد تنظيم "الدولة الإسلامية".
لكن خبراء اقتصاديين يحذرن من أن العراق قد لا يتمكن من استثمار التحركات الراهنة، بسبب غياب "الخطط المستدامة" و "الاستقلالية السياسية"، فهل ينجح العراق في تجاوز هذه العقبات والعبور نحو الاستقرار الاقتصادي؟
العراق ما بعد "داعش"
عبد المهدي، الذي تسلم منصبه في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2018، شارك في قمة ثلاثية بالقاهرة الأحد 24 مارس/آذار 2019، مع كل من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين.
ناقشت القمة حزمة أفكار لتعزيز التكامل والتعاون الاقتصادي، من بينها تعزيز وتطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون في قطاعات الطاقة والبنية التحتية وإعادة الإعمار، إضافة إلى زيادة التبادل التجاري.
إجمالاً، توصلت القمة إلى تفاهمات مشابهة لتلك التي توصل إليها العراق مع وفود قطرية وسعودية وأردنية زارت بغداد، خلال الشهرين الأخيرين.
الخارجية العراقية، وعلى لسان المتحدث باسمها، أحمد الصحاف، قالت لوكالة الأناضول إن "هذا الحراك هو البداية لمرحلة ما بعد داعش".
بعد حرب دامت 3 أعوام، وبدعم من التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، أعلنت بغداد، أواخر 2017، الانتصار على "داعش"، واستعادة الأراضي التي كان يسيطر عليها، وتبلغ نحو ثلث مساحة العراق.
وأضاف الصحاف أن الحراك الراهن في السياسة الخارجية العراقية هو "أولى خطوات المضي نحو هدفين: أولهما توسيع العلاقات مع الخارج على أكثر من مستوى، والثاني أن يكون العراق منصة متقدمة في استثمارات مرحلة ما بعد داعش، تنسجم مع إعادة الإعمار والاستثمار بالمناطق الأكثر تضرراً".
وتابع أن "التوازن العراقي، والاستقرار في الحالة الأمنية، والتحسن النسبي في الوضع الاقتصادي العراقي، أتاحت للعراق فرصة لموضعة دوره من جديد في هذه المنطقة الحساسة من العالم".
ومضى قائلاً: "نستطيع أن نكون خارج سياسة المحاور؛ فهي لا تعزز الثقة، ولا تبني حواراً مستداماً". وزاد بأن "العراق عدّل الكثير من أوراقه الداخلية، وهو ما أكسبه أوراقاً حيوية كثيرة، وساعده على إعادة موضعة دوره السياسي".
إعادة موضعة الدور السياسي للعراق والبحث عن نقطة التقاء
وفقاً للمتحدث باسم وزارة التجارة العراقية، محمد حنون، فإنه "ستتم قريباً ترجمة كل ما تم توقيعه من مذكرات تفاهم واتفاقيات اقتصادية مع الوفود التي زارت العراق".
وأردف حنون بقوله إنه "تم تفعيل وإعادة اللجان المشتركة مع كل تلك الوفود". وتابع أن "تلك اللجان تمثل بوابات لمجالات عديدة، وبدأت بالفعل عقد اجتماعات في الرياض والدوحة والقاهرة، وغيرها من العواصم".
بحسب طبيعة الوفود التي زارت بغداد مؤخراً، فإن العراق يمثل في الوقت الحالي نقطة التقاء وتضاد بين أصدقاء وخصومٍ إقليميِّين.
وتتواصل بين السعودية وقطر، منذ يونيو/حزيران 2017، أزمة غير مسبوقة خليجياً، إذ قطعت الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة علاقاتها مع الدوحة؛ بدعوى دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه الأخيرة، وتتهم الرباعي بالسعي إلى فرض الوصاية على قرارها الوطني.
وقال المستشار الاقتصادي للحكومة العراقية، مظهر محمد صالح، إن "العراق أصبح دولة محورية مهمة في بناء مستقبل الاستقرار الاقتصادي، وتعظيم الروابط الاقتصادية بين بلدان المنطقة، وهو نقطة جذب اقتصادي وتوازن بين المصالح الإقليمية والدولية".
وتابع صالح: "المنطقة كلها تريد أن تخطب وُد العراق، فالأطراف المتناقضة على ضفتي الخليج تجد في العراق نواة بناء لأواصر مستقبلية".
هل ينتهي غياب الخطط وتتمكن بغداد من الاستقلالية السياسية؟
مقابل التفاؤل الرسمي العراقي، أعرب مناف الصائغ، وهو خبير اقتصادي، عن مخاوف من احتمال عدم تمكن العراق من استثمار المرحلة الراهنة.
الصائغ قال لـ"الأناضول" إن "المشكلة ليست في هذه الحركة الاقتصادية الإيجابية نحو العراق، بل في كيفية استثمارها بالاتجاه الصحيح".
ورأى أن "العراق ما يزال لا يملك خططاً مستدامة لتطوير قطاعات مختلفة، ولا يملك رؤية واضحة للتعامل مع تلك التحركات، لذا لا نعول كثيراً عليها". ومضى قائلاً: "كي يؤدي العراق دوراً مهماً أو محورياً، يجب أن يمتلك الاستقلالية السياسية، وأعتقد أنه لا يوجد ساسة مستقلون في العراق".
ويعتبر مراقبون العراق إحدى ساحات الصراع على النفوذ بين إيران والسعودية. وتمتلك الدولتان علاقات وثيقة مع ساسة عراقيين من الشيعة والسُّنة على التوالي، وإن كانت طهران أقرب إلى دوائر الحكم في بغداد، بحكم الوزن الانتخابي للقوى الشيعية.
وخلص الصائغ إلى أنه "لا يمكن أن تكون هذه الزيارات ذات جدوى للعراق، بل يمكن القول إنها ذات جدوى للبلدان التي أتت إلى العراق".