كشفت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية، أن ريتشارد برانسون، مؤسس مجموعة شركات Virgin البريطانية بانسحابه من محادثات مع السعودية حول صفقة بقيمة مليار دولار، على خلفية قضية قتل جمال خاشقجي ، بعث برسالة إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ينصحه فيها بإطلاق سراح الناشطات المحتجزات لدى السلطات السعودية.
وحسب تقرير للصحيفة الأميركية، فقد أضاف برانسون في رسالته: "إن عفوت عن هؤلاء السيدات وعدد من الرجال أيضاً، فسيُظهِر ذلك للعالم أنَّ الحكومة السعودية تخطو فعلاً نحو القرن الحادي والعشرين. لن يغير هذا ما حدث في تركيا، لكنَّه سيقطع شوطاً طويلاً على طريق بدء (المملكة) محاولة تغيير آراء الناس".
استراتيجية رجال الأعمال في الحفاظ على علاقاتهم بمحمد بن سلمان
في 12 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن ريتشارد برانسون، انسحابه من محادثات مع السعودية، حول صفقة بقيمة مليار دولار، على خلفية قضية قتل جمال خاشقجي ، كاتب مقالات الرأي في صحيفة The Washington Post الأميركية. وقال: "إذا ثبتت صحة (تورُّط الدولة في واقعة القتل)، فسيُغيِّر ذلك بالتأكيد قدرة أيٍّ منَّا في الغرب على تنفيذ أعمال مع الحكومة السعودية".
ويأتي برانسون في صدارة مجموعةٍ من الرؤساء التنفيذيين والمصرفيين ورؤساء الصناديق المالية، الذين تدافعوا لإظهار كيفية الحفاظ على علاقاتهم مع الأمير محمد، في أعقاب قضية قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول، في خريف العام الجاري.
وبينما حثَّ برانسون الأمير محمد على تغيير أساليبه، تبنَّى آخرون استراتيجية مزدوجة، تمثَّلت في الانتقاد العلني، مع محاولة الحفاظ على استمرار الأنشطة الاستثمارية مع السعودية على نفس المنوال. في حين تجنّب البعض الرسميات، وتغيَّبوا عن مؤتمر الاستثمار السعودي البارز، لكنَّهم عقدوا في المقابل اجتماعات غير رسمية.
ويرجع السبب في ذلك إلى أنَّ كثيراً منهم علَّق مستقبل شركته على الأموال السعودية وخطط ولي العهد واسعة النطاق لإصلاح اقتصاد المملكة.
من جانبه، قال جون بربانك، مدير المحافظ الوقائية في شركة Passport Capital الأميركية "مسألة خاشقجي هذه بأكملها لا تعني أي شيء، فهي لا تهم بقدر عملية الانفتاح الضخمة الكاسحة التي تشهدها المملكة حالياً". ويُعَد بربانك أحد أبرز المستثمرين الأميركيين في البورصة السعودية.
على الرغم من أن كل الأدلة كان تشير لتورطه في قضية قتل جمال خاشقجي
الأمير محمد بن سلمان شكر برانسون بلباقة على هذه المداخلة. ولم تمر سوى أيام قليلة حتى أنكر ولي العهد علناً تورطه في قضية قتل جمال خاشقجي ، ووصفها بأنها "جريمة مروعة". فيما خلُصت وكالة الاستخبارات المركزية منذ ذلك الحين إلى أنَّ الأمير هو على الأرجح مَن أعطى الأمر بالقتل.
ولم يرد ممثلون عن الديوان الملكي السعودي وحكومة المملكة على تساؤلات بشأن الرسائل المتبادلة بين ولي العهد وبرانسون.
ومن بين المستثمرين الأميركيين في الأسهم السعودية، بخلاف بربانك، هناك بيتر ثيل، ومحفظة Bienville Capital Management الوقائية، وغيرهم الكثير. وتصل نسبة ملكية الأجانب في السوق السعودية إلى ما يقارب 4%.
ويقول بربانك: "حياة شخص واحد لا تهم ما دام هذا الشخص ليس ولي العهد السعودي. حياة خاشقجي لا تهم". ووصف المستثمرين الذين انسحبوا من السعودية بأنهم منافقون؛ لأن بعضهم لديه استثمارات في روسيا وتركيا.
فهم لم يتأخروا في تلبية دعوة العشاء الفاخر في العاصمة الرياض
وكان بربانك من بين عشرات المديرين التنفيذيين والمستثمرين الغربيين الذين ذهبوا إلى منزل ياسر الرميان، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي، الذي يشرف عليه ولي العهد، عشية مؤتمر الاستثمار الذي عُقد في العاصمة الرياض، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وهناك تكدست الأطباق بلحم الضأن المشوي، والأقفاص الذهبية بأبراج من الحلوى، وامتلأت كاسات الشمبانيا بعصير الفاكهة، التي قال الحضور إنهم رفعوها ليشربوا نخب علاقتهم بينما هم تحت أشجار النخيل التي تزيّنت بأضواء بنفسجية اللون.
ومع أنَّ مسايوشي سون، الرئيس التنفيذي لمجموعة سوفت بنك اليابانية للخدمات المصرفية، انسحب من مؤتمر الرياض الاستثماري على خلفية قضية قتل جمال خاشقجي ، فقد حضر هذه المأدبة.
وانسحب كذلك من المؤتمر دارا خسروشاهي، المدير التنفيذي لشركة Uber لخدمات النقل، لكنَّ ترافيس كالانيك مؤسس الشركة وعضو مجلس إدارتها حضر الحفل، إلى جانب إيريك كانتور، عضو سابق في الكونغرس ومصرفي حالي، ومديره المصرفي كين مويلس، وجيم براير المستثمر في رأس المال المُخاطر.
وحضر حفل العشاء أيضاً جون مكماهون، مدير المَحافظ في شركة Thiel Capital، في حين حضر المؤتمر الاستثماري مايكل ماركس، المدير التنفيذي لشركة Katerra الناشئة لأعمال البناء، ومقرها وادي السيليكون.
إضافة إلى ذلك، سافر مات برنارد، المدير التنفيذي لشركة Plenty -وهي شركة ناشئة لأنظمة الزراعة في الأماكن المغلقة واستثمرت السعودية فيها 200 مليون دولار عبر صندوق رؤية التابع لشركة سوفت بنك- إلى الرياض لحضور المؤتمر. لكنَّ متحدثة باسم شركة Plenty صرَّحت بأنَّ برنارد عاد إلى بلده دون حضور المؤتمر.
فقد تتكبد الأعمال التجارية فاتورة باهظة من جرَّاء نبذ السعودية
إذ تتخوف بعض الشركات من فقدان القدرة على الوصول إلى أسواق المملكة مستقبلاً إذا انسحبت الآن من صفقاتها مع السعودية.
ويتفاوض آري إيمانويل، المدير التنفيذي لوكالة المواهب Endeavor في هوليوود، حالياً، حول إعادة 400 مليون دولار كان الصندوق السيادي السعودي قد استثمرها في شركته في وقت سابق من العام الحالي، وذلك بحسب ما كشف عنه أشخاص على دراية بخطط الشركة.
وفي أعقاب قضية قتل جمال خاشقجي ، قال إيمانويل "نحن قلقون بشدة حيال هذا الأمر". ولم يرد ممثلون عن الديوان الملكي والحكومة في السعودية على أسئلة بشأن علاقات المملكة مع مستثمرين أجانب.
في حين ذكر صندوق الاستثمارات العامة السيادي السعودي، في بيان أرسله عبر البريد الإلكتروني، أنَّ شراكات الأعمال "لا ترتكز إلى حضور (المؤتمر)، بل إلى معايير مرتبطة باستراتيجية صندوق الاستثمارات العامة للاستثمار وجهود تنويع المَحافظ المالية".
وتضم الشراكات التجارية التي ما زالت تواصل أعمالها في السعودية، مديرين ماليين وإعلاميين ومستثمري رؤوس أموال مخاطرة.
فعلى سبيل المثال، تواصل شركة Bloomberg LP الأميركية خطتها لإطلاق قناة تلفزيونية عربية حول خدمات المال والأعمال، بالشراكة مع "المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق".
وترتبط الشركة الأميركية منذ فترة طويلة بعلاقات مع العائلة الملكية السعودية، مع أنَّ المدير التنفيذي لمجموعة Bloomberg الإعلامية، جاستن سميث، اعتذر عن إلقاء كلمة في المؤتمر الاستثماري.
وغير مستعدين لإعادة الأموال التي حصلوا عليها
وكشفت مصادر مطلعة أنَّ جاي بنسكي، الذي حصلت شركته لخدمات الإعلام على استثمارات بقيمة 200 مليون دولار من صندوق سعودي في وقت سابق من العام الجاري، لا ينوي إعادة هذه الأموال إلى المملكة.
وقالت متحدثة باسم الشركة إنَّ بنسكي حضر مع فريقه "دراغون ريسينغ" بطولة "فورميلا إي" لسباق السيارات، التي استضافتها الرياض الأسبوع الماضي.
إضافة إلى ذلك، لن تعيد مجموعة سوفت بنك مليارات الدولارات التي تعهدت السعودية بضخها إلى صندوق رؤية الأول للاستثمارات التكنولوجية التابع لها.
ورفضت الشركة التعليق على ما إذا كانت ستقبل التمويل السعودي لصندوقها الثاني، الذي يحمل نفس الاسم، بالرغم من تصريحات ولي العهد السعودي التي أعرب فيها عن تطلعه للاستثمار فيه.
وقيل لبرانسون إنَّه ما زال مُرحَّبٌ به داخل المملكة، بالرغم من تغيبه عن المؤتمر الاستثماري، وإخطاره ولي العهد سلفاً بشأن نيته الانسحاب من خطط استثمار السعودية مليار دولار في مشاريع شركته في الفضاء.
من جانبه، قال مات مايكلسون، مستثمر في وادي السيليكون وأحد شركاء جون بربانك "هل ارتُكِبَت أخطاء؟ هذا بالتأكيد ما حدث، لكنَّ ذلك المكان (السعودية) آخذ في التغير. إذ رأيت مقاهي Starbucks تُفتَتَح في العديد من الأرجاء، وسيدات يتجولن في الشوارع دون عباءات، ما تشهده المملكة هو تحول جذري".