قالت صحيفة Haaretz الإسرائيلية، إن السلطة الفلسطينية تخشى أن يسفر تصاعد المواجهات مع الجيش الإسرائيلي عن إضعاف موقفها أكثر بين فلسطينيي الضفة الغربية وفي المقابل تعزيز دعمهم لحركة حماس.
وقالت عميرة هاس، مراسلة الصحيفة في الأراضي المحتلة، إن هذا على الأقل هو الاستنتاج الذي يمكن الخروج به من الاحتجاجات التي اندلعت في مدن نابلس والخليل ورام الله، وفضَّتها السلطة الفلسطينية بالقوة الجمعة 14 ديسمبر/كانون الأول.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى خلال العقد الماضي التي تندلع فيها اشتباكات بين قوات شرطة السلطة الفلسطينية ومحتجين فلسطينيين على خلفية هجمات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن هذه الاشتباكات الأخيرة وضعت السلطة الفلسطينية في موقفٍ سياسي حرج، سواء في الداخل أو الخارج، إضافةً إلى تزامنها مع أزمة اقتصادية تمر بها السلطة، والسكان الفلسطينيون.
وأضافت الكاتبة: لا عجب أنَّ المبادرة الوطنية الفلسطينية -وهي قوة سياسية يافعة نسبياً تضطلع بدور مهم في جهود المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس- حذَّرت من تحوُّل "المواجهات الشجاعة والبطولية مع الاحتلال ومستوطنيه المجرمين إلى اقتتال بين الفلسطينيين، لا يصب إلا في صالح حكومة نتنياهو وسياساتها".
وخرجت احتجاجات الجمعة بمدينتي الخليل ونابلس إحياءً للذكرى السنوية الـ31 لتأسيس حركة حماس. وفضَّت قوات أمن السلطة الفلسطينية الاحتجاجات في نابلس بإطلاق أعيرة نارية في الهواء وضرب المحتجين، إلى جانب وسائل أخرى، وأعلنت رسمياً أنَّ السبب وراء ذلك هو أنَّ المشاركين "رفعوا علم حماس ورفضوا رفع علم فلسطين".
في حين أعلنت أنَّها فضت المظاهرات في الخليل، التي شهدت ضرب سيدات مُشارِكات بهراوات، لأنَّها "ندَّدَت بالسلطة الفلسطينية في محاولات استفزازية مُتعمَدة"، بحسب قوات الأمن.
دور السلطة وعمليات حماس عند الرأي العام الفلسطيني
وتضيف الصحفية الإسرائيلية: يعتبر الرأي العام الفلسطيني حادثتي إطلاق النار على مدنيين وجنود إسرائيليين قرب مستوطنة جفعات آساف، وعند مدخل مستوطنة عوفرا مؤخراً، أعمالاً بطولية مشروعة في مواجهة الزحف الذي لا يتوقف للمستوطنات الإسرائيلية في المنطقة.
وأشارت الكاتبة، إلى أن الربط بين حادثتي إطلاق النار وخلايا حماس في الضفة الغربية، حيث تقع المستوطنتان، يعزز الصورة القومية الوطنية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، على النقيض من الصورة الشائعة عن السلطة الفلسطينية بأنَّها "مقاول يقوم بأعمال الاحتلال" نيابةً عنه.
وأضافت: من الصعب ألا تلاحظ النمط الذي تتبعه قوات الأمن الفلسطينية في انتشارها في شوارع الضفة الغربية، خصوصاً في ظل استمرار المداهمات العسكرية المشددة: لن تعثر على أي أثر لجنود إسرائيليين حين ينتشر جنود فلسطينيون مسلحون يرتدون زيهم العسكري في الأرجاء. وقالت: "والعكس صحيح أيضاً: لن ترى أي جنود فلسطينيين على مرمى البصر حين يداهم الجنود الإسرائيليون أحياء فلسطينية ويقتحمون المتاجر والمنازل، ويصادرون شرائط كاميرات المراقبة، ويطلقون النار على الشباب الذين يقذفونهم بالحجارة".
ويأتي اختفاء الشرطة الفلسطينية من الشوارع عقب إصدار تحذيرات من جانب الجيش الإسرائيلي. وتقول الصحيفة: بالنسبة للكثيرين، يُعَد هذا وضعاً عبثياً، منصوصاً عليه في اتفاق أوسلو، الذي يمنع قوات الأمن الوطني الفلسطيني من الدفاع عن مواطنيها في وجه اعتداءات الجيش الإسرائيلي.
وتَعَرَّض أهالي رام الله الأسبوع الماضي لمداهماتٍ عسكرية على نطاقٍ غير مسبوق، مقارنة بالسنوات الأخيرة. فكانت هناك مداهمات مستمرة، وأُطلِقَت النيران على المحتجين الذين يقذفون الحجارة، ووُضِعَت الحواجز عند مخارج المدن، وجرت السيطرة على المنازل، إضافة إلى مهاجمة مستوطنين لسيارات الفلسطينيين ومنازلهم.
مشاعر الازدراء تتنامى ضد السلطة في الضفة
تقول الكاتبة: حين تهاجم قوات الأمن الفلسطينية شعبها بدلاً من حمايته، تتنامى مشاعر الازدراء ضدها. ثم حين تدعو حركة فتح الحاكمة لمظاهرات ضد الاحتلال (على سبيل المثال في أراضي القرى التي يمنع عنف المستوطنين المزارعين من دخولها)، تُقابَل هذه الدعوات في أفضل الحالات بالأسف، وفي أسوئها بالاستخفاف.
ومنذ الأربعاء الماضي 12 ديسمبر/كانون الأول، قتل الجيش الإسرائيلي 5 فلسطينيين. ويعتقد الفلسطينيون أنَّ جميع حوادث القتل هذه تمت خارج إطار القانون بدلاً من اعتقالهم. وهؤلاء الفلسطينيون هم: أشرف نعالوة، المتهم بتنفيذ هجوم منطقة بركان قبل شهرين؛ وصالح البرغوثي، المشتبه في إطلاقه النار بمستوطنة عوفرا؛ ومجد مطير من مخيم قلنديا للاجئين شمالي القدس، والذي طعن شرطيين في البلدة القدس بالقدس.
أما الرابع فهو حمدان العارضة (67 عاماً)، رجل الأعمال الذي فَزِعَ عقب مصادفته جنوداً إسرائيليين في المنطقة الصناعية في البيرة وفَقَدَ السيطرة على سيارته. وافترض جنود إسرائيليون أنَّ العارضة كان يُنفِذ عملية دهس مُتعمدة.
أما الخامس فكان محمود نخلة من مخيم الجلزون للاجئين، الذي وفقاً لرواية الأهالي، أصابه الجنود بطلق ناري في البطن يوم الجمعة، وماطلوا في نقله إلى المستشفى.
تصرفات تنم عن ضعف السلطة الفلسطينية
أما الاحتجاجات الثالثة التي قمعتها شرطة السلطة الفلسطينية، فكانت من تنظيم أصدقاء نخلة في مخيم الجلزون شمال رام الله. إذ تحركوا يوم الجمعة في مسيرة عبر مدينة البيرة في طريقهم للتظاهر عند قبر الرئيس الراحل ياسر عرفات.
وعقب فض المظاهرة بالقوة، توجهوا إلى ميدان المنارة في رام الله. وفي طريقهم إلى الميدان، أشعلوا النيران في صناديق القمامة، وألقوها في وسط الشارع. إلى جانب ذلك، حطَّموا كاميرات المراقبة الأمنية وطالبوا أصحاب المحلات بإغلاق الأبواب حداداً على نخلة.
وأخبر أحد الصحافيين كان يرافقهم في بثٍ مباشر على الهواء، وحَرِص على عدم تسليط الكاميرا على وجوههم، المشاهدين إنَّ المحتجين يُعبِّرون عن سخطهم لوفاة صديقهم.
بيد أنَّ تجرؤهم على إثارة الاضطراب في هذه المدن الهادئة ظاهرياً والأكثر قناعة بالأوضاع كشف عن صدعٍ اجتماعي قديم بين مخيمات اللاجئين وباقي المجتمع وقادته. وتصاعدت هذه التوترات في أوقات تشهد تدهوراً اقتصادياً وتفشياً للشعور باليأس حيال المستقبل.
وفي محاولة تصالحية، أُعلِن حدادٌ جزئي أمس السبت 15 ديسمبر/كانون الأول تزامناً مع تشييع جثمان نخلة. وفي هذه الأثناء، اعتقل جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الصحافي الذي بثَّ مقطع الفيديو الذي يُظهِر مظاهراتهم، بحسب ما ذكره أقرباؤه. فمن الواضح أنَّ البث المباشر للاحتجاج كشف الكثير من المشكلات الداخلية والاضطرابات الاجتماعية التي قد تُترجَم باعتبارها ضعفاً للسلطة الفلسطينية، وغياباً للتضامن بين الفلسطينيين، وحالة تنافر متنامية.
مصير السلطة الفلسطينية إلى أين؟
وتقول الصحيفة الإسرائيلية في تقريرها، إن الخوف حيال مصير السلطة الفلسطينية انعكس في تقارير وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا) حول زيارة أجراها وفدٌ من المخابرات المصرية إلى مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله. إذ ذكرت التقارير الرسمية أنَّ مصر أعربت عن دعمها للرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني. ويمكن للمرء أن يستنبط من بين السطور وجود قلقٍ من أن تكون السلطات المصرية قبلت بنفوذ حماس في قطاع غزة.
وحضر اللقاء الرئيس عباس، ورئيسا جهاز المخابرات الفلسطيني وجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، ومسؤول بارز في حركة فتح والسلطة الفلسطينية يتمتع بأكبر قنوات التواصل المباشرة مع السلطات الإسرائيلية: وهو حسين الشيخ رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية (هذا المنصب هو النظير المقابل لمنصب مُنسِّق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية).
ولم يكن من الممكن أن يدخل الوفد المصري إلى رام الله أو يخرج منها دون تصريحٍ من إسرائيل. وإن كان التصريح بدخوله وخروجه يعني أنَّ إسرائيل تقبل أيضاً الرسالة التي تبعث بها مصر، فإنَّ الدلائل التي تبعث بها الأوضاع على الأرض توحي بعكس ذلك.
ففي منتصف ليل الجمعة، تجمَّع نحو 20 ناشطاً من لجان المقاومة الشعبية المُناهِضة للمستوطنات والسياج الحدودي في منزل إسلام أبو حميد، في مخيم الأمعري في البيرة. يُذكر أنَّ أبو حميد قد اتهم بقتل جندي إسرائيلي في وحدة قوات دوفدوفان "المستعربين" الخاصة في شهر مايو/أيار الماضي بعدما ألقى بلاطة رخامية على رأسه من شرفة منزله خلال مداهمة عسكرية للمخيم.
وعَلِمَ المحتجون أنَّ الجيش الإسرائيلي سرعان ما سيصل إلى بيت أبو حميد لهدمه، وقالوا إنَّهم يعتزمون الحيلولة دون حدوث هذا. ووصلت بالفعل فرقة كبيرة من القوات الإسرائيلية إلى المشهد في الساعات الأولى من صباح أمس السبت وفرضت حظراً للتجول في المنطقة والأحياء المحيطة.
أمس السبت، كانت القوات الإسرائيلية قد فجَّرت المنزل بالفعل. وأعقب ذلك اندلاع اشتباكات أسفرت عن إصابة نحو 60 شخصاً، بينهم صحافيون، قال فلسطينيون إنَّهم تعرَّضوا للاعتداء على يد جنود إسرائيليين.
من جانبها، ذكرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أنَّ 300 فلسطيني أصيبوا خلال الاشتباكات التي اندلعت في أرجاء الضفة الغربية خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة. ولم يكن أفراد الأمن الفلسطينيين حاضرين، أو على الأقل لم يكونوا موجودين وهم يحملون السلاح ويرتدون زيهم الرسمي. وربما كان غيابهم سيُنظَر إليه باعتباره أمراً عادياً أو ربما منطقياً ومقبولاً، لولا أنَّهم لجأوا في مرات عديدة سابقة إلى استخدام القوة لقمع حرية شعبهم في التعبير، وحقه في التنظيم والتظاهر.