بعدما كانت قطر أول دولة عربية تنضم إلى منظمة الدول المُصدِّرة للنفط (أوبك) بعد تأسيسها عام 1960، ستكون الآن أول دولة عربية تغادرها.
ففي الثالث من ديسمبر/كانون الأول، قال سعد الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة في الإمارة، إنَّ بلاده ستخرج من اتحاد تصدير النفط للتركيز على إنتاج الغاز. وسيدخل القرار حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني المقبل.
وتُعَد قطر، الدولة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 2.7 مليون نسمة فقط، أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي المُسال في العالم.
وأعلن الكعبي أن بلاده تسعى إلى زيادة إنتاجها من الغاز "من 77 مليون طن سنوياً إلى 110 ملايين طن".
في المقابل فإن قطر مُنتِجٌ صغير للنفط، تضخ نحو 600 ألف برميل يومياً.
ومن بين أعضاء أوبك البالغ عددهم 15، تأتي قطر في المرتبة الحادية عشرة وتنتج أقل من 2% من إنتاج المنظمة. وتُعَد منفعة المنظمة من قطر قليلة، والعكس صحيح.
بدورها ذكرت صحيفة Washington Post أن دور منظمة أوبك في أسواق النفط العالمية مبالغ فيه. واعتبرت أن قوة السوق الحقيقية تقع بالكامل تقريباً على عضوها الأساسي، السعودية.
خروج قطر من أوبك رسالة سياسية
لكنَّ خروجها لا يتعلَّق بالاقتصاد فعلاً. بل كان خطوة سياسية تستهدف السعودية، أكثر الأعضاء نفوذاً في كل من أوبك ومجلس التعاون الخليجي، وفق ما نشر مجلة The Economist.
وكان مجلس التعاون، الذي سيجتمع في السعودية يوم 9 ديسمبر/كانون الثاني، أكثر الهيئات متعددة الأطراف في الشرق الأوسط فعالية.
فبعكس جامعة الدول العربية، التي تُمثِّل مجلساً للحوار بلا أنياب، أنشأ مجلس التعاون اتحاداً اقتصادياً وجمركياً.
لكن في العام الماضي، فرض ثلاثة أعضاء –السعودية، والإمارات، والبحرين- حظراً للتجارة والسفر على قطر.
تسبَّب الخلاف في شلِّ المجلس، وترك عضويه غير المنحازين لأحد الطرفين، أي سلطنة عُمان والكويت، قلقتين على نحوٍ متزايد.
ويتساءل المسؤولون في هذين البلدين ما إن كان يمكن أن يشملهم الحظر المفروض على قطر، أو أن يُعاقبوا بطرق أخرى.
إيران تعتبر الخطوة انعكاساً لخيبة أمل قطر في المنظمة
طهران رأت أن القرار القطري يُظهر "خيبة أمل" الدولة إزاء الدور السعودي الروسي المهيمن على السوق النفطية.
ونقلت وكالة رويترز عن حسين كاظم بور أردبيلي، مندوب إيران في منظمة الأوبك، قوله تعليقاً على قرار الدوحة: "إنه أمر مؤسف جداً، ونحن نتفهم خيبة أملهم".
وأضاف: "ثمة الكثير من الأعضاء في أوبك يشعرون بخيبة أمل من أن اللجنة الوزارية المشتركة للمراقبة تتخذ قرارات بشأن الإنتاج بصورة منفردة ومن دون توافق مسبق داخل أوبك".
وترأس المملكة العربية السعودية وروسيا اللجنة الوزارية المشتركة للمراقبة، بعد الاتفاق في أواخر عام 2016 بين دول أوبك وروسيا وعدد من الدول المنتجة للنفط خارج المنظمة على آلية لتخفيض الإمداد النفطي.
وساطة الكويت لا تُرضي محمد بن سلمان
في سبتمبر/أيلول الماضي، أجرى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أول زيارة رسمية له إلى الكويت.
كانت اللوحات الإعلانية في الكويت العاصمة تشيد بالعلاقات الوثيقة.
لكن بالإمكان قول أي شيء عن زيارة الأمير إلى الكويت، باستثناء أنَّها كانت زيارة دافئة.
إذ حاولت الكويت الاضطلاع بدور الوسيط في الخلاف مع قطر، لكنَّ الأمير محمد لم يكن سعيداً بهذا، وضَغَطَ على الكويتيين للانضمام إلى الحظر، لكنَّهم رفضوا.
رفضت الكويت كذلك طلبه لاستئناف إنتاج النفط في "المنطقة المحايدة"، وهي قطاع من الأراضي الحدودية يتقاسم الطرفان حقوق استخراج النفط فيه.
وكان من المُفتَرض أن تستمر الرحلة ليومين، لكنَّ الأمير عاد إلى بلاده في غضون ساعات.
وتعاونها العسكري مع تركيا لا يحسّن الأمور
وفي نفس الوقت تقريباً، وقَّعت الكويت اتفاق تعاون عسكري مع تركيا.
قلَّلت الكويت من شأن الاتفاق باعتباره مسألةً إجرائية، لكنَّ تركيا باتت فاعلاً مهماً في الخليج، وخصماً للمعسكر الذي تقوده السعودية.
فلتركيا قوات منتشرة في قطر لحمايتها في وجه غزوٍ محتمل.
وتدهورت علاقات تركيا مع السعودية منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين قتل أفراد فريق اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول.
أما عُمان.. فبدأت تستفيد اقتصادياً رغم الحياد
ولا يتوقع أحد أن تنضم سلطنة عُمان إلى الحظر. فيقول أحد المستشارين في البلاط السلطاني: "لدينا تقليد يتمثل في البقاء محايدين في كل شيء".
وقد استفادت البلاد من هذا الخلاف، فباتت شحنات البضائع التي تقصد قطر تتجه إلى ميناء صحار بدلاً من ميناء جبل علي في دبي.
وتشعر الإمارات بالقلق من أن يستولي ميناء الدقم، وهو ميناء حديث تحت الإنشاء على ساحل عُمان الأوسط القاحل، على مزيدٍ من التجارة.
وحظي البلدان طويلاً بعلاقاتٍ مضطربة، شابتها نزاعات حدودية ومزاعم تجسس.
في الوقت نفسه، يحاول السعوديون إقناع إدارة ترامب بأنَّ عُمان قريبة من إيران أكثر من اللازم.
وزيارة نتنياهو تعكس استعدادها للعب دور الوساطة مع إيران
حَطَّ في سبتمبر/أيلول الماضي 5 آلاف من القوات البريطانية في عُمان للمشاركة في مناورة عسكرية كبيرة.
يقول دبلوماسي غربي في مسقط إنَّ عُمان ترغب بأن يعرف جيرانها أنَّ لديها صديقاً قوياً. فضلاً عن أنَّ البلد يحصل على حلفاء جدد.
فمع أنَّ أياً من دول الخليج لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، تتسابق العديد منها لإقامة روابط مع تل أبيب.
إذ استُقبِل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مسقط في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وسمحت زيارته للسلطان قابوس بإظهار الجانب الإيجابي في علاقته مع إيران؛ فيمكن أن تكون عُمان وسيطاً بين إيران وإسرائيل. وقد هدَّأ هذا المنتقدين في واشنطن والعواصم الخليجية، على الأقل في الوقت الراهن.