قال مركز Stratfor الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية في تقرير له، إنه في الوقت الذي ينحسر فيه الصراع الساخن أكثر داخل سوريا، لا يزال العام المقبل محفوفاً بخطر هبوب أكبر عاصفة نارية حتى الآن، وهذه المرة لن تكون المواجهة فقط بين قوات النظام والمعارضة، ولكن بين الدول المختلفة التي دخلت الساحة السورية.
وتنبّأ الموقع بذلك، بالرغم من أن "الصراع لم يعد يتصدَّر عناوين الأخبار العالمية كما كان في السابق"، بحسب الموقع. ويرجع هذا بدرجة كبيرة إلى أنَّ قوات النظام السوري نجحت في السيطرة على معظم المراكز السكانية في البلاد، ولأنَّ معظم خطوط الجبهة المتبقية أصبحت مُجمَّدة نسبياً.
ويضيف التقرير أنه على مدى السنوات العديدة الماضية، تلاقت القوى الكبرى والإقليمية على حدٍّ سواء عند سوريا، لتحقيق مجموعة متنوعة من المصالح والأهداف. بعض هذه الأهداف، مثل هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف (داعش)، الذي لم يعد الآن بنفس قوته السابقة.
مشيراً إلى أنه "قد لا يكون لدى تركيا وإسرائيل وإيران والولايات المتحدة وروسيا رغبة كبيرة في الانخراط في حربٍ مفتوحة مع بعضهم البعض، لكنَّ سعي هذه الدول لتحقيق أهداف مختلفة، فضلاً عن عدم توفر مساحة كافية للمناورة في هذا المسرح المزدحم، يعني أنَّ أي عمليات عسكرية تُخاطر بإشعال صدام بين الدول، بقصدٍ أو بغير قصد. ويمكن أن يكون لصراعٍ كهذا تداعياتٌ عالمية معقّدة وغير مُرحَّب بها".
هل تعود "إدلب" إلى الواجهة؟
وبحسب المعهد الأميركي، فإن الخطر الأساسي في المرحلة المقبلة في سوريا، سينشأ من استمرار رغبة الحكومة السورية وحلفائها، خاصةً إيران، في استعادة المزيد من الأراضي. حيث لا تزال القوات الموالية للحكومة تحاول الاستيلاء عليها، ويمكن لدمشق وطهران أن تُحَوِّلا اهتمامهما إلى منطقتين رئيسيتين: شمال غربي سوريا، حيث تسيطر المعارضة المدعومة من تركيا، وشمال شرقي سوريا، حيث تهيمن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. وفي حين قد يحدّ وجود القوات التركية والأميركية من قدرة دمشق وقدرة طهران على التقدُّم إلى هذه المناطق، فمن المستبعد أن تظل القوات الموالية مُذعِنة تماماً.
وكما هو الحال الآن بالفعل، يبدو أنَّ بعض الأنشطة العسكرية حول محافظة إدلب أمر لا مفرَّ منه تقريباً، ما يزيد من خطر حدوث صدام مباشر بين القوات الموالية للنظام السوري والقوات التركية الموجودة في المنطقة، إلى جانب بعض حلفائها من المعارضة. وفي حال قيام دمشق بتأمين الحصول على مساعدة موسكو في العمليات العسكرية في إدلب، فلن يؤدي ذلك إلا لزيادة فرص حدوث صدام سوري تركي.
ويشير ستراتفور في تقريريه إلى أنَّ أولوية روسيا هي مغادرة النزاع (والحفاظ على مكاسبها)، وفي نفس الوقت المحافظة على علاقات ودية مع تركيا. لكنَّ انزعاج موسكو يزداد بسبب عدم إحراز أنقرة تقدماً في تفكيك بعض جماعات المعارضة "الأكثر تطرفاً" في إدلب، مثل هيئة تحرير الشام -جبهة النصرة سابقًا- التي تُواصل شنَّ هجماتها على القوات الروسية. ولأنَّ دمشق تسعى للحصول على أي مبرر لاستئناف العمليات العسكرية، فإنَّ الكرملين المتلهف لتسوية النزاع قد يدعم هجوماً إيرانياً وسورياً على إدلب، مُخاطِراً بالتصادم مع تركيا.
ماذا عن الخطة الأميركية في سوريا؟
بحسب المركز الأميركي، تعيد الولايات المتحدة ترتيب أهدافها في مختلف أنحاء البلاد، وصولاً إلى الشرق، للحدِّ من مصالح إيران ووجودها. إذ يوجد عدد كبير من القوات الإيرانية بالقرب من مواقع قوات سوريا الديمقراطية في شرقي سوريا، وقد خاض الجانبان بالفعل عدة مناوشات.
وإذا زادت حدة الخلاف بين واشنطن وطهران في عام 2019، فإنَّ أي معركة بين القوات الإيرانية وقوات سوريا الديمقراطية في المنطقة يمكن أن تُشعِل معركةً أكبر في سوريا بين القوات الأميركية والإيرانية. علاوة على ذلك، من المرجح في مثل هذه الحدود المغلقة أن يَجُرَّ الصراع القوات السورية وربما الروسية.
تركيا تحاول تجنُّب الصدام المباشر مع واشنطن
تركيا بلدٌ آخر له مصلحة بالغة في المنطقة. وفي إطار حرصها على إضعاف وحدات حماية الشعب الكردية في المنطقة أكثر، سعت تركيا في بادئ الأمر إلى أن تبقى في سوريا لفترة أطول من الولايات المتحدة، قبل أن تتحرك لسحق الميليشيا التي تتكون من الأكراد بالأساس في المنطقة، لكنَّ واشنطن أجبرت أنقرة على إعادة التفكير في هذه الاستراتيجية بعدما أعلنت عن نيتها البقاء لفترة أطول في سوريا.
ستحرص تركيا بشدة على تجنُّب الصدام المباشر مع القوات الأميركية في سوريا (حتى لو لم تُخفف مخططاتها الإقليمية التوترات بين الحليفين الشكليين بالناتو)، لكنَّها ستبحث باستمرار عن سبل لإضعاف وحدات حماية الشعب العام المقبل. ويمكن أن تضرب القوات التركية بعض قادة وحدات حماية الشعب وغيرها من الأهداف ذات الأهمية، في حين يمكن لأنقرة أيضاً المُضي بحملةٍ سرية ضد الميليشيا، من خلال اغتيال عناصر قيادية، وإثارة التمرد بين العناصر العربية في قوات سوريا الديمقراطية. وبغضّ النظر عن مسار العمل الذي ستنتهجه تركيا، فإنَّ هذا الأمر لن يبقى هامشياً.
إسرائيل والدوافع "الاعتيادية" في سوريا
يشير المعهد الأميركي إلى أن إسرائيل أيضاً لديها دافعها الخاص للخوض في الحرب الأهلية، ألا وهو إيران. وجَّهت إسرائيل ضرباتها لإيران عدة مرات داخل سوريا، وأدى ذلك في بعض الأحيان إلى ردود انتقامية من طهران، كما حدث في مايو/أيار الماضي. في الوقت نفسه، يمكن للتصادم بينهما أن يَجُرَّ قوى أخرى في سوريا بكل سهولة.
ففي سبتمبر/أيلول، حاول جنود الدفاعات الجوية السورية التصدي لغارة جوية إسرائيلية، لينتهي بهم الأمر إلى إسقاط طائرة روسية بطريق الخطأ في هذه العملية. وزودت موسكو، بهدف الحد من احتمالات تكرار الحادث، شركاءها السوريين بمعدات دفاع جوي أفضل، في الوقت الذي هدَّدت فيه أيضاً بإجراءات انتقامية ضد إسرائيل. مع ذلك، من المستبعد أن تدفع جهود روسيا إسرائيل إلى وقف هجماتها بشكل كامل. وبناءً على ذلك، وفي ظلّ وجود هامش صغير للخطأ، يمكن أن تؤدي الضربات الإسرائيلية المستقبلية ضد الأهداف الإيرانية إلى إشعال مواجهة بين القوات الإسرائيلية والروسية أو حربٍ أوسع نطاقاً مع إيران يمكن أن تنطوي أيضاً على الدخول في مواجهة مع حزب الله في لبنان.
خطر وقوع زلة
يختتم مركز ستراتفور التقرير بالقول إنه "لا تتوق أي دولة من الدول التي دخلت المستنقع السوري إلى الدخول في صراعٍ مع أيٍّ من القوى الأخرى هناك"، وهذا يعني أنَّ الجميع سيأخذون الاحتياطات القصوى لتقليل فرص تصعيد الصراع. لكن مع انتشار القوى الكبرى في حيزٍ جغرافي قريب من بعضها البعض، فضلاً عن مجموعة المصالح المتضاربة والطموحات المتنافسة للسيطرة على الأرض، فإنَّ المخاطر التي يمكن أن تشعل النار في الهشيم هائلة. وتعني هذه الظروف أيضاً أنَّ احتمال تلاشي خطر الصراع في سوريا قريباً ضئيل.