قالت Financial Times البريطانية إن التغييرات الحكومية الكبيرة التي قام بها الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز الخميس 27 ديسمبر/كانون الأول، تعتبر كمحاولة منه لـ"تنظيف البيت"، وإيصال إشارةٍ للمجتمع الدولي مفادها أنَّه استجاب للأزمة التي أعقبت موت الصحافي السعودي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول الفائت.
وكان الملك سلمان، قد أجرى الخميس تغييراتٍ شاملة بمجلس الوزراء السعودي بعد إصداره الأمر لإجراء أول تعديلٍ في هيكلة السلطة في المملكة منذ مقتل خاشقجي. في حين لا يزال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان محتفظاً بسلطاته واسعة النطاق.
وتضمَّنت أبرز التعديلات تعيين مساعد العيبان مستشاراً للأمن الوطني، وهي خطوةٌ أعادت إحياء منصبٍ رسمي سبق أن كان خاملاً، وتعيين وزير المالية الأسبق إبراهيم العساف وزيراً للخارجية.
كذلك استُبدِل وزراء الحرس الوطني السعودي القوي، والإعلام، والتعليم بعدما أصدر الملك سلسلةً من المراسيم الملكية.
ما وراء العيبان والعساف
ويُعَد كلٌ من العيبان الذي خدم طويلاً بمجلس الوزراء السعودي، والعساف الذي قاد وزارة المالية طوال عشرين عاماً قبل أن يُحتجز لفترةٍ وجيزة ضمن حملة ولي العهد الاستثنائية لمحاربة الفساد العام الفائت، مستشاراً موثوقاً للملك.
وسيُفسَّر هذا التعديل الهيكلي باعتباره رغبةً من جانب الملك في جلب المزيد من الخبرة إلى صفوف حكومةٍ تشغل مناصبها على نحوٍ متزايد شخصياتٌ من القطاع الخاص وشبابٌ من المقربين لولي العهد.
وثارت تكهنات واسعة منذ مقتل خاشقجي يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول بأنَّ الملك سلمان سيسعى لإرساء ضوابط وموازين بهدف كبح بعضٍ من اندفاعات ولي العهد المتهورة.
وقال سعيد الوهابي، وهو زميلٌ مختص بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعهد EastWest لدراسات الشرق والغرب للفاينشال تايمز، إنَّ العيبان تولَّى عدة قضايا حساسة ذات علاقةٍ بالأمن والسياسة الخارجية على مر السنوات.
إعادة ترتيب المؤسسة الأمنية
وقال الوهابي: "ما سيفعله (العيبان) في منصبه الجديد هو إعادة ترتيب كيان المؤسسة، فسيملأ الوظائف الإدارية المتوسطة والدنيا، ويملأ الوظائف الشاغرة بالمؤسسة كلها. ومن شأن خبرته ودرايته بطبيعة البيروقراطية السعودية أن تساعده في تحقيق ذلك.
وسيشارك العيبان في إعادة هيكلة وبناء استراتيجيةٍ تعمل بها المؤسسة للعام أو العامين المقبلين على الأقل، إلى أن يُعيَّن شخصٌ آخر في المنصب".
كذلك أَمَرَ الملك بإعادة هيكلة كيانين يترأسهما الأمير محمد بن سلمان وكان لهما دورٌ حيوي في ترسيخ سلطته بالبلاد، وهما مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ومجلس الشؤون السياسية والأمنية. ومع ذلك، سيظل ولي العهد على رأس المجلسين.
وكانت مسؤولية الإشراف على مؤسساتٍ رئيسية، ومن بينها شركة أرامكو السعودية، وهي شركة النفط التابعة للدولة، وصندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادية بالسعودية، انتقلت لمجلس الشؤون الاقتصادية عند تأسيسه في عام 2015.
وترسَّخت الشؤون الأمنية كذلك تحت إشراف الأمير محمد بن سلمان، وتقلَّص دور وزارة الداخلية التي كانت قوية في السابق إلى التعامل بالأساس مع القضايا المدنية مثل المخالفات المرورية.
ولن يعمل وزير الحرس الوطني، وهي تقليدياً وحدة من النخبة مسؤولة عن حماية عائلة آل سعود المالكة ومهام دفاعية أخرى، تحت الإمرة المباشرة لمجلس الشؤون الأمنية الذي يترأسه الأمير محمد بن سلمان.
الملك يريد خطاً "فاصلاً" بين الحكومة والديوان الملكي
كذلك أَمَرَ الملك سلمان بتشكيل "ديوان مجلس الوزراء" الذي سيعمل منفصلاً عن الديوان الملكي. وتشير هذه الخطوة إلى أنَّ الملك يريد خطاً فاصلاً أوضح بين الحكومة والديوان الملكي، وهو الخط الذي ازداد ضبابيةً أكثر فأكثر منذ دمج الملك الراحل عبد الله، سلف الملك سلمان في الحكم، الكيانين فعلياً عام 2011.
وأصبح الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة منذ عُيِّن ولياً للعهد في يوليو/تموز عام 2017. ويعتقد المشرّعون الأميركيون أنَّه مَن أَمَرَ بقتل خاشقجي داخل قنصلية السعودية في إسطنبول. ومن جانبه، نفى الأمير السعودي البالغ من العمر 33 عاماً أي تورطٍ في الجريمة، وسعت الرياض لإلقاء اللوم في جريمة قتل الصحافي على عمليةٍ مارقة تصرَّف مُنفذِّوها من تلقاء أنفسهم.
أدخل مقتل خاشقجي السعودية في أكبر أزمةٍ دبلوماسية تعرَّضت لها منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة، وأصبح الملك الهَرِم أكثر حزماً في ظل سعيه لطمأنة حلفائه الدوليين بأنَّه سيستجيب للحادثة.
وسيحلّ العساف محل عادل الجبير وزيراً للخارجية، لكن سيبقى الأخير عضواً بمجلس الوزراء في منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية. وكان العساف احتُجِز في فندق الريتز كارلتون بالرياض صحبة عشراتٍ من الأمراء ورجال الأعمال والموظفين الحكوميين السابقين ضمن حملة التطهير ضد الفساد في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017.
وأُطلِق سراح العساف في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، وترأس الوفد السعودي في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي بمدينة دافوس بعد بضعة أسابيعٍ من الحادثة.
وأعفى أمرٌ ملكي آخر الأمير محمد بن نواف من منصبه سفيراً للسعودية لدى المملكة المتحدة، ولم يُعيَّن بديلاً له في المنصب.