تسعى النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية رشيدة طليب ، إلى كسر تقليد اعتاد عليه أعضاء مجلس النواب الأميركي الجدد منذ عقود، بتنظيم رحلة إلى إسرائيل.
وقالت رشيدة طليب لموقع The Intercept الأميركية أنها -من أجل هذه الغاية- تخطط لقيادة وفد من الكونغرس إلى الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل. وأضاف الموقع أن زيارتها تشكل توبيخاً خاطفاً لتقليدٍ مستمرٍ منذ عقود يتبِّعه النواب المنتخبون حديثاً: وهو رحلة إلى إسرائيل عبر الذراع التعليمية للجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية المعروفة بـ AIPAC، وهي جماعة ضغط قوية مؤيدة لإسرائيل.
وأوضح تقرير الموقع الأميركي، أن النائبة الديمقراطية رشيدة طليب، المنتخبة عن الدائرة الـ13 بولاية ميشيغان، تنتمي إلى مجموعة من الأعضاء الجدد في الكونغرس الأميركي تعهدوا بتغيير الوضع الراهن، حتى فيما يتعلق بالملفات الملغومة التي طالما تجاهلها النواب، مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ما الذي تريده رشيدة طليب من خلال زيارة النواب الأميركيين إلى الضفة الغربية؟
تأتي رحلات لجنة AIPAC ضمن التقاليد الأقل شهرة التي يتبعها أعضاء الكونغرس الجدد. وتجري هذه الرحلات عادة خلال أول عطلة برلمانية في أغسطس/آب من كل دورة تشريعية، وتتضمَّن جولة في إسرائيل تستمر أسبوعاً، وتجري خلالها مقابلات مع شخصيات إسرائيلية بارزة في الحكومة والجيش وقطاع الأعمال.
ويقول بعض منتقدي رحلة AIPAC التي يخوضها النواب الجدد، وأنصارها كذلك إنَّ هذه المساعي تكون مؤثرة للغاية، وتريد النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية استغلال ذلك، خاصة وأنها تريد أن توضح حقيقة معاناة الفلسطينيين، بعد أن كانت الزيارات تُقدِّم لأعضاء مجلس النواب رؤيةً مؤيدة بشدة لإسرائيل في الخلافات المعقدة بالمنطقة.
وفي الأعوام الأخيرة، ترأس رحلة الديمقراطيين زعيم الأغلبية الديمقراطية ستيني هوير (المُنتخب عن الدائرة الخامسة بولاية ماريلاند). بينما عادةً ما يرأس رحلة الجمهوريين زعيم الأقلية الجمهورية كيفن مكارثي (المُنتخب عن الدائرة الـ23 في ولاية كاليفورنيا).
بيد أنَّ طليب، وهي أول امرأة أميركية فلسطينية تُنتخب لعضوية الكونغرس، تأمل أن تستغل جذورها في المنطقة، لتقدم إلى زملائها من النواب الجدد منظوراً مختلفاً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وقد قالت إن مجموعتها سوف تركز على موضوعات مثل اعتقال إسرائيل للأطفال الفلسطينيين، والتعليم، والحصول على المياه النظيفة، والفقر. بل قد تصحبهم إلى قرية بيت عور الفوقا شمال الضفة الغربية، حيث تعيش جدتها.
لا يتضح من سينضم إلى طليب في رحلتها. فهي ما زالت تعمل على التفاصيل المتعلقة بتوقيت الرحلة ومنظمات التأييد التي ستشاركها من أجل تمويل البعثة.
لكن طليب تبدو واضحة في موضوع بعينه: تريد النائبة من بعثتها إضفاء طابع إنساني على قضايا الفلسطينيين، وتقديم منظور بديل للرؤية التي تدفع بها لجنة AIPAC، وتسليط الضوء على عدم المساواة المتأصلة في نظام الاحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية الذي تنتهجه إسرائيل، والذي تشبهه طليب بما تحمَّله الأميركيون ذوو الأصول الإفريقية في الولايات المتحدة خلال عهد تطبيق قوانين جيم كرو.
لا يقتصر تحدي النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية على رحلة
ففي مقابلة لها مع موقع The Intercept، أظهرت لأول مرة دعمها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وهي الحركة المعروفة بـ BDS التي تنادي بمعاقبة إسرائيل على انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها.
قالت طليب النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية : "إنني شخصياً أدعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات". وأضافت أن المقاطعة الاقتصادية تشكل طريقة لجذب الانتباه نحو "قضايا مثل العنصرية وانتهاكات حقوق الإنسان الدولية التي ترتكبها إسرائيل الآن".
بينما قال يوسف مُنيِّر، المدير التنفيذي للحملة الأميركية لدعم حقوق الفلسطينيين، إن رحلة طليب تعد- علامة على أنها سوف تُقدِّم منظوراً جديداً حول هذه القضية عندما تبدأ في مباشرة مهامها.
وأضاف: "إنها تُقدِّم منظوراً جديداً غير معهود بشأن القضية، لا سيما لأنَّ لديها عائلة في الضفة الغربية ولديها روابط قوية هناك. فمن المهم أن يكون لديك شخص هكذا يمكنه أن يؤدي دوراً للمساعدة في تسليط الضوء على الموقف من أجل (أن يراه) أعضاء الكونغرس الآخرون".
ويأتي إعلان طليب موقفها المؤيد لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بعد أسابيع من عاصفة الانتقادات التي واجهتها النائبة الديمقراطية المنتخبة إلهان عمر (الدائرة الخامسة في ولاية مينيسوتا)، والتي تتضمَّنت اتهامها بمعاداة السامية، لتأييدها حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.
وصحيحٌ أنَّ رشيدة طليب النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية وإلهان عمر هما الوحيدتان اللتان أعلنتا دعمهما الحركة من بين أعضاء الكونغرس، بيد أنَّ صراحتهما تعطي إشارة على تبدُّل الأحاديث التي تدور في واشنطن حول الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل، بالرغم من حُكمها القاسي الذي تفرضه على الفلسطينيين.
وقال بعض الناشطين الحقوقيين إنَّ رحلة AIPAC تمثل عاملاً رئيسياً في إمالة الموازين بالعاصمة الأميركية نحو سياسات تعكس تفضيل مصالح الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين، مما يساعد صناع السياسة على غض الطرف عن الاحتلال الإسرائيلي المستمر للضفة الغربية، والمستوطنات الإسرائيلية، والهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة.
وهنا تكمن القوة التشريعية لهذه اللجنة لدعم إسرائيل
يُذكَر أنَّ اللجنة استعرضت عضلاتها في الكونغرس ومع إدارة ترامب للضغط من أجل زيادة المساعدات العسكرية إلى إسرائيل والحد من الدعم المالي المُقدَّم إلى الفلسطينيين، والانسحاب من الاتفاق النووي الذي عقده الرئيس السابق باراك أوباما مع إيران.
وتمرير قوانين جديدة تجرِّم المشاركة في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، التي تنادي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، والمساواة من أجل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين أُخرجوا من إسرائيل في عام 1948.
وفي ظل إدارة الرئيس ترامب، صارت أولويات لجنة AIPAC جزءاً لا يتجزأ من السياسة الأميركية، وهو ما اتضح في نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.
أفاد تحليل اضطلع به موقع The Intercept حول الإقرارات العلنية بأن الذراع التعليمية للجنة AIPAC المتمثلة في رابطة التعليم الأميركية الإسرائيلية (U.S. Israel Education Association)، أنفقت طوال العقد الماضي 12.9 مليون دولار على الرحلات إلى إسرائيل التي خاضها 363 نائباً و657 من موظفي الكونغرس.
وعادةَ ما تتكلف أي رحلة للنواب الجدد مبلغاً يتراوح بين 9300 دولار و10500 دولار للمشارك الواحد، وهو ما يغطي كافة التكاليف، بما في ذلك رحلة طيران على فئة رجال الأعمال وإقامة في فندق فاخر بالقدس. ويمكن للنواب دعوة أحد أفراد العائلة معهم.
قيادات الكونغرس من الحزبين تشارك في الزيارة
وتضفي مشاركة قيادات الكونغرس من كلا الحزبين طابعاً مؤسسياً على هذه الزيارات التي تريد النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية تغيير طبيعتها.
وأكد المكتب الإعلامي لهوير أنَّ زعيم الأغلبية الديمقراطية سوف يطلب من النواب الديمقراطيين المنتخبين مؤخراً أن يشاركوا في رحلة AIPAC إلى إسرائيل في العام المقبل 2019، ودافع المكتب كذلك عن البرنامج ضد اتهامات الانحياز الموجهة إليه.
إذ قالت أناليزا دافيز، وهي متحدثة باسم هوير: "بالرغم من عدم التخطيط لذلك حتى الآن، يعتزم هوير أن يكون بمثابة العضو البارز في بعثة من أعضاء الكونغرس تتجه إلى إسرائيل في العام القادم".
وكتبت دافيز في بيان: "تعد رحلة البعثة إلى إسرائيل فرصةً لأعضاء الكونغرس الجدد كي يعرفوا المزيد عن التهديدات الإقليمية والديناميات في الشرق الأوسط وتعقيدات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
وأضاف البيان أنَّ منظمي رحلة AIPAC "يعملون بجدٍّ لعرض كلا جانبي الصراع"، وتتضمَّن جهودهم عقد اجتماعات مع القيادة الفلسطينية، وفريق الدعوة الإسرائيلية Peace Now، و"قادة إسرائيليين من جميع توجُّهات الطيف الأيديولوجي".
برنامج رحلة AIPAC المؤيدة لإسرائيل
عرضت برامج الرحلات السابقة التي قدمتها لجنة الأخلاقيات في مجلس النواب أنَّ النواب الذين يخوضون رحلة AIPAC ليس لديهم وقت طويل من أجل الاستماع إلى الفلسطينيين، إضافة إلى عدم زيارة قطاع غزة.
ففي العام الماضي 2017، قضى النواب الديمقراطيون الجدد في الدورة التشريعية 115 للكونغرس الأميركي أغلب أوقات زيارتهم، التي استغرقت سبعة أيام، في عقد اجتماعات مع القادة الإسرائيليين.
وخاضوا جولات إلى المواقع الثقافية المسيحية واليهودية. وأجروا زيارتين للاطلاع على صواريخ الدفاع الإسرائيلية، وتناولوا وجبة عشاء مع رئيس تحرير صحيفة Times of Israel، وتناولوا وجبة غداء أخرى مع مديرين تنفيذيين في شركتين ناشئتين إسرائيليتين.
وحضر النواب أيضاً مؤتمراً صحافياً عقده عقيدٌ إسرائيلي حول التهديد الذي يشكله حزب الله، وحضروا اجتماعاً مع السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، واجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إضافة إلى زيارات أخرى مع مسؤولين إسرائيليين آخرين، حسبما ذُكر في برنامج رحلتهم.
بينما تضمَّن جدول أعمال البعثة زيارة واحدة إلى قائد فلسطيني: وهو اجتماع استغرق ساعة و 15 دقيقة مع شكري بشارة، وزير المالية في السلطة الفلسطينية.
وحضر الوفد أيضاً اجتماع فطور ضمَّ مدير سابق لمجموعة Peace Now، إضافة إلى عوديد رفيفي، رئيس المجلس المحلي لمستوطنة إفرات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
وكان برنامج رحلة أعضاء الكونغرس الجمهوريين الجدد في الدورة التشريعية 115 مشابهاً لذلك أيضاً، فقد عقدوا اجتماعات مع عشرات من القادة الإسرائيلين، وعقدوا اجتماعاً واحداً قصيراً فقط مع مسؤولي السلطة الفلسطينية.
بقاء إسرائيل وأمنها قضية مهمة للولايات المتحدة الأميركية
ومنذ عام 2013، يجتمع النواب الجمهوريون مع نظرائهم الديمقراطيين في إحدى مراحل رحلاتهم المنفصلة التي ترعاها لجنة AIPAC. بدأ ذلك التقليد بهوير ومكارثي، بعد أن خسر النائب الجمهوري إريك كانتور (الدائرة السابعة بولاية فيرجينيا)، الذي قاد بعثة الحزب الجمهوري في الأعوام السابقة، خسارة غير متوقعة في الانتخابات التمهيدية لحزبه في عام 2012.
وكان هوير يقود هذه الرحلات بأعداد كبيرة منذ عام 2003.
وقال في مؤتمر السياسة الوطنية للجنة AIPAC في عام 2016: "أحظى بإعادة تنشيط لمبادئي والتزاماتي ومدى الأهمية القصوى التي تتسم بها العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة" وذلك في توضيحه الغرض من زيارة إسرائيل. وأضاف هوير أن الرحلات ضرورية من أجل "إرسال رسالة إلى العالم بأن بقاء إسرائيل وأمنها قضية مهمة للولايات المتحدة الأميركية".
جديرٌ بالذكر أنَّ هوير كان أبرز أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين المشاركين في رعاية تشريع مثير للجدل صِيغ لتجريم المشاركة في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في العام الماضي.
وفي وقتٍ سابق من العام الجاري، قال هوير لموقع The Intercept إنَّه يؤيد اعتداء الجيش الإسرائيلي على المحتجين الفلسطينيين عند الخط الحدودي الفاصل بين إسرائيل وغزة، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 50 متظاهراً وإصابة أكثر من 2000 آخرين.
وفي بريد إلكتروني مُرسل إلى موقع The Intercept، قال مايك ميريمان لوتزي، مدير البرنامج الفلسطيني الإسرائيلي في لجنة American Friends Service: "الرحلات التي رعتها لجنة AIPAC تُنظَّم بغرضٍ صريحٍ متمثل في بناء دعم أحادي لإسرائيل داخل الكونغرس. ولا يوجد أي توازن فيها".
وذكر أنَّ النواب لا يقضون وقتاً كبيراً في المناطق الفلسطينية، ولا يلتقون فلسطينيين من الأراضي المحتلة أو أعضاء المجتمع المدني المستقلين.
ويسلِّط وصف النواب هذه الرحلات ضوءاً على طبيعتها الأحادية
فبعد زيارة النائب الجمهوري راندي هالتغرين (الدائرة الـ14 بولاية إلينوي) إلى إسرائيل برعاية لجنة AIPAC، كتب مقالة رأي في صحيفة Chicago Sun-Times ذكر فيها أنَّه قضى أغلب وقته مع "عديد من كبار قادة البلاد، بمن فيهم رئيس الوزراء نتنياهو، وأعضاء مجلس الوزراء، وقادة عسكريون، ونظراؤنا في الهيئة التشريعية".
وانتقد هالتغرين الفلسطينيين وحدهم للتسبب في استمرار العنف في المنطقة واستنتج أن الولايات المتحدة يجب عليها مواصلة دعم إسرائيل "لتعزيز علاقاتنا الثقافية والدينية والاقتصادية التي تجمعنا معاً في قضية مشتركة"، وهي النظرة التي تريد النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية تغييرها.
بينما تحدث النائب الديمقراطي جيم لانغفين (الدائرة الثانية بولاية رود آيلاند) عن مسألة دعمه جدار الفصل الإسرائيلي المثير للجدل بعد زيارته مع لجنة AIPAC في 2013. وفي مقابلة مع وكالة الأنباء اليهودية Jewish Telegraphic Agency، قال لانغفين: "منحتني (الزيارة) استيعاباً أفضل بأنَّ بعض الأمور على شاكلة الجدار تكون ضرورية، وتمثِّل رد فعل منطقياً أمام التهديدات الإرهابية التي تواجهها إسرائيل".
لكن هناك من يعارض هذه الزيارات وطبيعتها
على الجانب الآخر، انتقدت النائبة الديمقراطية بيتي مكولوم (الدائرة الرابعة بولاية مينيسوتا) -التي تُعَد واحدةً من أبطال الدفاع عن حقوق الفلسطينيين النادر وجودهم في الكونغرس والذي تعزز بصعود النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية – تأثير لجنة AIPAC انتقاداً حاداً.
إذ قالت مكولوم في تصريحٍ أدلت به إلى موقع The Intercept: "لا يجب أن ينخدع أعضاء الكونغرس المنتخبون حديثاً بأنَّ زيارات إسرائيل التي ترعاها لجنة AIPAC تستهدف شيئاً سوى الدفع بالأجندة اليمينية لنتنياهو وحزب الليكود المتعلقة بالتوسع في المستوطنات، والاحتلال، والقضاء على فرصة حل الدولتين".
وشجَّعت مكولوم الديمقراطيين على زيارة إسرائيل، ولكن بشرط أن يتواصلوا في تلك الزيارات مع الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال العسكري وهو الأمر الذي تسعى إليه النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية ، ليعرفو كيف يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون حياة مترابطة وكيف يتأثرون بقرارات السياسة الأميركية.
وقالت مكولوم: "الهدف من هذه الرحلات هو استمرار تدفق 4 مليارات دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين إلى جيش إسرائيل سنوياً. أتفهم السبب الذي يدفع أعضاء الحزب الجمهوري لخوض رحلات لجنة AIPAC نظراً إلى أنهم يتشاركون في نفس الأجندة اليمينية".
ومن يعتبر بأن بعض أعضاء مجلس النواب الأميركي يُجبرون على ذلك
وثمة ناقد صريح آخر لهذه الرحلات التي تريد النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية تعديلها، وهو النائب الديمقراطي السابق بريان بيرد (الدائرة الثالثة بواشنطن)، الذي وصف الزيارات من قبل بأنَّها "شبه إلزامية" لأنَّ القيادة الديمقراطية بذلت محاولات مكثفة لإقناع الأعضاء بتبني أفكار لجنة AIPAC.
زار بيرد قطاع غزة زيارة مستقلة في 2010. وأخبر الصحفيين آنذاك بأنَّ مشاهدة الظروف المعيشية والدمار الذي أحدثته عملية الرصاص المصبوب (التي تطلق عليها المقاومة الفلسطينية معركة الفرقان)- وهو توغل إسرائيلي في المنطقة أسفر عن مقتل أكثر من ألف مدني- فتَّحت عينيه على اختلال ميزان السياسة الأميركية في المنطقة.
وقال بيرد في تصريحٍ لشبكة CNN الأميركية: "إذا كان كل ما يحدث هو أنك تأتي إلى هذه المنطقة وتُسحب من يدك لترى أشياء يريدك شخص ما أن تراها، وتسمع قصصاً يريدك شخص ما أن تسمعها، فلن تصل إلى انطباع كامل بشأن ما يجري حقاً".
وكان بعض الناشطين الأميركيين اليهود يحاولون منذ أكثر من عقد أن يقدموا بديلاً لرحلات لجنة AIPAC. وفي عام 2007، شكلوا مجموعة الدعم J Street الليبرالية التي تؤيد حل الدولتين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتدعو إلى مصالحة سلمية مع الفلسطينيين.
وتنظم مجموعة J Street رحلات يُجريها أعضاء الكونغرس إلى إسرائيل منذ 2010. ولكن حتى هذه الرحلات، التي تجعل النواب على اتصال أوثق بالناشطين الفلسطينيين، تتركز كذلك حول عقد اجتماعات مع رموز عسكرية وسياسية في إسرائيل.
وحاولت المجموعة منافسة لجنة AIPAC، لكنَّها لا تملك سوى قليلٍ من الموارد. إذ أنفقت لجنة AIPAC على مرِّ العقد الماضي 12.8 مليون دولار على رحلات خاضها 1020 نائباً وموظفاً في الكونغرس إلى إسرائيل، حسبما أوضح استعراض بعض الإقرارات.
أمَّا على الجانب الآخر، فقد أنفقت مجموعة J Street أكثر من نصف مليون دولار بقليل خلال نفس المدة على رحلات 63 نائباً وموظفاً في الكونغرس إلى المنطقة.
وهم يقومون بذلك فقط لتجنب "الصراع" مع القيادة
قال أحد كبار الموظفين في الكونغرس طالباً عدم ذكر اسمه: "يشعر كثير من الأعضاء بالضغط من أجل إجراء هذه الرحلة. يطلب منهم ستيني (هوير) خوضها، لذا فإنهم يخوضونها وحسب. يغادر الأعضاء التقدميون بغُصَّةٍ في حلقهم. وإذا كنت عضواً جديداً بالكونغرس، فإنك تنسحب من القضايا الفلسطينية الإسرائيلية لأنَّك تدرك سريعاً بعد الرحلة أنَّ الأمر لا يستحق أن تدخل في صراع من أجله مع القيادة".
وفي ظل تنصُّل رشيدة طليب النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية من رحلة AIPAC والتخطيط لرحلتها الخاصة، سوف تدخل في صراع مع القيادة حتى قبل مباشرة مهامها الرسمية. وأشار نواب ديمقراطيون آخرون منتخبون حديثاً إلى أنهم يبحثون إمكانية الانضمام إلى رحلة طليب البديلة إلى المنطقة، لكنهم كانوا غير مستعدين للتعليق علناً.
يأتي موقف الديمقراطيين في ولاية ميشيغان متماشياً مع موقف المدافعين عن حقوق الفلسطينيين في واشنطن. إذ دعا أسامة أبو أرشيد، مدير قسم السياسة الوطنية في منظمة مسلمون أميركيون من أجل فلسطين، أعضاء الكونغرس إلى إعادة التفكير في مشاركاتهم في رحلات لجنة AIPAC، التي وصفها بأنها تقدم غطاءً لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل.
وأضاف أبو أرشيد: "إذا كان على هؤلاء الأعضاء أن يذهبوا إلى المنطقة، فإنهم يجب أن يعبروا إلى الجانب الآخر، ويشاهدوا معاناة الفلسطينيين بأعينهم، ويُجروا مقابلات على الأرض مع الناشطين الحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية".
وهناك قاعدة ديمقراطية تدعم اتخاذ خطوات أكثر صرامة تجاه إسرائيل
ويقول بعض المدافعين عن حقوق الفلسطينيين أيضاً إن رغبة النائبة في الكونغرس الأميركي ذات الأصول الفلسطينية في رفض توجُّه الحزب المتعلق بإسرائيل يعكس وجود قاعدة ديمقراطية مضطربة تدعم اتخاذ خطوات أكثر صرامة ضد مستوطنات إسرائيل واحتلالها العسكري.
وتوصل استطلاع رأي Economist/YouGov poll إلى أنَّ ربع الليبراليين الأميركيين فقط يعتقدون أن إسرائيل حليفة للولايات المتحدة؛ وهو ما يشكل انخفاضاً عن نسبة الليبراليين الذين اعتبروا إسرائيل حليفةً في عام 2017، إذ وصلت آنذاك إلى 36%.
وقالت ريبيكا فيلكومرسون، المديرة التنفيذية لمنظمة Jewish Voice for Peace (صوت اليهود من أجل السلام): "حقوق الفلسطينيين تُدمَج ضمن الأجندة التقدمية الأوسع. فقد صار هناك شبه قاعدة تشير إلى أنَّك إذا دعمت نظام الرعاية الصحية والعدالة المناخية للجميع، فذلك يعني أنك تدعم حقوق الفلسطينيين".
لكنَّ ذلك الموقف يتعارض مع موقف أحد قادة الحزب الديمقراطي الذي كان المتحدث الرئيسي، إلى جانب نائب الرئيس مايك بينس، في مؤتمر المجلس الإسرائيلي الأميركي الذي عُقِد في نهاية الأسبوع، ويُذكَر أنَّ هذا المجلس مجموعة مؤيدة لإسرائيل يمولها مانحون يمينيون مثل شيلدون أديلسون.
وقالت فيلكومرسون: "تحوَّلت القاعدة وسوف تضطر القيادة إلى التحول في وقت أقرب مما تتوقعون. المواجهة لم تنته بعد. لكنَّ عصر اتحاد الحزبين حول دعم إسرائيل يبدو أنه قد انتهى حقاً".