توقع مركز Stratfor الأميركي أن يحسم حزب الحرية والعدالة الحاكم بتركيا الانتخابات المحلية المزمعة إقامتها في الربيع القادم، رغم التراجع الاقتصادي الذي تمر به البلاد والذي كان سبباً في احتفاظ الحزب الحاكم بمقاليد السلطة منذ 2002، في الوقت نفسه ضعف الأحزاب المعارضة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال المركز الأميركي إنه من الصعب تخيُّل أن ينتج عن الانتخابات المحلية التركية، المُقرَّر انعقادها في 31 مارس/آذار 2019، أية مفاجآت مثيرة. ومن المُرجَّح أن تصب النتائج مجدداً في مصلحة حزب العدالة والتنمية الحاكم، حزب الرئيس رجب طيب أردوغان، رغم الأزمة الاقتصادية المحتدمة، التي تحاصر تركيا والمتمثِّلة بشكلٍ رئيسي في ديون القطاع الخاص وارتفاع معدل التضخُّم الذي يتأرجح حالياً فوق مستوى 20%.
وبحسب الموقع الأميركي، ينصب اهتمام النخبة السياسية التركية عبر الأحزاب المختلفة، على الانتخابات المقبلة. وبينما يسعى حزب العدالة والتنمية إلى اختيار المُرشَّحين الجذابين، للحفاظ على سيطرته على المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، تتنافس أحزاب المعارضة -وخاصة حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي- حول اختيار المُرشَّحين لمناصب العُمَد العديدة، التي ستكون متاحةً في الربيع المقبل، ولا يُركِّزون على ابتكار استراتيجية كبيرة بالفوز بالانتخابات المحلية المقبلة.
وتشتهي الأحزاب والنخب السياسية على حدٍّ سواء، المناصب المحلية، لأن الإدارة الحكومية المحلية مُربحةٌ للغاية للعُمَد وأعضاء المجالس المحلية، الذين يحصلون على مناصب ممتازة تخول لهم سلطة إصدار أوامر المشتريات الحكومية، والتقسيم الإداري للمناطق، ومنح تراخيص البناء، وجميعها وسائل مثالية للثراء الذاتي. ويعد هذا السبب الأخير هو الدافع الذي يجعل العديد من المُرشَّحين المحتملين يتزاحمون للحصول على ترشيحٍ رسمي للمنصب، بحسب الموقع الأميركي.
حزبٌ حاكم مُعرَّض للخطر
ولم يظهر حزب العدالة والتنمية أكثر ضعفاً وأقل ثقةً مما هو عليه حالياً منذ اعتلائه السلطة في 2002. وحصل الحزب على نسبة تصويت بنحو 30% في استطلاعات الرأي، وهي نسبةٌ منخفضةٌ على نحو خطير بالنسبة لحزب حاكم يستعد لانتخابات محلية مقبلة، بحسب ستراتفور.
وعندما عُرِضَ الحزب الحاكم في استطلاعات الرأي كمتحالفٍ مع حزب الحركة القومية، الذي يتزعمه دولت بهتشلي، حصل هذا التحالف على نسبة تصويت بنحو 40%. ساعد تحالف بهتشلي-أردوغان على حسم الانتخابات الرئاسية لصالح أردوغان خلال الصيف الماضي.
وفي مقابل دعم وصول أردوغان إلى الرئاسة، ضَمِنَ حزب الحركة القومية مبدئياً حسم سياسات معينة، متمثِّلة بشكلٍ رئيسي في استمرار السياسات العدائية ضد القضية الكردية. في الانتخابات المحلية المقبلة، يسعى حزب الحركة القومية إلى استغلال هذه الفرصة عن طريق السعي إلى الفوز بمناصب العُمَد في المدن الكبيرة مثل مدينتي مرسين وعثمانية، التي لن ينافسه فيها حزب العدالة والتنمية. في المقابل، لن ينافس حزب الحركة القومية الحزب الحاكم، في مدنٍ أخرى مثل إسطنبول وأنقرة، بحسب الموقع الأميركي.
ضعف المعارضة التركية
سيحاول أيُّ حزب معارض عادةً استغلال الموقف المتزعزع للحكومة، لتحقيق مكاسب سياسية، لكن هذه ليست أوقاتٍ عادية. وليس من الواضح كيف سيقدِّم حزب الشعب الجمهوري نفسه بديلاً مقنعاً عن حزب العدالة والتنمية الحاكم. خلال الفترة من 2002 و2010، روَّجَ حزب الشعب الجمهوري لنفسه، تحت رئاسة دنيز بايكال، واصفاً نفسه باعتباره "ضماناً للعلمانية". وتحت رئاسة كمال كليتشدار أوغلو، خليفة بايكال، بدأ حزب الشعب الجمهوري تقديم نفسه باعتباره ضامناً لحكم القانون والحوكمة الديمقراطية، حتى قرَّر التخلي عن هذا الموقع دون أسبابٍ مفهومة. تحت رئاسة بولنت أجاويد في منتصف السبعينيات، ظهر حزب الشعب الجمهوري كبطلٍ قوي يمثِّل حشود الطبقة العاملة والحوكمة الديمقراطية الاجتماعية.
ومنذ عام 2015 بشكلٍ خاص، تحوَّلَ الحزب إلى نادٍ للنخبة، حيث يستهلك نواب رؤساء الحزب معظم طاقتهم في الدعاية لأنفسهم وحماية مصالحهم. وتبدو قيادة الحزب رافضةً لأي نقدٍ بناء من أساتذة الجامعة، والخبراء، وأعضاء الحزب.
وبحسب الموقع الأميركي، فإلى جانب هذه التطوُّرات، تُعَدُّ الحركة الكردية، رغم أن معظم قادة حزبها والعُمَد المنتمين إليه مسجونون، بتهم دعم محاولة الانقلاب العسكري، العامل المُتغيِّر الذي قد يدفع تحالف أردوغان-بهتشلي للقلق، فمن المُرجَّح بشدة أن يُصوِّت الأكراد في جنوبي تركيا لصالح حزب الشعب الديمقراطي.
انتخابات تسترجع الذاكرة؟
وحتى لو قدَّمَ حزب الشعب الجمهوري برنامجاً يُلهِم عدداً كافياً من الناخبين بما يُشكِّل تهديداً حقيقياً لحزب العدالة والتنمية، فلن يستطيع الحزب الجمهوري حسم هذه الانتخابات، بسبب أهميتها للحزب الحاكم.
في الوقت نفسه، سيضطر الناخبون الأتراك إلى معاناة النزاعات التافهة بين المعارضة مثل ما إذا كان محرم إنجه، مُرشَّح حزب الشعب الجمهوري السابق للرئاسة الذي كانت تُعلق عليه آمالاً، سيحصل على ترشيح الحزب للمنافسة على منصب عمدة إسطنبول بدلاً من جورسيل تكين أو أي مسؤولٍ آخر في الحزب غير معروف. سيضطر الناخبون أيضاً إلى التكهنب ما إذا كان كليتشدار أوغلو سيساعد في صياغة استراتيجية انتخابية قومية أم سيقوم برحلةٍ للخارج في توقيتٍ غريب مثلما فعل مؤخراً، بحسب الموقع الأميركي.
كلُّ هذا يحدث في وقتٍ يجد فيه حزب العدالة والتنمية صعوبةً أكبر في تقديم وعود للناخبين بأكثر من دفعة أخرى من مشروعات الإنشاءات العملاقة مثل الطرق والمطارات. ويواجه الحزب تحدياً أيضاً في اختيار مُرشَّحين لمناصب العُمَد، الذين تحظى أسماؤهم بتقديرٍ شعبي.